«تحت السيطرة».. الإدمان من خلف النظّارات الشمسيّة

الجسرة الثقافية الالكترونية

*مؤمن المحمدي

 

كبير هو الجهد الذي بذله صناع مسلسل «تحت السيطرة»، بالأخص كاتبته مريم نعوم ومخرجه تامر محسن، إضافة إلى طاقم الممثلين والفنيين. غير أن ما يستحق الانتباه إليه ليس حجم الجهد، وإنمّا توجهه؛ فكل تلك الجهود صُرفت بالكامل لخلق صورة «واقعية» لعالم الإدمان.

اختار المسلسل إذاً أن يتناول موضوعاً اجتماعياً محدداً كإطار لفنياته، والموضوع ليس جديداً، فالسينما والدراما التلفزيونية تلوكه منذ سنين، سواء بإفراد أعمال كاملة، أو بظهور شخصيات أساسية تقع تحت سيف الإدمان.

كانت الواقعية هنا اختياراً وحيداً، لا بديل عنه. لا بدّ من الغوص في عالم المدمنين ولغتهم وتفاصيلهم، وعدم التفكير مطلقاً في أيّ نوع من أنواع المغامرات على أي مستوى (الكتابة/ الإخراج/ التصوير/ التمثيل، إلخ…).

لجأ صناع العمل إلى الوصفة المضمونة المجرّبة، خوض التجربة بروح التحقيق الصحافي، وكلّ تحقيق لا بدّ له من مصادر. لدينا طبيب نفساني متمرّس، هو نبيل القطّ، متصّل شخصياً بعالم الفن والدراما، يعرف بالضبط ماذا تريد الدراما حين تستعين بطبيب (مثَّل دوراً صغيراً في العمل كطبيب نفساني)، ولدينا عدد هائل من المدمنين، من خلال «زمالة المدمنين المجهولين»… تبقى الحبكة.

كاتبة المسلسل متمرّسة، لديها أعمال في السنوات الأخيرة حققت نجاحاً («موجة حارة»، و «ذات»، و «سجن النسا»)، والأهم من النجاح أنها عرفت جمهورها المفترض من خلال تلك الأعمال، وعرفت شريكتها الأساسية، الممثلة نيللي كريم. إنّها تتوجّه في أعمالها إلى المشاهد الأنيق الإنساني، الذي لا تغريه الأفكار، بقدر ما تأسره المشاعر، هو يريد أن يرى مشهداً ويسمع حواراً، يغذّي إحساسه الدائم بقسوة الحياة على الإنسان الفرد، الذاتي.

الإدمان هو أمّ القضايا الذاتية التي يكون حوار الإنسان فيها مع نفسه قبل أن يكون مع الآخرين، والشعار الرئيس لدى معظم الشخصيات: «لا أحد يفهمني حتى أقرب الناس لي»، لا الأم ولا الأب ولا الزوج/ة ولا الحبيب/ة ولا الصديق/ة، لا أحد يفهمني، ولا شيء يعجبني، هذا هو ما في الأمر.

نيللي كريم ممثلة تلعب أدواراً منذ زمن بعيد، لكنَّها حقَّقت في السنوات الثلاث الماضية ما لم تحقِّقه في مشوارها كلّه، والفضل، كلّ الفضل هنا يرجع للمخرجة كاملة أبو ذكري، التي قدمتها في العملين السابقين، ودفعتها لتسير بالقصور الذاتي، فهي التي اكتشفت المساحة التي تجيدها نيللي، وهي وإن كانت مساحة صغيرة، فهي غنيّة، ولها جمهور عريض.

لم يبذل تامر محسن الجهد الإبداعي الذي بذله سابقاً في «بدون ذكر أسماء»، ربما لأنه مقبل على عالم شبه متكامل، وفريق متعاون كل فرد فيه يعرف حدوده ودوره، مؤلفة وممثلة ومنتج (العدل غروب) ومنتج فني (صبري السماك)، وربما لم يكن بحاجة إلى بذل الجهد من أساسه.

السؤال هنا: هل نجحت تلك التركيبة في رصد الواقع؟

ما نراه أنَّ العمل قدّم واقعاً بديلاً أكثر رومانتيكية، أو فلنقل نقل صورة للشارع من خلف نظارة شمسية لعينين دامعتين تراقبان المشهد من دون أن تتورطا فيه. نرى طفلاً من أطفال الشوارع مثلاً، ونحن نمرّ بسيارتنا، نتأمل تفاصيله، نبكي، ونمرّ، لكننا لا نعرفه (ربما يكون أطفال الشوارع أحد مشاريع مريم نعوم المقبلة).

وعندما نرصد ردود فعل المدمنين أنفسهم على العمل، نجد أن مجموعات من المدمنين قررت مقاطعته، ونشرت الدعوة على مواقع التواصل الاجتماعي، باعتباره يقدِّم الإدمان بصورة جماليّة، خصوصاً في الجزء الأول، ويتفنن في صياغة مشاهد «الضرب» على نحو يغري به، وترك التحذير منه لمصائر الشخصيات التعيسة نتيجة إدمانهم.

سألنا الطبيب أحمد أبو الوفا الذي يعالج الإدمان عن رد فعله، فأثنى على العمل لعدم استسهاله، لكنه أشار إلى أنّه لم ينل رضاه، ولا رضى زملائه، على اعتبار أنه انتصر لتفاصيل، ليست فقط تخالف الواقع، وإنما تقود إلى الاتجاه الخطأ، كإعلاء دور المدمن المشارك في علاج زملائه على دور المعالجين أنفسهم.

المتابعة لردود فعل المعجبين بالمسلسل، سنجد أنها منصبة على المشاعر الإنسانية العاطفية وعلاقات الحب والزواج، والأغرب أنها مرتبطة بالنسويّة ارتباطاً وثيقاً، فالأمر تحوّل إلى معركة بين الرجال والنساء، فالمدمنة المرأة (مريم) مظلومة وزوجها غير المدمن (حاتم) ظالم. المدمن الرجل (طارق) ظالم، وزوجته غير المدمنة مظلومة، والمدمن المتعافي الطيب (شريف) غير متزوج وفاشل في الحب.

بقي أن نشير إلى الأداء المتفوق لبعض الممثلين، خصوصاً محمد فراج الذي ينضج يوماً بعد يوم، وجميلة عوض وإن كان علينا الانتظار في الحكم حتى نراها في أدوار أخرى مختلفة، وأخيراً هبة عبد الغني في دور عزَّة تاجرة المخدرات، فبرغم قلّة عدد المشاهد التي أدتها، إلا أنّها تركت بصمة وصنعت شخصية لا يمكن تجاهلها.

المصدر: السفير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى