هل غياب المواطنة يؤدي إلى التخلف العلمي؟

الجسرة الثقافية الالكترونية

المصدر / الراية

سؤال يطرح نفسه وبغض النظر عن كون بلدان هذا العالم غنية أم فقيرة، لماذا يقبع التخلف العلمي والتكنولوجي في العالم الثالث فقط دون بقية الدول؟

بعض المتفلسفين في النظريات الاقتصادية ونُخب الجعجعة قد يُرجع الأسباب في وسائل الإعلام المختلفة إلى كونها بلـدانًا فقيـرة لا تستطيع تحمل نفقات البحث العلمي، والبعض الآخر قد يرجعها إلى قلة الموارد، وآخرون قد يُرجعونها لصراعات داخلية أو لأسباب اجتماعية، اقتصادية، نفسية أو غيرها، ولا نستطيع أن ننكر أن هناك بعـض الدول ثرية لكنها لم تلحق بركب التقدم أيضًا، وهناك دول فقيرة لحقت بركب التقدم العلمي والتكنولوجي، أي أنه قد يكون العكس صحيحًا لأن ذلك يقترن بقيم المواطنة.

الحقيقة هنا إذن تكمن في سبب جوهري ألا هو غياب المواطنة مهما كانت الدولة متقدمة في عالمنا المعاصر. لهذا أستطيع أن أجزم أن وراء كل تخلف علمي مواطنة غائبة.

إن الفرد داخل المجتمع عندما يشعر أن حقوقه مكفولة بحكم القانون والدستور الذي يُطبق على الجميع بغض النظر عن العرق واللون والدين وغيره، سيتملكه حينها الاطمئنان والانتماء الحقيقي لوطنه، ويشعر أن كل إنجاز يحرزه يعود بالنفع عليه وعلى شعبه ووطنه بل ويمتدّ للإنسانية جمعاء، فيرفع اسم وطنه عاليًا بين الأمم في مجال التقدم العلمي ويتسابق في إحراز تطور ما في النهضة العلمية والتقدم التكنولوجي.

أستطيع التأكيد هنا أن الحضارات البشرية على مدى التاريخ عندما يشعر الفرد بها بقيمة المواطنة والمتمثلة في العدالة والمساواة بين أفراد المجتمع، حينئذ سيتطور الفرد في مجال التقدم العلمي، والعكس بالعكس صحيح، لأن كافة أفراد المجتمع سوف يكونون على ثقة بأنهم شخصيات فاعلة ولهم دور بنّاء في مجتمعهم ولهم حقوق وعليهم واجبات للوطن يتساوى فيها كل أبناء المجتمع.

يضاف إلى ذلك أن تحقيق قيم المواطنة سوف يوفر الموقع المناسب لكل شاب خريج، أي وضع الشاب المناسب في المكان المناسب، حينئذ لن يشعُر الفرد المتفوق علميًا بالغبن أو الظلم أو التجاهل لأنه سيحصل على حقه كاملاً غير منقوص في الوظيفة المناسبة، حينها سيتسابق الشباب علميًا فيما بينهم لتحقيق بعض الإنجاز في المجال العلمي ويعمّ الخير والثراء على كافة أفراد المجتمع لأن التقدم العلمي هو الذي يُحقق الرخاء، والرخاء قد يُعطي فُرصًا أكبر للتقدّم علميًا واجتماعيًا إن أُحسن استخدامه، وبنظرة فاحصة للعالم المتقدم نجد أن تحقيق قيم المواطنة عند بعض الدول أدّى إلى تصدرهم المراكز الأولى دوليًا في الحضارة والتاريخ والمجال العلمي.

والعكس صحيح في بعض شعوب العالم النامي أو بالأحرى المتخلف، لأنه كما نرى يملك الثروة والموارد والبنية الأساسية للتنمية لكنه لم يُحسن استخدامها ولم يُشعر الفرد بقيمة المواطنة ما أدّى بالتالي إلى تعطل الموارد وتحوّلها إلى سلع استهلاكية بدلاً من كونها أداة للتقدم.

تتجلى صور إهدار قيم المواطنة في هذه المجتمعات في عدم وضع الإنسان المناسب في مكانه المناسب، ونتيجة لذلك فقد الفرد مبدأ تكافؤ الفرص فيما بينهم. الأمر الذي أصاب الأفراد بالتراخي والانهزامية وعدم الشعور بوجود حافز يجعلهم قادرين على البناء، لأنه يعلم مسبقًا أنه لن يحصل على الوظيفة المناسبة له مهما حقق من مستويات علمية متقدمة.

نعم قد تكون الأمثلة عديدة على إهدار قيم المواطنة لكنني ناقشت بعضها على سبيل المثال وليس الحصر، وهنا أتساءل هل تظل مجتمعاتنا تهدر أموالاً طائلة في التعليم والتطوير في الوقت الذي أُهدرت فيها قيم المواطنة بل وتنتظر منهم نتيجة فاعلة؟
أظن أن من يُغيب المواطنة، غاب عنه أنه بهذه الطريقة لم يملأ ماء المعرفة من البحور العلمية المتدفقة عليه من كل صوب، لكنه أهدرها وأباح هجرها في غياهب بحور المواطنة الغائبة.
 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى