مضى العمر – جمال الصليعي – (تونس )

الجسرة الثقافية الالكترونية – خاص
مضى العمر نهبا للبروق الخلّب يا (وطنا) يتناهشه الآن (أهله) بالفتنة والتباغض والتّعادي
بَرَكَ عليك حكّامك الأُوَلُ وقطط موائدهم ستين عاما حتّى اختنقت أحلامك وجفّ شباب الحياة فيك وغارت مياه الرّجاء من منابع أيّامك
واليوم يزدحم (الواعون) من (أهلك) عند أسواق الفتنة أيّهم يجد لبيعك ثمنا أكثر بخسا
و أسفل تدنّيا
وتذهل عامّتك خلف ذئابهم، فلا تَلْحَقْ آثارهم، فقد ذهبوا مزقا مدماة وتركوك مقفرا إلاّ من ترديدات العواء وصفير الخواء
إن سرت وراء ذئب منها فأنت في منتهى المسلك (سجين) وَجْرِهِ ولَقْمُ جِرائه
وإن سرت وحدك اتقاءها فأنت في مرصد الذّئاب جميعها أو أنت قتيل وحدتك في وطن العصابات وقطّاع الطرق (الفكريّة)
قيل إنّ الدّجاج ــ وعدوّها الألدّ الثعلب ــ إن جاءها مفترسا تقافزت إليه فزعا ….. فما يئست الثعالب أبدا من (دجاجيّة متأصّلة)
ها، ترى الأكثرين من أهلك لا يجتمعون على خير ولا تتآلف قلوبهم
يتسقّطون السّوء ويتكاذبون ويتكارهون حدّ السّواد ويتباغضون حدّ الدّم ويتلامزون في النسب
لم يتركوا مسلكا للفتنة إلاّ وسلكوه
واستبدلوا عدوّهم بالتعادي بينهم وهم عند عدوّهم سواء
قلّة قليلة نجت من السّوء فوصفت بالعجز واللاّموقف تنام على غيظ وتفيق على حرقة ضياع وطن
لكنّ الأزقّة المظلمة تنتهي بسالكيها عند صدود الجدران الموحشة
لم يكن الغراب دليل القوم….بل هي غربان تقود الجموع
فيمَ الإقامُة بالزوراءِ لا سَكَني
بها ولا ناقتي فيها ولا جَملي
نَاءٍ عن الأهلِ صِفْرُ الكفِّ منفردٌ
كالسيفِ عُرِّيَ متناهُ من الخَللِ
فلا صديقَ إليه مشتكَى حزَنِي
ولا أنيسَ إليه منتَهى جذلي
والدهرُ يعكِسُ آمالِي ويُقْنعُني
من الغنيمةِ بعد الكَدِّ بالقَفَلِ
ما كنتُ أُوثِرُ أن يمتدَّ بي زمني
حتى أرى دولةَ الأوغادِ والسّفَلِ
فاصبرْ لها غيرَ محتالٍ ولا ضَجِرٍ
في (دوْرة) الدهرِ ما يُغني عن الحِيَلِ
أعدى عدوِّكَ أدنى من وَثِقْتَ به
فحاذرِ الناسَ (واتركهمْ) على دَخَلِ
فحسنُ ظَنِّكَ بالأيام مَعْجَزَةٌ
فظُنَّ شَرّاً وكنْ منها على وَجَلِ
غاضَ الوفاءُ وفاضَ الغدرُ وانفرجتْ
مسافةُ الخُلْفِ بين القولِ والعَمَلِ
(الشعر للطغرائي من لاميته)
ـــــــــــــــــــــ