«يافا التي في خاطري» مسرحاً لأبرز المطربين في الثلاثينات

الجسرة الثقافية الالكترونية-الحياة

«اغتنموا الفرصة يا عشاق الطرب… حفلة مطرب الملوك والأمراء الأستاذ محمد عبدالوهاب في بستان باريزيانا في مدينة يافا… بادروا لشراء تذاكركم من محل أبو صالح العكاوي في يافا والقدس». كان هذا إعلان حفلة عبدالوهاب في يافا في 31 أيار (مايو) 1932، حين قرر العكاوي أن تكون الأسعار (25 قرشاً للدرجة الأولى، و15 قرشاً للدرجة الثانية) معتدلة من أجل «سرور أهل يافا»، معلناً عن «محلات مخصّصة للنساء».

أما حفلة أم كلثوم في أقدم مدن فلسطين التاريخية وأهمها، فكانت في مطلع أيار (مايو) 1935، على مسرح أوبرا المغربي. «كوكب الشرق تطربكم بصوتها الشجي… احجزوا تذاكركم من محلات أحمد الجندي ورستم أبو غزالة… أسعار التذاكر: 400 مل (اختصاراً لمليم) و300 مل، وللسيدات: 350 مل و300 مل».

وحصلت «الحياة» على نسخة من هذه الوثائق بالصدفة في مكتبة المؤرخ الراحل واصف جوهرية في القدس. وتجرنا هذه الوثائق للإضاءة على الجانب الحضاري من تاريخ المدينة الساحلية، ونحن على أبواب الذكرى 66 للنكبة.

لم تكن الدعوة لأهالي يافا والقدس وعموم المدن الفلسطينية، بل لعشاق عبدالوهاب وأم كلثوم من مصر أيضاً. فالشركة العربية للنقل والتجارة، وفي إعلان نادر أمّنت في تلك الفترة رحلات من القاهرة إلى القدس ويافا، وهي شركة تجمع شركة اوتوبيس الشرقية والدقهلية في مصر وشركة غزة والقرى الجنوبية بفلسطين، في رحلة تستغرق 12 ساعة في «باصات فاخرة جهزت بجميع أنواع الراحة والفخامة»، مقابل جنيهين و75 فلساً.

وكانت يافا، قبل أن تحتلها في العام 1948 العصابات الصهيونية، مركزاً ثقافياً بامتياز، وكانت مسارحها ومتنزهاتها عنواناً لحفلات وزيارات فنانين كبار، من بينهم عملاق المسرح والسينما المصرية في ذلك الوقت يوسف وهبي، إضافة إلى عبدالوهاب وأم كلثوم.

ويقول النـــاقــد والباحـــث الموسيقي الفلسطيني اللبناني إلياس سحّاب، في أحد مؤلفاته: «كانت يافا مركزاً ثقافياً موسيقياً مهماً في المنطقة، حيث كان أهم المطربون العرب يبدأون جولاتهم العربية هناك، وبخاصة من قدم منهم من القاهرة… والدي حدثني ذات مرة عن حفلة الموسيقار المصري سيد الصفي».

ويضيف: «كان يجتذب نجوم الطرب العربي النشاط الإذاعي في فلسطين، حيث إذاعتا القدس والشرق الأدنى… لديّ تسجيل صوتي نادر لمحمد عبدالمطلب يتحدث عن مشاركته في «كورس» محمد عبد الوهاب، وكيف سعى لتأسيس نفسه كمطرب مستقل، وإنه لم يلق أي نجاح في القاهرة حيث فشلت حفلاته الأولى هناك، في حين كانت نجاحاته الأولى في فلسطين، وبالتحديد في يافا والقدس، قبل أن تنتقل شهرته من فلسطين إلى مصر ليبدأ نجاحاته المبهرة في مشوار فني غني… أهم الفنانين العرب كان ليافا والقدس بإذاعتها دور كبير في نجاحاتهم كمحمد عبدالوهاب، ورياض السنباطي، وأسمهان، وفتحية أحمد».

وكانت لأسمهان حكايات مع يافا، وفق سحّاب، «فهي لم تكتف بالغناء في الإذاعات الفلسطينية، بل أحيت العديد من الحفلات في مسارحها، كما حال شقيقها المطرب فريد الأطرش، الذي غنى «يا ريتني طير وأطير حواليك» من ألحان الفنان الفلسطيني يحيى اللبابيدي، وسجلت في فلسطين».

أما فيروز، «فآثرت أن يكون ليافا نصيب من صوتها الخرافي حين غنت «أذكر يوماً كنت بيافا… يا أحلى الأيام بيافا»، كما كتب.

ولم تكن يافا نقطة جذب للمطربين المصريين فحسب، بل لمطربين من مختلف الجنسيات، كالسورية سهام رفقي التي اشتهرت بأغنيتها «يا أم العبابة».

وفي مذكرات «يافا كانت البداية» للمفكر الفلسطيني الراحل شفيق الحوت، يروي أنه في صباه شاهد إعلانات في شوارع يافا تتحدث عن سلسلة حفلات لرفقي في مطعم «البوسطة»، وكيف كان كثير من أهل يافا وسكانها يستوقفونها في الشارع لتغني لهم «يا أم العباية»، بينما يلعبون هم دور «الكورال».

يافا اليوم «غير شكل»، فلا إعلانات لحفلات في بستان باريزيانا أو مسرح أوبرا المغربي اللذَين لم يعد لهما وجود على خريطة المدينة التي التصقت بتل أبيب، بل إن مقهى إسرائيلياً هناك هو ما بات يحمل قسراً عن الفلسطينيين العرب، الذين باتوا ضيوفاً غير مرغوب بهم في يافا، اسم «مقهى أم كلثوم».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى