الخبير العالمي للمسرح (الجزء الثاني) – د. مؤيد حمزة

الجسرة الثقافية الالكترونية – خاص – 

 (توثيق الخدعة، وترسيخ المزوّر)

توطئة : 

في عام 2069، يتقدم مجموعة من طلبة الدراسات العليا للتسجيل في برامج الدراسات العليا في عدة جامعات وأكاديميات في الوطن العربي وحول العالم. كلهم مهتم بدراسة المسرح العربي في القرن ال (21). بعضهم اختار أن يتناول موضوع (دور المسرحيين العرب في المهجر في تطوير وإثراء الحركة المسرحية العربية)، ليحتج أحدهم: “لا تقل الحركة المسرحية العربية، بل قل: في الوطن العربي”، آخر يصرخ: “لا تقل حركة مسرحية، بل قل: الحالة المسرحية”.

ربما… قبل أن يتجادل أعضاء اللجنة حول (العنوان) ستقع في يد أحدهم مقالتنا “الكوميدية” هذه. 

ليست هذه مجرد نبوءة.. يكفي أن نستذكر بأن أكذوبة ريادة يعقوب صنوع للمسرح العربي في مصر، عاشت لأكثر من 120 عاماً، قبل أن يأتي الدكتور سيد علي إسماعيل في عام 1998 ليقدم مقالاً بعنوان “يعقوب صنوع والحقيقة الغائبة” لمجلة عالم الفكر بالكويت التي تقوم بدورها برفضه، وفقط في 1999 يتمكن في كتابه “تاريخ المسرح في العالم العربي في القرن التاسع عشر” من إخبار العالم بأن كل التاريخ الذي نعرفه عن يعقوب صنوع هو من إنتاج قلم صنوع نفسه، وأن الرائد الحقيقي للمسرح العربي في مصر هو سليم النقاش. تلك الحقيقة التي أفرد لها كتاباً فيما بعد بعنوان “محاكمة مسرح يعقوب صنوع”.  

المقالة:

يبدو أن الجزء الأول من مقالتنا هذه والمعنون “بالخبير العالمي للمسرح” قد أصاب أدعياء الخبرة العالمية بالهلع، فقرر بعض الخبراء الورشيين ( الذين يطرحون أنفسهم كمختصين بالورش المسرحية) أن يتجاهلوا المقالة. فيما تصدى بعضهم للدفاع عن نفسه، متطوعاً بدوره لتقديم ما يدينه ويؤكد أننا كنا مصيبين في مقالتنا الأولى، وبلسانه سندينه .. فهذا الدكتور (ف.ج) من كردستان العراق، سويدي الجنسية. في سبيل التأكيد على خبرته العالمية المزعومة، يقدم الدكتور ما أسماه دليلاً على أنه شارك بورشة مسرحية “عالمية” في تخصصه الذي يزعم أنه البيوميكانيك والذي أثبت جدارته به على مستوى العالم كما تقول (الأسطورة). قررنا أن نطلع على الرابط الإلكتروني الذي أرفقه لعلنا نصحح من خطئنا، وربما نقدم تنويهاً يستثنيه من حكمنا السابق. لكن وعلى العكس من ذلك قام الدكتور بتأكيد وجهة نظرنا السابقة به، وإليكم التفاصيل: 

الفعالية المذكورة والتي قال عنها صديقنا الخبير العالمي :” تم اختياري بكل فخر واعتزاز، كمدرب عالمي من بين خمسة مدربين عالميين في مركز الدراسات الفرجوية التابع لجامعة لندن. لإدارة ورشة لمسرحيي لندن في البيوميكانيك/ من بين ورشة عن كوردن كريك وورشة عن بريخت، وكان لي شرف هذا الاختيار كاول مسرحي تم اختياره من الشرق..”. انتهى الإقتباس، بقراءة البوستر المرفق في الرابط الذي قدمه الدكتور، بالإضافة لبعض البحث وجدنا أن الإدعاء غير دقيق على الإطلاق، وأن الذي جرى فعلاً في 2008 ، أن البروفيسور “أنا فورس” رئيسة قسم التمثيل في كلية غولد سميت أقامت فعالية بعنوان ( living memory / live performance) وقامت بدعوة مجموعة من معارفها وزملائها في العمل في الكلية وخارجها لتقديم محاضرات في هذه الفعالية. فالسيد “هارفي غروسمان” (Harvey Grossman) وهو مختص بمسرح غوردون كريغ يعمل بنفس الكلية ونفس القسم الذي تديره “أنا فورس” (Anna Furse)، أما الدكتور (ف.ج). فهو خريج نفس الكلية إذ أنهى فيها دراسته للماجستير بعد أن أنهى الدكتوراة من روسيا، نعم أنا لم أخطئ، وأكرر ( بعد أن أنهى الدكتوراة من روسيا). وبالتالي فهو خرّيج نفس القسم الذي تديره “أنّا فورس”، وقد تم تقديمه كمسرحي بصفته من السويد وليس من الشرق كما يشير الدكتور الخبير، إلا إذا كان يحسب السويد دولة شرقية- ربما بسبب كثرة عدد اللاجئين المجنّسين فيها من عراقنا الحبيب!!. مايا ميتيك (Maja Mitic) مسرحية شابة من صربيا، شيترا سندارام(Chitra Sundaram) راقصة هندية مقيمة في المملكة المتحدة، وأخيراً بيغي شو(Peggy Show)، ولوي ويفر (Lois Weaver)وهما من الولايات المتحدة. الأول تخرج من كلية فنون ماتساشوستس عام 1997 تخصص رسم، وفن الطباعة الجرافيكية، وصفته بالعمل كما يذكر في سيرته الذاتية كالتالي: 

((Independent Performance Artist (Current)- أي فنان مختص بالفنون الأدائية مستقل (حاليا). أما الثانية فهي مخرجة ومدرسة في جامعة رادفورد في ولاية فرجينيا. وقد اشتركا في تقديم نفس المحاضرة. 

الفعالية المذكورة لم يعقدها ما أسماه الدكتور “بمركز الدراسات الفرجوية التابع لجامعة لندن”. بل هي مجموعة من المحاضرات عقدتها كلية غولد سميث التابعة لجامعة للندن، بهدف إطلاع الطلبة والمهتمين على وجهات نظر أخرى، فهي كلية لا تتبع التلقين كعادة الكثير من كلياتنا المسرحية، وإنما تفتح مجالات التفكير أمام الطلبة، فتسعى من خلال دعوة هؤلاء الضيوف لإطلاع طلبتها والمهتمين على تأويلات هؤلاء الناشطين المسرحيين من أماكن مختلفة لإبداعات كبار الرواد المسرحيين ( مثل كريغ، مايرهولد، وأخرين) في إطار مفهوم المسرح الحي. وقد كان الدخول مجانياً لحضور تلك الدروس. كما وينص الإعلان الذي يرفقه الدكتور “الخبير العالمي” على توفر ممرات للكراسي المتحركة بالإضافة إلى سماعات تساعد على السمع حيث أن المحاضرات سمعية في مسرح كبير. وليس لها علاقة بمفهوم الورش المسرحية. وهي محاضرات خارج الدوام الرسمي وتوقيتها يظهر بالبوستر وهو السادسة والربع مساء. كما ونؤكد بأن هذه المحاضرات وجهت للطلبة والمهتمين بالفن المسرحي من الهواة، وليست موجهة بأي حال من الأحوال لمسرحيي لندن – كما يدعي الدكتور الفاضل- الذين بدون أدنى شك لم يستفيدوا من خبرات صديقنا الدكتور الخبير العالمي، ربما لسوء حظهم.  

مشكلة غالبية المسرحيين العرب الذين يقتنعون بأساطير “الخبراء العالميين” كما نلاحظ تكمن في عدم قراءتهم، ربما بسبب عدم التمكن من لغة أجنبية، وغالباً بسبب عدم الرغبة بالقيام بعملية بحث بسيطة. لهذا السبب وجدنا الكثيرين منهم يتداعون لوضع إشارة الإعجاب، وكيل عبارات الإطراء للدكتور الخبير العالمي، حينما قدم إدعاءه الذين سقناه آنفاً، فيما لم يجرؤ إلا القلة فقط أن يتركوا أثراً على أنهم مروا على مقالتنا السابقة.   

خبير عالمي ومنسق عام لملتقى المسرحيين العرب في المهجر

مثال آخر لأولئك الخبراء العالميين في المسرح يتمثل في مسرحي آخر غادر العراق صغيراً إلى الأردن. ومن هناك قرر صديقنا المسرحي (ك. ر) العراقي الأصل أن يتوجه للسويد لطلب اللجوء ومن ثم الحصول على الجنسية، الأمر الذي تم له بالفعل، ليتحول بقدرة قادر إلى ضيف مسرحي عالمي ودائم على الكثير من المهرجانات العربية في الشرق والغرب العربي، بل وأن يقدم نفسه بصفته المنسق العام لملتقى المسرحيين العرب في المهجر، ويطلب ممن يرغب بالإلتحاق بالركب من المسرحيين العرب في الغربة التواصل معه. 

في ذات الملتقى نجد في اللجنة المؤسسة الفنانة الخبيرة العالمية للمسرح التي افتتحنا بها مقالتنا السابقة (ن.ح) من سورية والكندية الجنسية. حيث وكما ما يبدو أن جهود خبيرتنا العالمية أتت أُكلها بعد أن قدمت ورشتها التي لم يحضرها أحد في الأردن، وجاءت بعرض كندي عالمي (مسلوق) لمهرجان المسرح الأردني 2010، جمعت فيه مجموعة كبيرة من السواح وطالبي اللجوء في كندا. وها هي الآن تساهم – بعد هذا الجهد العظيم “في التواصل عبر الإنترنت” مع خبراء عالميين آخرين- في تأسيس ملتقى المسرحيين العرب في المهجر. مثابرة جداً ومجتهدة صديقتنا الورشية.. صبرت ونالت.. لكل مجتهد نصيب…

نعود لصديقنا الخبير العالمي ( ك. ر)، والذي تمتلئ صفحته بنشاطات لأحد المسارح في السويد والتي يشارك في نشاطاته، بل يهيأ للبعض من المسرحيين أنه هو مدير ذلك المسرح. هنا نتساءل: بما أنك مسرحي سويدي.. وافتقد العرب خبراتك وابداعاتك الفنية، إذ اضطررت “مجبراً” للجوء إلى السويد!!. أليس من المفترض أن تكون هناك تغطية لنشاطاتك المسرحية في المهجر ( السويد في هذه الحالة)؟ لماذا لا نجد أي أثر لنشاطاتك المسرحية في الجرائد هناك، أو محرك البحث غوغل؟ إلا من خلال كتاباتك عن نفسك في مواقع التواصل الإجتماعي؟ هل تقوم بكتابة تاريخك المسرحي للناطقين بالعربية فقط؟ الغريب في الأمر أن أمثال هؤلاء الخبراء العالميين أصبحوا ضرورة في الكثير من المهرجانات العربية للتأكيد أن المهرجان يحمل صبغة عالمية، وكأن الكل يساهم في عملية تزوير التاريخ. 

سيجادل البعض هنا بأن “هذا” مؤسس فرقة في السويد، و”هذا” أسس فرقة في بلجيكا. والمبدعة الورشية “تلك” عندها فرقة في كندا.. وغيرهم كثيرون، أقولها وبصراحة: -وأنا زرت بلاداً أوروبية في شرقها وغربها وحتى أمريكا، وعشت ودرست في اكثر من بلد فيها- إن أسهل شيء يمكن أن تعمله عندما تكون في الغربة هو أن تؤسس فرقة على موقع إلكتروني، فليست هذه هي القضية.. أين النتاج الفني لك ولفرقتك؟ أين التغطية التي قامت بها الصحف المطبوعة في بلدك الجديد الذي تحمل جنسيته والمرئيات التلفزيونية والمواقع الإلكترونية ذات المصداقية بتغطيتها؟ المضحك في الأمر أنك تجد عن هؤلاء الخبراء العالميين للمسرح عشرات المقالات المنشورة في اللغة العربية في بلادهم الأصلية تغطي إبداعاتهم الأسطورية ولا تجد سطراً واحداً عن غالبيتهم في صحف مهجرهم. فعند بحثنا عن اسم صديقنا المنسق العام الخبير العالمي مثلا ( ك.ر) وجدنا شخصاً آخر بنفس الاسم مصري الجنسية وهو فنان مبدع في مجال التصميم الداخلي في الولايات المتحدة. فيما لم نجد أي ذكر “لخبيرنا العالمي للمسرح” إلا ما يذكره هو عن نفسه. 

