المركز و الهامش في “ممر الصفصاف ” لأحمد المديني

الجسرة الثقافية الالكترونية-خاص-

إبراهيم الكراوي

تتموقع رواية ممر” الصفصاف” المدرجة ضمن قائمة البوكر لهذه السنة ،ضمن النصوص  التي تتثيرمجموعة من الأسئلة المرتبطة بالكتابة الروائية العربية الحديثة  و علائقها المتشعبة  بتمثلاث الواقعية الجديدةمن جهة ، ومن جهة أخرى آفاق الكتابة الروائية  ضمن سياق مجتمعي و سياسي عربي ملغوم، أهم ما يميزه هو الإنقلاب على القيم و الزيف و آزدواجية الشخصية وعنفها الداخلي .

إن نص أحمد المديني الجديد يعيد طرح سؤال الواقعي و المتخيل في السرد العربي و الرؤية للعالم من منظور جديد يغاير سؤال الواقعية في النصوص الكلاسيكية أو ما سمي بالنصوص الإنعكاسية. فالواقعية هنا أنساق جمالية و خاصية أسلوبية  ترتبط بأفق آنتظار المتلقي. هكذا يجد الصحفي أحمد المديني نفسه متورطا في لعبة  الكتابة ، وبالتالي لا بد أن يحكي و يبلغ رسالته بآعتباره صحفي يعري الواقع  من جهة  ، و حتى يتخلص “من عذاب  الآخرة ” من جهة أخرى .لذا يستهل السارد الحكي  بسردمأساة”دوار أولاد دليم “،وهنا يعمل ميثاق الواقعية الجماليةعلى الإيهام بواقعية المحكي من خلال مؤشرآسم العلم الكاتب الفعلي، ثم ضرورة آستحضار الكتابة الروائية كهاجس و أسلوب جمالي و مكابدة ،وهو إنذار في نفس الوقت للمتلقي بالمسالك التي سيجد نفسه متورطا فيها من خلال تعدد الرواة والسرد المتناوب ، و التفاصيل السردية التي تلقح البنية السردية و تتوغل في تفاصيل اليومي و ثقافته ودروبه و سيكولوجيات شخوصه  ، وغيرها مما سيأتي ذكره  والذي يمثل بنود ميثاق الواقعية الجديدة في النصوص الروائية ،يروي السارد في هذا الإطار:«..مادام الأمر يتعلق عنده بالكتابة ، وهي طريقة مثل الحب ، لا يعرفه إلا من يكابده…و القوم يغلب عليهم التسرع في الاحكام،يريدون الإنتهاء من كل شيء بلا بذل المجهود المستحق ، جزئيات و كليات… باللمس و الحس و الوعي و الإحساس ، ثم ماذا تكون هذه  الكتابة إن لم تغترف من هذه المناهل، ماذا تكون?» و تعتبر مصادر ومنابع الحكي في ”ممر الصفصاف ”  تجسيدا لهذا المنظور الروائي. فالمحكي اليومييتقاطع مع المحكي الشعبي و الخرافي و حكايات الأولياء و الخبر التاريخي و الديني و الغرائبي و المتخيل الجماعي ،لكن  خطاب الواقعية الجديدة يبقي منبع و أصل الحكايات كلها و الموجه لها من خلال رواية شخوص الهامش (دوار أولاد دليم) و أمكنة جريحة في المدينة-المركز ( الرباط وممر الصفصاف). إنه الصراع و التناقض بين المركز و الهامش. فالمركز كما يتجلى في فضاء المدينة” الرباط ” وما يحفل به من تناقضات ، وكما هو الأمر في خطاب الواقعية في السرد يلقح السارد هذا النسيج الحكائي المتنوع  بالتفاصيل سواء حين يسرد حكايات الخادمات مع المشغل أو نمط تفكير وعيش بعض الفئات الإجتماعية، ومعتقداتهم التي تكشف زيف المجتمع و آنحطاط التفكير و السخرية من واقع  التناقض بين المعتقدات و المبادئ  داخل المجتمع .

من هذا المنظور يمكن القول إن  رواية ”ممر الصفصاف” تشريح عميق للظاهرة الإجتماعية و الصراع المعروف اليوم بين المركز السلطة و النفوذ و الهامش .فالسارد  ينقلنا من هذا الفضاء العام “الرباط”  المركز إلى فضاء خاص “حي الرياض”  يكشف عن أحداث تشكل روائية النص  ، ليتوزع هذا الفضاء بعد ذلك إلى أمكنة تشكل فضاء الحكيو تتوزع بين الحديقة ، وبنايات السعادة ، ثم النوية الدلالية “ممر الصفصاف” نقطة آنطلاق المحكي .ولعل التقابل بين الهامش و المركز ولد ميثاق الواقعية الجمالية ورسخ لبنوده ، فمن فضاء المدينة إلى فضاء القرية ببئسه و تناقضاته و شخوصه و كائناته المهمشة ،” فضاء دوارأولاد دليم  ” الذي سيتعرض للقمع من قبل السلطة بعد أن تم تهجير سكانه  بغية إنجاز مشروع السكن اللائق…  وبالمقابل، هناك تقابل بين فئتين من الشخوص التي تؤثث الفضاء السردي،شخوص تنتمي إلى الهامش، وتعاني البطالة والجهل و الظلم و القمع و الإستغلال كما هو الأمر بالنسبة لحارس المشروع بلعيد ، و هشام و عمر غانم و البطل الضمني الكلب جاك… لكن يبدو أنها شخوص   تلتقي في سمات التشبث بالقيم و المبادئ و الوفاء في مقابل فئة شخوص المدينة التي تنتمي إلى فئة الإنتهازيين ، و ذوي النفود. فشخصية  الحاج مثلا تتخفى في رداء التدين للتنكيل و الغدر بالناس من أجل نيل مطامعه الدنيوية و تنمية تجارته  على مقربة من مشروع المسجد، ونفس الشيء لشخص “مول الكرشة ” ، المقدم، السلطة وجهاز المخابرات ، الفاطمي ، الجنرال ،رئيس الورشة وكلها شخوص ترتبط بسمات الغدر و ممارسة السلطة و التنكيل بالضعفاء كما يتضح من خلال علاقة المقدم و الحاج ووكيله بشخصية بلعيد الذي آستُقدم من الدوار ليتم  آستغلال سذاجته وبؤسه … وبالتالي فالمفارقة بين العالمين المركز و الهامش، الخير و الشر ، المنطقي و اللامنطقي–الغرائبي  ، ( حكاية راضية التي وضعة السائل من أجل آستدراج صاحب البيت أو الإستعانة بأدوات أخرى كزغب الفأر…)السلطة و الضحية ( صاحب المشروع وبلعيد أو الإشارة إلى وضعية اليسار في رمز ساكن الطابق السادس الذي تعرض للمتابعة والقمع ..)، الواقعي و المتخيل ( حكايات الكلب جاك نفسه البطل و هشام القط) تولد العالم الروائي و تبني أنساقه السردية .

وهكذا يمكن القول إن” ممر الصفصاف ”تمثيل لسيرة شخوص و أمكنة الهامش ، في مواجهة المركز بكل مظاهره و تمثلاته ، و تشريح لنية مجتمع يعاني من الإبتعاد عن قيم ومظاهر الحضارة .

*المغرب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى