معرض «حدود» في متحف الهجرة الباريسي

الجسرة الثقافية الالكترونية
نبيل مسعد
يقدّم متحف الهجرة الواقع في قلب الدائرة الباريسية الثانية عشرة، والذي تتسنى مقارنته بقصر لما يتميز به من ضخامة ومن ذوق فني رفيع في هندسته المعمارية المعاصرة، معرضاً فنياً جديراً بالإهتمام عنوانه «حدود» يتناول المعاني المختلفة التي ترمز إليها هذه الكلمة والتي في النهاية تتلخص في شيء واحد هو وضع الحواجز بين الناس خصوصاً بين الشعوب. ويأتي المعرض تزامناً مع الفترة الراهنة التي تشهد موت الآلاف من ضحايا الهجرة بين الشرق والغرب خصوصاً في البحر، إثر غرق المراكب الصغيرة التي تقل الأعداد التي تفوق قدرتها وذلك على سواحل إيطاليا واليونان وتركيا وغيرها من الدول.
ويستهل المعرض جولته اعتباراً من العام ١٩٨٩ إثر هدم سور برلين، وهو حدث أثار الفرحة في النفوس لما يرمز من حرية ومن إنتهاء فترة من البؤس والطغيان. ومعنى ذلك أن المعرض يبدأ في شكل إيجابي ومثير للأمل في ما يخص البشرية، لكن سرعان ما يجد الزائر نفسه أمام صور وأفلام وتسجيلات الحواجز التي نشبت في مناطق مختلفة من العالم منذ أن أزيل سور برلين، أو التي كانت موجودة على أيامه ولم تلاقِ المصير نفسه. ويشاهد المتجول أيضاً السور الفاصل بين الولايات المتحدة الأميركية والمكسيك، وبين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية، وتتوالى الأمثلة إلى حين دخول القاعة التي ترمز إلى الحاجز الأمثل وهو البحر.
هنا يتوقف الزائر عن الحركة ويكتم أنفاسه لثوانٍ أمام الفيلم المقدم فوق جدران القاعة وهو يجسد البحر بضخامته وصوت أمواجه، بجماله وبجبروته وقسوته وقدرته على قتل الإنسان. وتدل الصور التابعة لهذا المشهد والتسجيلات الصوتية، على أن البحر وإذا قتل، فهو ليس دائماً المسؤول الوحيد عن الجرائم المرتكبة، فمثلاً المركبة من نوع «زودياك» التي غادرت ليبيا عام ٢٠١١ وعلى متنها ٧٢ شخصاً، تاهت في المياه الإيطالية المنتمية إلى حلف «الناتو» وراح قائدها يرسل الإشارات على أنواعها طالباً النجدة، إلا أنه لم يتلقَ الرد أو النجدة. وعند التمعن في صور المركبة المنشورة في المعرض تقع عين الزائر على لوحة صغيرة موضوعة أسفل الصور المعنية ومدون فوقها عبارة Left to Die Boat أي مركبة تركت لتموت. ويتسنى سماع التسجيل الخاص بطلبات النجدة الصوتية الموجهة من قائد المركبة ثم الصمت الرهيب الذي يليها.
وفي قاعة أخرى، يتحول الزائر إلى شاهد سماعي لرحلة بحرية كاملة بين الجزائر وفرنسا، بواسطة بث التسجيلات الموجودة فوق الرقائق الإلكترونية الخاصة بأجهزة الهواتف الخليوية، وقد رفعت منها بموافقة أصحاب الشأن من المهاجرين، وهذا غير الصور الملتقطة بهذه الأجهزة لأرض الجزائر وهي تبتعد إثر مغادرة المركبة، وكل ذلك في نوعية شبه رديئة بطبيعة الحال، لكنها تهز المشاعر في شكل يدفع بالزائر إلى التساؤل عن وضع العالم الذي يعيش فيه وعن السياسة التي صارت تمارسها دول الغرب المعروفة بدفاعها عن حقوق الإنسان.
وتتوالى الأمثلة المرئية والصوتية عن الحدود الذي يفرضها الإنسان على أخيه الإنسان، وهي تكتمل في قاعات أخرى بأعمال فنية مرسومة ومنحوتة تتعرض بدورها لكبت الحريات وللأسوار والحدود، وأجملها اللوحة التي رسمتها الفنانة القادمة من تشيلي إيما ماليغ تحت عنوان «أطلس إين فيني» والرامزة إلى مجموعة من المركبات المكبلة الواحدة بالثانية فوق البحر، بينما تحلق فوقها طيور بحرية.
المعرض مستمر حتى ٢٩ أيار (مايو) ٢٠١٦، وهو من تنظيم المؤرخ إيفان غاستو والاختصاصية في السياسية كاترين ويتول دو وندن
المصدر: الحياة