هل تتصور عزيزي القارئ كيف سيقرأ الباحث ودارس التاريخ المسرحي العربي في بداية القرن الواحد والعشرين؟ ومقدار الجهد الذي سيبذله فقط في سبيل التحقق من خبرة الخبراء العالميين “الأسطوريين” للمسرح؟ 

(ح.ك) الخبير العالمي للمسرح من بلجيكا والعراقي الأصل، والذي ابتدأ حياته الثقافية في المهجر بالتركيز على تقديم نفسه كنموذج للمثقف العراقي الذي هرب من دكتاتورية صدام، حتى أنك تقرأ في أكثر من موقع نفس القصة عن أنه “أَخرج في العراق مسرحية الملك هو الملك والتي تجسد دكتاتوراً يمتلك الكثير من الشبه مع صدام حسين -(كما تقول المواقع طبعاً)- الأمر الذي كلفه إصدار حكم قضائي ضده بالإعدام، فاضطر للهجرة بعمر 22 عاما إلى سوريا فتركيا فبلغاريا ثم لبنان فاليونان وانتهى به الأمر في بلجيكا”. طبعا أي شخص يعرف الجغرافيا سيستغرب خط الهجرة هذا! يمكن الإطلاع على هذه القصة في أكثر من موقع منها التالي: 

 http://www.zebrart.be/artist.php?artist=6

  ولكنا سنتجاوز بدورنا هذه القصة، والتي أردنا من خلالها فقط أن نقدم مثالاً للقصص التي يرويها طالبو اللجوء في سبيل تحقيق “حلمهم الأسمى” وهو الحصول على حق اللجوء، قبل أن يتحولوا لمواطنين غربيين، ومن ثم إلى خبراء مسرح عالميين في الوطن العربي فقط. أما إن قررت أن تتساءل: كيف تمكن شاب عمره 22 عاماً  من تقديم مسرحية في العراق تهز عرش صدام حسين وهو في أوج قوته، ليجند كل قوته في سبيل القبض على المناضل الصغير، وعندما ييأس يحكم عليه بالإعدام غيابياً!! كل هذا يبقى سراً، ولكنه ضروري لتقديم تأويل حديث ومعاصر لقصة صقر قريش وإسقاطها على خبيرنا العالمي.

نعود إلى النشاط المسرحي الخبير العالمي والمناضل في بلجيكا (ح.ك) فنجد له نشاطاً ثقافيا ملحوظاً في المهجر، على عكس صديقنا في السويد (ك.ر) الذي لا يوجد له أي أثر إلا باللغة العربية. إلا أن النشاط الثقافي المقصود ينحصر في الأدب، الشعر، القصة حيث يقدم في المراكز العلمية في الجامعات لطلبة الإستشراق واللغة العربية في بلجيكا كنموذج للمثقف العربي والعراقي تحديداً يصلح للدراسة .. عندما كنت أدرس في ألمانيا رأيت الكثيرين من أمثاله يقدمون أنفسهم كممثلين لبلادهم ثقافياً… لكن لا أحد في الغرب يعرف أنهم عندما يعودون لبلدانهم العربية يقوموا بتقديم أنفسهم كممثلين للغرب. ولثقافته!!!! 

ورشية أخرى جديدة ظهرت بسرعة الصاروخ – ربما بفضل “”بركات”” خاصة – في المهرجانات العربية (د.م – Pausch)، فهي فلسطينية من سورية – ألمانية بالزواج بألماني كما يظهر من الإسم، وأحياناً تدعي أن لها أصولاً جزائرية حين تتواجد في بلاد المغرب العربي!!. تظهر مرة كشاعرة ومرة أخرى كمختصة بخيال الظل. أحياناً سينوغرافية، وأحياناً أخرى سايكودرامية، وإن لزم الأمر تظهر كمختصة بالتعليم عن طريق المسرح.. وبالرغم من مظهرها الذي قد يخدعك، إلا أنها مصرة أيضاً على تقديم نفسها كمتصوفة وتنتمي لعائلة متصوفة (الأمر الذي يلقى قبولاً شديداً واحتراماً في الأوساط الثقافية الألمانية)، وربما بفضل البركات وطاقتها العجائبية يسعى الشاب منسق الورش والندوات في مهرجان خليجي كبير، لترسيخها وإقحامها في الورش المسرحية المناسباتية. نستطيع أن نقول بأن العام 2014 كان عام (د.م) بامتياز في عالم الورشيين المسرحيين، بصفتها الأنشط في مجال الورش المسرحية في أكثر من بلد عربي. حيث يتم تقديمها كخبيرة مسرح عالمية رقم (1).. القادمة من ألمانيا وتحمل على أكتافها الرقيقة تراكم هائل من خبرات المسرح الألماني، دون أن يذكر بالطبع أنها خريجة قسم النقد والأدب المسرحي في المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق، وليست هي التي علّمت الألمان كيف ينبغي للمسرح أن يكون كما يظن المهرولون للاستفادة من خبراتها، ولا حتى تعلمت في جامعاتهم أو حتى مسارحهم. ولكن لا بأس بالنسبة لها ما دامت تعتبر أن التصوف بداية الرحيل إلى المسرح!.  

ألهذه الدرجة وصل بنا الجهل بحيث يصلح أي شخص، وبقليل من الفهلوة أن يقنعنا بأستاذيته!!؟ حتى وإن كان في بلد مهجره لا يُعترف به كمسرحي بل وغالباً ما يُقصِّر في متابعة الحركة المسرحية في وطنه الجديد الذي يحمل جنسيته؟!. هنا ينبغي لنا التأكيد على أن القدر الأكبر من المسؤولية يتحمله مدراء المهرجانات الذين يقومون بدعوتهم. هنا ينبغي علينا أن نرسل رسالة إلى مدراء المهرجانات الذين لا يعرفون – وهم الأغلب – أن يحذروا من مستشاريهم الذين يدسون هكذا أسماء كخبراء لا لشيء إلا لغرض الحصول على مصلحة ضيقة بعيدة عن مصلحة المهرجان الذين يعملون فيه، ومصلحة الفنان الذين يدَّعون خدمته.   

مثال أخر نقدمه في مقالتنا القصيرة هذه تتمثل في (ه.ش) وهو فرنسي من المغرب.. وجدنا له نشاطاً مسرحياً، ولكن يتم تقديمه في فرنسا كمسرحي مغربي. ونشاطاته المسرحية في المغرب أكثر منها في المهجر. ورغم ذلك دُعي في سهرة عشاء على هامش أحد أكبر المهرجانات المسرحية في المشرق العربي للحديث عن تجاربه الإبداعية في المهجر، إلى جانب عادل قرشولي الأديب والمسرحي السوري المخضرم، والمقيم في ألمانيا، ومبدع آخر هو (Wajdi Mouawad) وجدي معوض الكندي من أصل لبناني، وهو مسرحي ناشط بالفعل في المهجر وله أعمالاً مميزة ووجود مسرحي حقيقي فيها يستحق أن يسلط عليه الضوء، بل وأن يدرس. والمدهش في الأمر أننا لم نر أو نسمع الأستاذ الفاضل عادل قرشولي أو الفنان وجدي معوض يطرحان أنفسهما كخبراء عالميين، بل تنازلا عن ذلك للورشيين وصائدي الفرص، وتعففا عن إطلاق الأوصاف على أنفسهما، وانصرفا للإبداع الحقيقي الذي جُبلا عليه.

لا تعني مقالتي هذه بأي حال من الأحوال أن وحدهم هؤلاء المقصودين من مقالاتي التي أكتبها منذ فترة – بأسلوب ساخر- عن الظواهر السلبية في المسرح العربي، وإنما هم مجرد أمثلة تصلح للقياس عليها. هي فرصة لدعوة المسرحيين العرب بشكل عام والقائمين على شؤون المسرح إدارياً وتنظيمياً بشكل عام، نلفت بها انتباههم إلى ضرورة البحث والتمحيص، وعدم المشاركة في تزوير التاريخ الذي ستأتي أجيال من المسرحيين في المستقبل القريب والبعيد لدراسته والكتابة عنه، وعندها سيجدوا وثائقنا (في زماننا هذا) مليئة بقصص فانتازية عن رواد وخبراء “عالميين” قمنا بترسيخهم في حياتنا وشاركناهم في صنع الوهم وتزوير التاريخ، حياء منا أحياناً، وعدم رغبة في خوض نزاعات في أحيان أخرى، وجهلاً أو مشاركةً لتحقيق مصالح ضيقة ورخيصة في كثير من الأحيان. ستأتي أجيال من دارسي المسرح ربما بعد عقود أو قرون.. سيجادلوا بأن ادعات الورشيين هذه حقيقة ولابد، بدليل أن أبناء جيلهم من المسرحيين أقروا أفعالهم بصمتهم. 

لهذا السبب نقف عند هذه المسائل – التي قد تبدو للبعض تافهة- ونثبت.


 

* دكتور فنون مسرحية، مخرج، مربي ممثل، دراماتورغ – الأردن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى