يحيى جابر ينقل «جوليا» من برج البراجنة إلى فردان

ماهر الخشن

يحمل الكاتب والمخرج «يحيى جابر» الجنوب وبرج البراجنة والشّياح إلى خشبة «تياترو فردان» عن طريق مسرحيّته «اسمي جوليا» الّتي تؤدي شخصيتها الممثّلة أنجو ريحان. يأخذ جابر أنجو – من خلال كرسيّ واحد ومنديل أحمر ـ الجمهور في رحلة دامت ساعتين تقريباً تبدأ قبل ولادة جوليا وتنتهي بإصابتها بسرطان الثّدي.
يبتعد المخرج عن الصّورة النّمطيّة لسكّان الجنوب أو الضاحية الجنوبيّة لبيروت، ليدخل في تفاصيل حياة جوليا مختصراً بذلك مواضيع غير مرتبطة، ضرورة، بحياة امرأة واحدة. فجوليا ليست الفتاة الشّيعيّة التي تتكلّم اللهجة الجنوبيّة فقط، إنّما هي الّتي «لم تسقط» حين حاولت والدتها «إنصاف» إجهاضها، وتكمّشت بالحياة الّتي ملأتها شغباً ورحلات مع والدها في أيّام طفولتها. ومن ثمّ انتقلت من مرحلة «حسن صبي» لتصبح «بنتاً» كما يريدونها، فتفشل في أوّل علاقة حبّ لها. تتزوّج جوليا في ما بعد من حسين قاسم وتعيش معه لسنوات عديدة حتّى اكتشاف إصابتها بسرطان الثّدي.
أحداث تاريخية
يختار جابر لبعض الأحداث التّاريخيّة أن تلعب دورها في المسرحيّة، فكان الاجتياح الإسرائيلي لبيروت سنة 1982، وحرب الإلغاء، وتحرير الجنوب سنة 2000، محطّات تزامنت مع أحداث مهمّة في حياة جوليا. تنقّلت أنجو بين لعب دورها الأساس وبين تجسيد شخصيّات متعدّدة في مشاهد جمعت بين الكوميديا والتّراجيديا، وبين قصّة قد تكون خياليّة وواقع قريب جدّاً. كما تمّ اعتماد البساطة ولكن العميقة منها، فإلى جانب الكرسيّ الواحد، رافق قصص جوليا خلفيّة موسيقيّة اقتصرت على بضع أغانٍ، أو أصوات صواريخ أتت في وقتها دون إطالة أو تشويه لجماليّة المشهد التّمثيليّ.
خرجت هذه المسرحيّة نصّاً وتمثيلاً وإخراجاً من المنطقة الّتي أتت منها جوليا، دون ظهور أيّة نظرة إسقاط خارجيّة في التفاصيل. ففي معالجة قضية الدّين والحجاب، لم يظهر الأخير على أنّه فرض أو قفص لأحد، كما تجري العادة. فجوليا التي تأثّرت بتحرير الجنوب وبصور معتقل الخيام والشّهداء، قرّرت أن ترتدي الحجاب لاقتناعها به. وهي ذاتها قرّرت في ما بعد أن تخلعه مبرّرة ذلك بعدم قدرتها على التّوفيق بين الحجاب وبين حبّها لـ «الجينز» الضّيّق وأم كلثوم والرّقص. ولكنّها انتقدت النّساء اللواتي يرتدين الحجاب ويتعمّدن خلعه أمام النّاس، أو أولئك اللواتي ربطن خلع الحجاب بالزّواج من رجل غير ملتزم. فــكانت هذه المسألة بعيدة عن النّمط المعتمد عادة في معالجتها.
تبتعد جوليا عن إطار الطّائفة أو المنطقة حين عرضت إصابتها بسرطان الثّدي الّذي لم يرتبط بجوليا مثل «جوليا»، بل كأيّ امرأة أخرى تعاني ممّا عانته شخصيّة المسرحيّة. والخلط بين نوعَي المسرح الأساسيّين ظهر في مقاطع مرض جوليا، فكانت هذه المسرحيّة في جزئها الأخير عرضَ تحدّ للمجتمع وللسرطان: المرض غير المسمّى. أدخلت الجمهور معها غرف الفحوص الطبيّة، وأسمعته معاناتها في جلسات العلاج الكيميائيّ والشعاعيّ. ولكنّها كانت تتنقل دائماً بين الحزن والضّحك، فمرّة «تشارط» الطّبيب أنّها مصابة بالسّرطان، ومرّة أخرى تلبسُ كفنها وتخيف زوجها «حسين». جوليا، الّتي أوضحت آسفة كيف ظهرت محبّة النّاس لها عند معرفتهم بإصابتها بالسّرطان، حجّمت هذا الأخير في الكرسيّ الذي رافقها طول المسرحيّة، لتؤكّد له أنّها ستتغلّب عليه مهما أنقص من جسمها.
مشاكل اجتماعية
لم يقترب المخرج من أسلوب التّلقين في المشاكل الاجتماعيّة، ولم يسحب المشاهد من يده ليدلّه على وجود الذكورية هنا، أو على نظرة المجتمع للمرأة هناك، بل رآهما الجمهور يدخلون بسلاسة في القصّة الممثّلة. فجوليا تخبّر قصصها ببساطة، وتترك الجمهور يلاحظ وحده. كانت أخبارها في هذا الخصوص، كما معظم النّص تقريباً، سهلاً ممتنعاً، يصوّر الذّكوريّة حين يعرف الجمهور أنّ لعبّاس، شقيق جوليا، الكلمةَ المؤثّرة في البيت وعيد الميلاد الوحيد. ولا يتوقّف هنا، فيتّضح المشهد أكثر حين يرفض زوجها فحص «بذرته» لأنّ في ذلك تنقيصاً من رجولته. وتخاف إنصاف أن تمارس ابنتها المحظور أو أن تحمل قبل الزّواج، فتريدها دائماً «بنت بنوت». وتختصر جوليا معاناة المرأة في المجتمع الذّكوري بكلمات ثلاث وهي تجهض للمرّة الأولى في مرحاض المنزل: «البنت بتنزل مشقّفة».
وهكذا، جاءت «اسمي جوليا» جريئة في بساطتها رغم ادّعاء مخرجها بالعكس، فتنقّلت المسرحيّة من الأماكن الخاصّة بحياة جوليا، لتصبّ نهاية في حالة كل امرأة عانت أو ما زالت تعاني من السّرطان أو الذّكوريّة أو الأبويّة.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى