أورهان باموق ينتقد في القاهرة سياسة بلاده

الجسرة الثقافية الالكترونية
*يونان سعد
المصدر: الحياة
تحت شعار «مزج الحضارات»، وبحضور كُتَّاب من دول عدة، في مقدمهم التركي أورهان باموق، عُقدت الدورة الأولى لـ «مهرجان القاهرة الأدبي»، بمبادرة من «مؤسسة صفصافة للثقافة والنشر»، وبدعم من جهات مختلفة، منها معهد غوته في القاهرة، ووزارة الثقافة المصرية.
جمع الافتتاح، كلاً من باموق والمصري إبراهيم عبدالمجيد، على اعتبار أن كليهما تناول الذاكرة الإنسانية وتأثيرات المكان والتاريخ فى أعمالهما، على غرار رواية «اسمي أحمر» لباموق، و»لا أحد ينام فى الإسكندرية» لعبدالمجيد. وقد حمل كل منهما أفكاراً مختلفة حول ماهية هذه المفاهيم وتأثيرها على الإنسان.
فبينما يرى عبدالمجيد أن المكان هو صانع الشخصيات، ويؤكد تأثر مشروعه الأدبي في مجمله بمدينة الإسكندرية، فإن باموق يرى على خلافه أن الإنسان هو المحرك الأول لاهتمامه ككاتب، فهو لا يقصد الأماكن بقدر ما يركن إلى الشخوص التي تسير في هذه الشوارع أو تختفي خلف جدران المنازل، وخصوصاً المهمشين والذين لا يعرف عنهم أحد شيئاً.
وعلى حد تعبير باموق، فإنه حين تناولت إحدى رواياته تاريخ مدينة اسطنبول… «فإنني لم أكتب تاريخ الحكّام، بل كتبت تاريخ فرشاة الأسنان فى مدينتي»، وهو يقصد التفاصيل الصغيرة في حياة البشر، موضحاً أن هذه التفاصيل اليومية هى التى تحمل رائحة الإنسان، وتشكل عالمه، «فأنا أكتب عن تاريخ الناس، لا عن تاريخ الحكّام».
واتفق كلاهما خلال الجلسة الإفتتاحية على أن التشويه المضطرد للأماكن التى اعتدنا عليها فى السابق هو تشويه للذاكرة أيضاً، ففقدان المكان يعني فقدان الذاكرة بحسب باموق. وتوجه كلاهما ببعض الانتقادات التى طاولت السياسات المختلفة فى بلديهما، لا سيما تلك التي تتعلق بحرية التعبير، فالكُتَّاب في تركيا كما في مصر يعانون من الرقابة. وفيما انتقد عبدالمجيد سجن الكاتب المصري كرم صابر بتهمة «ازدراء الأديان»، تحدث باموق عن الانقلابات العسكرية المتعاقبة فى تاريخ تركيا والتى ولَّدت قدراً كبيراً من التعنت مع كل ما هو مكتوب.
وفى سياق بعض الندوات التى عقدت في شكل منفصل خلال المهرجان عن آداب أوروبا الشرقية، والحضارات الأخرى التي لا تلقى آدابها انتشاراً جيداً في الشرق الأوسط تحت عنوان «آداب أوروبا غير المركزية»، عبَّر الشاعر الهنغاري دينيس كروسوفكي عن وقوع الأدب والثقافة فى بلاده بين مرحلتين شديدتي القسوة على الكُتّاب و القراء على حد سواء. ففيما كانت الحكومات الشيوعية فى السابق تمنح الأديب قدراً من العيش الكريم، وتهتم بالثقافة وحركة الترجمة، وتقدم دعماً مالياً كبيراً لتثقيف الناس، إلا أنها كانت تشدد رقابتها على الأقلام ولا تسمح بمرور أي عمل على غير هواها. ثم أتت الرأسمالية التى منحت الحرية للكتّاب ليقولوا ما يشاؤون، لكنها سحبت الدعم السابق للثقافة والفن، وتركتهما لتحكم السوق من خلال العرض والطلب، ما أدى إلى تغلب الفن الرديء وانحدار الذوق العام. وأيَّد الكاتبان البولنديان ستانسلاي ستراسبرغر، وأندريزغ موزينسكي هذا الرأي، وأقرَّا بمعاناة البولنديين من الأزمة.
وعبّر الكاتب الألماني كريستوف بيترس الذي عقدت مناقشة حول روايته المترجمة حديثًا إلى العربية «حجرة في دار الحرب» في معهد غوته في القاهرة، عن قناعاته الخاصة باعتناقه الإسلام قبل سنوات وولعه بالصوفية. ويتعرض بيترس في روايته لبعض الأعمال الإرهابية التى جرت فى مصر خلال تسعينات القرن الماضي، ويناقش نفسية المتطرف، واستناد المتطرفين دينياً إلى مجموعة من الحجج تبدو منطقية فى أول الأمر، مستندين فى ذلك إلى تفسيرات مغلوطة لجذب الناس إليهم، فيما التطرف لا يرتبط بعقيدة ما، أو مجتمع بعينه.