مبدعات إماراتيات يبحن بهموم السرد وتحدياته

الجسرة الثقافية الالكترونية-الخليج-

لئن كانت الرواية الإماراتية نشأت في كنف المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي عرفتها دولة الإمارات منذ قيامها، وواكبت التحولات التي تمخضت عن ذلك، ووظفتها في شخوصها، وعادت إلى البيئة الإماراتية الأصيلة، وأفادت منها، إلا أن الجيل الجديد من الكتّاب الشباب بدأ ينزع إلى الكتابة بنمط خاص وطريقة مختلفة ما يدعو إلى المقارنة بين الرواية بين جيلين، لاستجلاء الفوارق، ومعرفة عناصر الشبه والاختلاف، ومدى ارتباطه بثقافة العصر، وميول الكتّاب الشباب وهمومهم وقضاياهم التي ينشغلون بمعالجتها ونقاشها في كتاباتهم . 

ما هو المؤتلف والمختلف في الرواية الإماراتية من وجهة نظر الكتّاب الشباب، أو بالأحرى الكاتبات الإماراتيات؟ وهل هناك اختلاف في النظرة والرؤية والمرجعية؟ أم ثمة استمرارية واستيعاب للتراكم السابق والإفادة منه؟ كاتبات إماراتيات يعبّرن عن هموم الرواية الإماراتية ويبحن بما يخالجن تجاه واقعها . 

ترى الكاتبة لؤلؤة المنصوري أن السرد لإماراتي يكاد يلتقي في نقاط تتقارب مع مستوى الازدهار التنموي المفاجئ والارتقاء الحضاري ونهضة الإنسان في المجتمع الإماراتي، فكل ما على هذه الأرض من نشأة ونمو وارتقاء قد حدث فجأة، نابعاً من تيسير القدر وهمّة رجالها وتطلعهم إلى النهوض ومنافسة العالم، لذا فإن الظهور المتأخر للسرد الإماراتي لهو تأخر حميد وخيّر على حاضر ومستقبل المشهد الثقافي، فقد أفرز هذا التأخر وعياً حداثياً ونضجاً كافيين في امتلاك عدة السرد وأدواته . 

وأكدت أن السرد الإماراتي شهد في السنوات الأخيرة تألقاً وتميزاً ملحوظين مصنفة كتّاب السرد الإماراتي إلى جيلين يطور كل منهما نفسه على مستويين أحدهما يتشكل بوعي وهدوء، ينطلق من خبرات الكتّاب السابقين ومغامراتهم الإبداعية والإفادة من تجاربهم في الفن الروائي والقصصي الإماراتي والعربي والعالمي، ومن ثم الارتقاء الهادئ والمتزن تدريجياً خطوة بعد خطوة على سلم الكتابة ونسج السرد، والخروج من المألوف وبعض الانشغالات المحلية والقضايا الاجتماعية وهموم الواقع التي ظلت ملتصقة بالسرد الإماراتي منذ فترة السبعينات، انطلاقاً نحو القضايا الكبرى ومحاولة معالجة الأسئلة الوجودية والتاريخية وتحرير الإرادة الإنسانية .

وذهبت إلى أن الجيل الآخر جيل يتخاذل عن خبرات من سبقوه، ويعيش في لبس مع مفهوم الكتابة الأدبية وشروطها الفنية، تغريه الأشكال السردية القصيرة جداً عبر الوسائط التكنولوجية ونوافذ التواصل الاجتماعي، ويستسهل الانخراط فيها، مكتفياً بإلهام اللحظة والفكرة التي تستحضر نفسها وفق ظروف الحياة ومعطياتها المتواترة، يكتب جملتين وفق بناء موجز غير مكتمل، ثم يقول هذه قصة قصيرة جداً، أو يكتب مجموعة من الخواطر الشعرية ثم يدرجها في خانة الرواية أو قصة قصيرة جداً متجاهلاً ضوابطها التي تستدعي الاختزال والتكثيف والتأمل بدهشة والبلاغة الإيحائية وغيرها، ثم بعد ذلك يسارع إلى جمع الكتابات التويترية وتقديمها لدور نشر تتجاهل المضمون وتسعى جاهدة نحو الربح .

وتميل الكاتبة ميثاء المهيري إلى أن الرواية تأتي كنتاج لتجربة، فلا تخلو أية رواية من تجارب الكاتب ومحيطه، ولذلك من الطبيعي اختلاف سرد الروايات باختلاف الأجيال ومعاصرتهم للمحيط والتفاصيل والتاريخ، فكل هذه الأمور تؤثر في رؤية الكاتب ومقاييسه للأمور ما يؤثر بشكل كبير في طرحه . ومن الطبيعي جداً أن نجد اختلافاً في الطرح والسرد بين الجيل السابق من الكتّاب والجيل الحالي، فقضايا وهموم الجيل الحالي تختلف اختلافاً كلياً عن الأجيال التي سبقته . ومع ذلك فما تزال الرواية الإماراتية تعاني المحدودية في الانتشار، ويعود السبب إلى النمط الكتابي الذي يأبى الكاتب الإماراتي أن يتحرر منه على مختلف الأجيال .

وأكدت أن الرواية الإماراتية تعاني قيد الموروث الشعبي ويعاني الكاتب الإماراتي بشكل عام قولبة كل ما يكتب بمحيطه، لا أنكر أبداً، أن أصدق النصوص هي التي تكتب من واقع تجربة، ولكن لا يعني ذلك أن نعدم الإبداع بأن “نتقولب” في طابع محدود ولغة ومفردات محدودة جداً، وفي رأيي هذا ما تعانيه الرواية الإماراتية، أو ما يعانيه الكاتب الإماراتي، ما يجعله مكرراً لنفسه على مر الأجيال، دون أن يعني ذلك محاربة الكتابة عن التراث والهوية والإماراتية، وللخروج من هذا، يجب على الكاتب الإماراتي أن يحرر قلمه من الشعبي والمحيط والبيئة، ويطلق العنان لفكره وكلمته ويكتب بلا محدودية أو قيود، فأن تكتب لشعب أو لمجتمع بحد ذاته فأنت تحكم على ما تكتب بالمحدودية، وتنتقي قراءك دون أن تشعر، يجب أن نكتب للجميع، لا أن نكتب للقارئ الإماراتي فقط . 

وأوضحت أن الكاتب الإماراتي يحتاج إلى إضافة بعض الجرأة في الكتابة، ولا أعني مطلقاً تلك الجرأة التي تتعدى تقاليدنا وقيمنا، بل أقصد بها تلك التي تجعل النص واقعياً جداً وبعيداً عن المثالية القصوى التي تفقد بدورها مصداقية النص في بعض الأحيان وتنفر القارئ من تقبلها . يجب أن نتحدث عن إخفاقاتنا، عيوبنا، وآثامنا دون خوف أو خجل، فلا شيء مثالي على الدوام . 

ورأت الكاتبة مهرة بنت أحمد أن ما تشهده الإمارات اليوم من اهتمام بهذا الفن، وما صحب هذا الاهتمام من بروز دور نشر اماراتية إضافة إلى تخصيص جوائز لتشجيع الرواية الإماراتية جعلنا نشهد تطوراً ملحوظاً في الرواية الإماراتية على مستوى الكم والنوع، وهذا التطور يأتي بلا شك تزامناً مع التطور التعليمي والثقافي في الإمارات ومواكبة للدور الكبير الذي تضطلع به الإمارات على المستويين الإقليمي والعالمي .

وأكدت أن هذا الفن السردي سيشهد قفزات مذهلة في السنوات القليلة القادمة، فعلى رغم أن السرد الأدبي في الإمارات لا يزال في غالبه يحاكي هموماً صغيرة، لكن البناء السردي وطريقة التناول ونوعية الصور والتراكيب الأدبية المستخدمة والأفكار الأصيلة توحي بأن مستقبلاً عظيماً ينتظر هذا الفن، ويوشك أن يصل، أو نصله نحن .

وأشارت إلى أن هناك تعدداً ملحوظاً في الأنماط لكن ليست واحدة، إذ يحاول بعض حرّاس الرواية تقنينها ووضعها في قوالب مُحكمة يُعاقب من يخرقها بالاستهزاء النقدي، إذ إن الرواية في أصلها فن متطور، ومحاولة حبسها في قوالب محددة هو وأد لمثل هذا الفن الحرّ الجميل، فبقدر ما تمنح هذا الفن حريته بقدر ما يفتح لك من خزائن إبداعاته ويهبك من مكنوناته الثمينة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى