أصيبت بعارض الأبواب فصورتها حول العالم… معرض التشكيلية روزي ناصر يفتقد باباً من فلسطين

الجسرة الثقافية الالكترونية
*زهرة مرعي
الباب ليس حالة عرضية في حياة البشر. يشكل وجوده حالة من الأمان والاطمئنان. خلفه يغلق البشر على متاعبهم ومشاكلهم، فيما يفرجون عن أفراحهم بيسر. أن تكون حيال معرض فوتوغرافي ثيمته الباب، فهذا يحرض على السؤال والبحث، عما وراء هذا الباب أو ذاك من حكايات تشكل جزءاً من تاريخ ناس هذا البيت أو ذاك. أن تكون امرأة من فلسطين مأخوذة بالتقاط عشرات الصور لأبواب مغرقة في قدمها، فهذا ليس بعارض فني أو هواية فحسب، بل هو جرح وطني وإنساني مفتوح، على باب مقفل خلفه الأهل حين داهمتهم النكبة، ومعهم المفتاح.
في تفسير معجم المعاني الجامع أن «بيبان أو أبواب» هي جمع الباب. مدخل البيت أو ما يُسد به من خشب ونحوه. وفي التفسير كذلك: أتى البيوت من أبوابها: توصّل إلى الامور من مدخلها الطبيعي. ويقال: باب الرزق. العدو على الأبواب. أما خارج التفسير اللغوي وبحسب القول الشعبي المتداول جداً: الباب اللي بيجيك منو الريح سدّو واستريح. ومن باب النصيحة يقال: لا تغلق الباب الذي بينك وبين الناس، فقد تعود إليه. وإن كان للمدن العربية جميعها أبواب تشكل جزءاً من تاريخها، فالباب الذي تعلق به الملايين ولا يزالون هو «باب الحارة» المسلسل السوري المعروف.
أما روزي ناصر المسكونة بالباب وما حوله، من دون الولوج إلى خلفه اتسع معرضها في دار المصور في بيروت لـ45 صورة التقطتها من لبنان، سوريا، اليونان «التي سكنتها لسنوات»، إيطاليا، البرتغال، تركيا والعديد من دول أوروبا الشرقية. أبواب عرّفتها بأسماء شاعرية وأخرى ملتزمة. منها الأبواب المشلّعة على الغربة المقيمة. وأخرى ليس لها صلة بحاضر الباب، مسكونة وفق نظام مدني، كالرقم، أو علبة البريد والأزهار النابتة حديثاً. ثمة أبواب تقاوم الاهتراء والموت، سواء في لبنان أو اليونان. من لبنان باب أكله النسيان ونبت العشب العشوائي في كافة جنباته. شباك وحيد تسلل من بين تلك الابواب، ينبئ بعتق طرازه، وبأن الحياة تنبض خلفه.
روزي ناصر التي قررت أن يعود ريع معرضها للأطفال اللاجئين من فلسطينيين، سوريين وعراقيين وفي مجال التعليم، مولودة في لبنان من أبوين فلسطينيين. دأبت على التصوير منذ صغرها، فوالدها لم يكن يبتعد عن الكاميرا في أوقات فراغه. تشرّبت سلوكه بالتدريج، وصارت الكاميرا رفيقها الدائم، منذ منتصف الثمانينيات. لم تترك الهواية تنمو بحكم الواقع، بل دعّمتها بدروس مع محترفين. ورغم جمال معرضها، ومسحة الفن التي تتميز بها عيناها، ترفض مغادرة منطقة الهواية. في حكايتها مع الأبواب أنها فكرة انبعثت من المفاتيح التي لا يخلو منها بيت فلسطيني. روايات الكبار عن الهجرة المرّة من فلسطين، والتي فاضت بها ذاكرتها منذ نعومتها، صارت جزءاً منها. تخيلت كثيراً تلك الأبواب تُفتح بمفاتيحها حتى إن لفّها الصدأ. أبواب بالعشرات تحتفظ بصورها، ويحزّ في نفسها خلوها من باب في فلسطين.
ربما شبعت روزي ناصر من معاينة الأبواب العتيقة ومحادثتها، بدافع لاواع بحدود. إنما المفتاح جزء من تكوينها النفسي الحي، والباب جزء مفقود تبحث عنه اينما حلّت. قد يشكل المعرض بعض علاج، وفي وعيها تستعد لمغادرة ثيمة الباب، والبحث عن أخرى تحمل قضية إنسانية مختلفة. قدمت عملها الفني، وحاورت الزوار الكثر. منهم من قرأ الباب المقفل والمهجور بسلبية. وفي بال المصورة وجوب فتح الباب، والتفاؤل حياله. فتح الباب له احتمالات غيجابية قد نحتاجها. إنما أبواب روزي ناصر مقفلة تماماً، أحدها مفتوح بفعل تداعيه وتآكله. في تفسيرها لتصوير الأبواب العتيقة المقفلة، تذهب نحو قضية شعبها ووطنها وتقرأ في حجم الضغوط الهادفة لدفنها ونسيانها. ولهذا أطلقت على أحد الأبواب المغرق في قدمه والمتداعي من أسفله تعريف «مقاومة». هو يشبهها والكثيرين غيرها في مقاومة دفن القضية. أعز الأبواب إلى قلبها «آزور» التقطت صورته في حلب، وهو باللون الأزرق. بحزن تتساءل إن كان لا يزال قائماً بعد كل الحروب التي تتالت ودمرت حلب.
معرض وجد استحسانا كبيراً نظراً لفكرته الجديدة، وجمال صوره. قريباً سينتقل إلى اليونان حيث توجد جالية عربية كبيرة، ومؤيدون كثر لحقوق الشعب الفلسطيني.
المصدر: القدس العربي