كتاب ومثقفون يعاينون أثر السوشيال ميديا على الفعل الثقافي وجمهوره

خاص (الجسرة)

 

بريهان الترك

 

يرى كتاب ومثقفون أن السوشيال ميديا سلاح ذو حدين له ايجابياته وسلبياته، فمن حيث الايجابيات اختصرت المسافات بين المبدعين وأتاحت تواصلا سريعا مع الصحف والمجلات والمواقع الالكترونية المعنية بالشأن الثقافي وألغت الحدود والجغرافيا وقربت التجارب الإبداعية، إلى ذلك نشر الفعل الثقافي سواء الشعر أو النثر أو القصة بيسر دون خطوات الطباعة والنشر والإجراءات الروتينية المعتادة وفورا يحدث رد الفعل من تعقيب وتحليل ونقد، أما السلبيات فتلخصت بأن ما يبث على مواقع التَّواصل غيبَ دور الكتاب، ولم يكن بديلًا أمينا له، ولتركيزها على العنف والترويج الاستهلاكي الذي أفقد المتابع ذائقته الفنية والأدبية، وساعد في صعود أشخاص غير مؤهلين من حيث الموهبة أو حتى المعرفة وصنعت منهم نجوما.
من جهتها أوضحت القاصة بسمة نسور أن مواقع التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدين من ناحية فإنه وسيلة باتت واقعا في حياتنا اليومية لا يمكن تجاهل تأثيره في كافة مناحي الحياة ولا يمكن لأي منا الاستغناء عنه أو النجاة من تأثيراته العديدة في سلوك الأفراد.
وتضيف: “في الجانب الثقافي أتاحت لنا سرعة الحصول على المادة الإبداعية والتفاعل معها والتأثر بها كما أنها اختصرت المسافات بين المبدعين وأتاحت تواصلا سريعا مع الصحف والمجلات والمواقع الالكترونية المعنية بالشأن الثقافي وألغت الحدود والجغرافيا وقربت التجارب الإبداعية بين الدول وأسهمت في تبادل الخبرات بينهم وكذلك أتاحت للمهتمين مساحة أوسع من الاطلاع.
وحول سلبيات الأمر تقول صاحبة المجموعة القصصية “مزيدا من الوحشة”: “ساهمت في تسويق الرداءة وفي صعود أشخاص غير مؤهلين من حيث الموهبة أو حتى المعرفة وصنعت منهم نجوما وهنا تكمن الخطورة ومع ذلك الوقت كفيل بغربلة المشهد المكتظ الملتبس”.
الكاتب والصحافي رشاد أبو داود لا يختلف رأيه كثيرا عن النسور فهو يرى أن للسوشيل ميديا تأثير إيجابي وآخرسلبي..من الناحية الإيجابية فقد ساهمت في التواصل السريع بين الناس بحيث ينشر الفعل الثقافي سواء الشعر أو النثر أوالقصة بيسر دون خطوات الطباعة والنشر والإجراءات الروتينية المعتادة وفورا يحدث رد الفعل من تعقيب وتحليل ونقد..
ويتابع أبو داود: “لكن من ناحية أخرى فتحت سهولة النشر عبر السوشيال ميديا الباب واسعا أمام الجميع لنشر ما يريد. وقدساهم ذلك في تكوين جماعات “اللايكات” المجاملة ما أنشأ ثقافة هزيلة أساسها “اللايك”. وبالتالي تأثرت الثقافة الحقيقية سلبا وسط هذا الفيضان من ثقافة اللايك. وأصبح من الملاحظ أن يحصل فعل إبداعي حقيقي على عشرين أو خمسين إعجابا في حين يحصل فعل تافه على مئات اللايكات في غضون عشر دقائق مننشره”.
أما الكاتبة والناقدة أمل المشايخ فتقول لموقع الجسرة: “دعوني أعود للقضية من بداياتها، فقد أنشأت هذه المواقع للتواصل الاجتماعي وليس الثقافي ولكننا ولغياب منابر التعبير أصبحتْ هذه المواقع منبر مَن لا منبر له. وللحق فقد تعرَفت بالكثير من الروابط لصفحات ومواقع ثقافية وكتب ودراسات ممّا كان له الأئر العظيم والفائدة الكبيرة إضافة إلى مناقشات وحوارات على صفحتي وصفحات الأصدقاء، ولكن إصرار الكثيرين على أن يكونوا كتابًا وشعراءَ ظانين أن ذلكَ يصنع نجومية جعل هذا الفضاء يزخر بالغثّ على حسابِ السَّمين، بل أصبحنا نجد صعوبة في تمييزه وينضوي تحتَ هذا الموضوع السّرقات الأدبيَّة التي جعلت عددا من الأصدقاء ينشؤون صفحات لفضح هؤلاء الأدعياء الذين يحاولون أن يأخذوا شهرة على حساب غيرهم في هذا الفضاء الإلكتروني، وتعزي صاحبة كتاب “أبو هلال العسكري ناقدا” السَبب َإلى أنه لا شروط لإنشاء حساب على هذه المواقع، فكلّ ما عليك، بحسب المشايخ، أن يكون لك أن تدخل اسما – وإن كان مستعارا – وكلمةَ مرور”.
وحول خطورة آلة الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي على الذائقة الفنية والأدبية تقول: “تكمن خطورة آلةِ الإعلام ومواقع التواصل عموما؛ إذ إن انتشارالثقافة (الشَّعبويةِ) جعلت الجماهيرَ في كثيرٍ من الأحيان تُجمع على ما هو تافه، وتنأى عن ما هو جاد وعميق أو قل حظه أقل القليل من المشاهدين أو المستمعين أو القرّاء.. فما هو مرئي من أجهزة الإعلام، وما يبث على مواقع التَّواصل غيبَ دور الكتاب، ولم يكن بديلًا أمينا له، فوجدنا أنفسنا أمام جيل لا هو بقارئ ولا هو أحسن اختيار ما يشاهدُ أو يسمعُ، فكان ما يجنيه قشورا من علم وقشورًا من ثقافة منْ حيث كان ينتظر من هذه الميديا المتعددِّةِ العكس والعكس تمامًا”.
ويرى الصحافي والمترجم الجزائري مدني قصري “أن السوشيال ميديا أتاحت كل الوسائل السريعة لتقاسم المعرفة وتبادل الآراء والأفكار، وأصبحت هذه الشبكات أداة أساسية وقوية للتنمية البشرية. لكن مقابل أي ثمن؟ فالعديد من المحللين، بحسب قصري” يعانون من قلق مشروع بسبب تبعيّتنا العمياء التي باتت تربطنا بهذه الشبكات. ولكن بأي ثمن وإلى أي مدى؟ ويبقى السؤال متى تنقلب الأدوار فيصيح الإنسان فاعلا وليس تابعا، ومتى تصبح السوشيال ميديا تساهم في تنمية الانسان وليس العكس؟”.
ويتساءل ناقل رواية “فتاة البرتقال إلى العربية”: “من منا إذا كان يملك فضول البحث المتواصل على المعلومات من مختلف قنوات التلفزيون “المتنافسة”، لا يلاحظ أن ما يشاهده هي الصور نفسها، والوثائق نفسها، والأفلام نفسها، والقصص نفسها وحتى الديكور نفسه. ألا نتساءل ما الذي حدث للحرية الصحافة؟ ألم يلاحظ هذا المشاهد أن التركيز كله يقع من قبل هذه الشباك على موضوعين اثنين، وهُما العنف والترويج الاستهلاكي. لماذا ؟ فالتركيز على هذين الموضوعين ليس من قبيل الصدفة، ولا هو بريء، بل هو مدروس دراسة منهجية هادفة، ناهيك عن أنهما يؤثران على لاوعي المشاهد والمتابع والمشارك، أي من حيث لا يدري، لضمان تأثيرهما المؤكد عليه، وتحقيق الهدف المرجو منهما”.
ويبين قصري الأسباب قائلا: “لأن الشعور بالحزن والاحباط والوجع الذي يكابده الانسان باستمرار لا يُسكّنه إلا الرغبة في الاستهلاك. فما أكثر ما تقطع القنوات برامجها بفواصل إعلامية ودعائية حتى تعرض ما أنتجته وأبدعته الرأسمالية من منتجات مغرية، لإثارة الناس وإغرائهم بالإقبال على شرائها، من حيث لا يدرون، ولذلك يسعى كل الناس إلى التخفيف من مشاعر الكآبة التي تلاحقهم بسبب مشاهد العنف التي تغزو شبكاتهم الاجتماعية، عن طريق الاستهلاك. لأن الاستهلاك هو أسهل سبيل للتخفيف –المؤقت- من التوتر النفسي، وما أكثر مسبباته في أيامه وعلى رأسها صور العنف التي تفرط هذه القنوات في عرضها ناهيك عن أنها نفس الصور في كافة القنوات، وهو ما يدعونا للتساؤل والتأمل في أمرها.. وهذه هي الدوامة التي أوقعتنا فيها السوشيال ميديا التي صنعتها الحكومة الخفية وأغرقتننا فيها وصارت مع الأسف الهواية المفضلة التي بتنا مدمنين عليها عن غير وعي منا”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى