الشعر والشام والحب والثورة مكاشفة مع يوسف بزي في بيروت
الجسرة الثقافية الالكترونية
اراء الجرماني
قلب بيروت الذي لا يسلم إلا للكلمة والجدل، لا يعرف المهادنة ويفتح فمه ويجاهر، القلب ذاته، قلب كلمة يوسف بزي، تماهى مع كلمته حتى بات هو وهي كأنهما واحد.. لقد أنستني سنوات القتل والتدمير في سوريا ومن ثم اللجوء إلى بلاد لا تعرف صفة لي إلا كوني لاجئاً، أنستني أن هناك قلوباً تفتح وتقول أهلاً وسهلاً أيتها السورية.. في بيروت كان لقائي به ولأول مرة، حيث بدأت جلسة حوار طويل، حوار خرج من يد اللحظة ودخل عين الماضي وألم الحاضر وأطال الجلوس في حضرة الشعر!
الخروج من المشهد
يركن يوسف الشعرَ في وجدانه المعطوب، ومن ثم يجاهر بأن ثورات الربيع العربي هي أول حدث سياسي تاريخي خال من الشعر، فيقضي سنوات بعد صدور ديوانه “بلا مغفرة” (2004)، في حيرة من الشعر، يقول “ربما كان الشعر نفسه ضاق ذرعاً منّي، هارباً ومراوغاً إن لم يكن مستعصياً عليَّ، وغالباً ما رافق محاولاتي القبض عليه ألم في المعدة، بالمعنى الفيزيولوجي للكلمة، هكذا، غدت الكتابة فجأة بلا متعة ولا ثقة!”.
لا يرجع بزي حاله مع الكتابة إلى تبدد الموهبة أو نضوب الخيال، بل إلى يقينه أن ثمة معضلة تنمو كفجوة هائلة بين المتغير الثقافي-السياسي وحال اللغة الشعرية العربية، بل ثمة صدع يتعمق بين مشروع “الحداثة” العربية، في نسقها الأدبي والفني، وتحولات الواقع العنيفة، وبالغة السرعة والاتساع، في الزمن وفي السياسة والاقتصاد والمجتمع والتكنولوجيا والأفكار والحساسيات.. حتى بدا رحم هذه “الحداثة” بلا خصوبة. وما يأتي به شعراؤها صار بالنسبة إليّ استمصالاً لـ”أرشيف” الشعر، وأقرب إلى التوليف والاصطناع والتكرار والرطانة. كان الكثير من الشعراء قد صمتوا في تلك الفترة أيضاً، ومنهم من توارى نهائياً عن المشهد الثقافي، وبعضهم اتجه إلى فن الرواية مثلاً.
يراجع بزي اندفاعته للشعر منذ أواخر الثمانينات وحتى مطالع القرن الجديد فيرى أنها اندفاعة استمدت زخمها من طاقة الإيمان الراسخ بأنه وآخرين من جيله في لبنان والعالم العربي، اقترحوا قصيدة أكثر قرباً من لغة الواقع، وأنهم يحوذون على قدرة تجديد وعصرنة، ويقترحون جماليات جديدة تعبّر عن “الآن” والـ”هنا”، ويتمردون على إرث الرواد وما بعدهم.. إلخ، وغالباً ما تلبّست هذه “الادعاءات” وغيرها عند شعراء “الحداثة” مظاهر نرجسية متضخمة، كان لها أثرها الفاضح والمشين عند معظم الشعراء. ينعت كل ما قد قاله سابقاً “وهذا سبب إضافي لأن أنفر من صورة الشاعر العربي، الطاووسية والجوفاء، صورة كاريكاتورية وكئيبة، خصصت لها في ‘بلا مغفرة’ أكثر من قصيدة ضد الشاعرية وضد الشاعر، كاقتراح لشعر مضاد”.
الموقف الأخلاقي
يمرّ يوسف في مرحلة شعرية مغايرة تنبعث بصفتها مفرزاً مرحلياً بين عامي 2004 و2005، فيقول “تلاقى سخطي من البلادة الثقافية وحيرتي بالشعر وشكوكي بما سمّي ‘الحداثة’.. مع غضبي السياسي ويقيني الذي استمدّيته من عنف التحولات، منذ لحظة 11 سبتمبر النيويوركية إلى لحظة سقوط الطاغية صدام حسين. كنت أذهب هذه المرة إلى شعرية سياسية، أو إلى السياسة بمعناها الميتافيزيقي، أي سوق الواقع المرفوض إلى المرتجى الحلمي والفانتازي: عالم عربي خال من الطغيان، عالم عربي يحلو الانتماء إليه والعيش فيه. وكان ذلك أيضاً في لحظة بروز المناوشات الأولى لمعركة مصيرية تحدث في لبنان. كان نظام الاحتلال السوري على وشك القضاء على ما تبقى من ‘ديموقراطية’ في لبنان، وكنا نشعر أن تقاليد الحريات العامة والخاصة باتت مهددة بالتبدد، مع اشتداد وطأة هذا النظام على الحياة السياسية والثقافية.
بهذا المعنى، تورطت بما يسمى ‘الشأن العام’، متيقناً أن لا شرعية للفعل الثقافي من دون موقف سياسي وأخلاقي، بل لا فاعلية للسياسة إن لم تحمل خطاباً ثقافياً وأخلاقياً. وكان هذا التورط بديهياً طالما أن عملي اليومي هو الكتابة الصحافية، وأشارك في إصدار ملحق ‘نوافذ’ الثقافي، الذي كان في علاقة عضوية وحميمة بمزاج المدينة والبلد”.
يخبرنا عن تلك المرحلة المفصلية واللحظة اللبنانية المنتظرة “خلال تلك السنة، انفجر لبنان في أول انتفاضة مدنية، سلمية وعفوية، في العالم العربي، ضد نظام الاحتلال السوري. أخيراً، أتت اللحظة التي انتظرناها منذ سقوط جدار برلين عام 1989، لحظة سنراها أولاً في ‘الثورات الملونة’، ‘ثورة الوشاح الملون’ الصربية التي أطاحت بميلوسوفيتش (2000)، ثم ‘الثورة الوردية’ في جورجيا (2003)، تبعتها ‘الثورة البرتقالية’ في أوكرانيا (2004)، وبعدها ‘ثورة الأقحوان’ في قرغيزيا (2005)، إلى ‘ثورة الأرز′ في لبنان (2005).
كانت الانتفاضة اللبنانية ثمرة جهد ثقافي لصوغ ‘رأي عام’ نشط، بقدر ما كانت تتويجاً لـ’مراجعات’ سياسية، أتاحت نشوء معارضة وطنية، تتجاوز إرث انقسامات الحروب الملبننة والأهلية. ترافقت مع الثورة الناقصة في لبنان، بدايات الحراك المدني المصري، وبروز معارضة سورية جديدة، بعد الانقضاض على ‘ربيع دمشق’ الأول. وفي كل الأحوال، بدا أن العالم العربي يتجه نحو تغيّرات عميقة لا رجوع عنها. تغيّرات تصيب المنظومة الثقافية، التي عليها تقوم الأنظمة السياسية الحاكمة منذ نصف قرن على الأقل.
ثم أتى ‘الربيع العربي’ بعد سنوات قليلة عاصفاً وجذرياً، ليس ضد طغاة أفراد وحسب، لكن ضد تاريخ كامل من الفشل الذريع لمشروع ‘الحداثة العربية’، التي أراها مشروعاً شاعرياً، كما كل أيديولوجيا توتاليتارية وفاشية. كانت باختصار ثورات ضد الشاعرية (لا الشعر)، وضد الكذب وضد الفجور”.
تجسيد رمزي للكارثة
“في فم الغراب” ديوان يوسف بزي الأخير، حيث لا قطعة جبن ولا ثعلب يقول يوسف “لا علاقة للغراب هنا بقصة جان دو لا فونتين، ولا بقصص كليلة ودمنة ولا بغراب إدغار آلان بو. ربما يصحّ القول إنه غراب سينمائي، هو استعارة بصرية ورمزية من صورته ودوره التعبيري في تاريخ الأفلام. والأكيد أنه غراب هذه اللحظة، نذير الشؤم والخراب والموت. ولم أقل ‘في منقار الغراب’، تعمدت استخدام كلمة فم، كإحالة للبشر، كأنسنة لصورة الغراب، تجسيد رمزي للكارثة. السواد والنعيق (أو النعيب) فوق جغرافيتنا وحيواتنا. وإنّي أستغرب كيف يُطلب من أحد سكان المشرق العربي، أو الشرق الأوسط المنكوب، وهو بكامل شقاء وعيه أن يكتب بلغة وردية أو سكّرية. كنت ولا أزال في كل كتبي الشعرية مسكوناً بالسوداوية والعنف والقسوة، بقدر حرقتي ولوعتي للحب والهناءة والدعة. غالباً ما أجد نفسي في الكتابة بين رقّة جناح الفراشة، بالغة الهشاشة وسريعة الاحتراق، ورقّة الشفرة بالغة الحدة والعنف والقسوة. الرقّة مميتة في الحالتين”.
المئة سنة الأولى
يقولها بزي ويضحك طويلاً أجيبه: بسيطة بقي 95 عاماً فقط، وتفرج! ثم أردِف: هل خاب أمل يوسف بزي بالثورات بعد أن رأى حجم التدمير والحروب الأهلية؟ لماذا لم نتعلم من الحرب اللبنانية؟ الظروف المنتجة للاستبداد؟ حالة وعي الشعوب مثلاً؟ فيحاول شاعرنا أن يصف مزاجه من الثورات وانطباعه القديم الجديد فيقول “بوصفي متشائماً دائماً، أرى التفاؤل سذاجة واليأس غباءً، أردد باستمرار: المئة سنة الأولى هي الصعبة. ورغم الاحتفاء، المفعم بالروح الكرنفالية، بالثورات العربية، إلا أنني وحسب ما تعلمته من تجربة 14 آذار 2005 بلبنان، لم أعتقد لحظة أن هذه الثورات هي مجرد مهرجان ابتهاجي، أو احتفال عمومي.
لا ننسى أن الطابع الغنائي والكرنفالي لبدايات الثورات، صاحبته أيضاً المناوشات والصدامات الأولى لما سيصير لاحقاً ثورات مضادة. كان التهديد الدائم، المفتعل أو الحقيقي، بتحويل الثورة إلى حرب أهلية، ملازماً منذ الأيام الأولى للانتفاضات الشعبية كلها. وفي سوريا، كانت الدبابات -لا أقلّ من ذلك- بوجه التظاهرات المرتجفة. كنت مدركاً باستمرار للسيناريو الجزائري: إما جزمة ضابط المخابرات وإما سيف الإرهاب، هذا جزاء كل من يطالب بالحرية والكرامة والعدالة. والشعوب العربية كانت تعرف هذه ‘اللعبة’ الجهنمية للسلطة، وهي رغم ذلك قررت أن تكسر هذه الدائرة الابتزازية، ليست لأنها انتحارية بل ببساطة لأن الاستبداد تجاوز أيّ قدرة على الاحتمال.
في الحالة السورية، ومنذ اليوم الأول، كنت مؤمناً أن النظام السوري لن يتوانى عن ارتكاب فظاعات لا حد لها دفاعاً عن نفسه”، فيخبرنا بسجاله مع بعض المثقفين السوريين مثلاً وإنكارهم، في الشهور الأولى قدرة النظام على فرض الحرب الشاملة، فكانوا يعرفون وحشيته، لكن غاب عنهم كما يقول بزي “ما استثمره النظام في التعبئة الطائفية، وفي استتباعه لفئات واسعة من المنتفعين والمرتبطين بديمومته، بظنّي، أن الموجة الأولى من الثورات والثورات المضادة قد مرت، وأمامنا موجات أخرى قد تكون أشد عنفاً وجذرية، وأشمل جغرافياً وأطول زمنياً، ستأتي بلا شك. نحن نشهد اليوم ‘مراجعة’ تاريخية في الدين والهويات والأخلاق والقيم والنظم السياسية.. إلخ، لن تبقي شيئاً ثابتاً أو قائماً، وستطال حتى أسس النظام الرأسمالي العالمي، شرقاً وغرباً”.
الذاكرة والماضي
أحداث الثورات وأزمة الذاكرة الممتلئة بالتجارب تجعلنا نعاود قراءة ما كتب سابقاً من تجارب في الحرب اللبنانية مثلاً ومنها كتاب بزي “نظر إليّ ياسر عرفات وابتسم (يوميات مقاتل)” حيث يجابه الكاتب ذاته والعالم، ويلازم فعل المجابهة دائماً، فهو شخص لا يتواطأ مع الشاعرية، يدهشني هذا الإصرار على الاستمرار بالمجابهة، فهل هو نوع من جلد الذات أم التطهر، أم تعرية للماضي الحاضر؟
يذكرنا بإرهاصات إصداره لهذا الكتاب الذاكرة عام 2005، فيقول “إنه بالنسبة إليّ ‘شهادة’، أقرب إلى ‘الاعتراف’ بمعناه الكاثوليكي. أردت أن أسرد، بلغة خالية من الأدب، فصلاً من سيرتي بين سن الرابعة عشرة والتاسعة عشرة (1981-1986). ست سنوات كاملة، قضيتها كمقاتل متفرغ للعمل العسكري، في ميليشيا أحد الأحزاب اللبنانية، أثناء الحروب الملبننة. بهذا المعنى، الكتاب ليس جلداً للذات، وأقل من تطهّر، وليس تعرية سوى لذاكرتي وحسب. أردته هكذا، تسجيلياً أو وثائقياً، خالياً من أيّ عواطف أو تأويل أو أيّ إسقاطات أدبية أو شعورية.
منعت نفسي، قدر الإمكان، كرجل في سن الـ39 عاماً حين كتابته، أن يتدخل برواية المراهق- المقاتل الذي كنته. أردته كشهادة قابلة للقراءة لدى الشباب الذين لم يشهدوا زمن الحرب، ولم يتح لهم التعرف عليها، طالما أن الثقافة الرسمية والشعبية تعتنق مبدأ النسيان والصمت، كتواطؤ على طمس خطايا الجميع، وكخوف من أشباح الماضي. أردته أيضاً كوثيقة ‘تاريخية’ تمثل بحدود بيوغرافيتها تجربة جيل هو الأسوأ حظاً بين الأجيال. وبهذا المعنى، نعم، توسلت به تحدياً لسائد ثقافي عربي، يكبح الكتابة عن الاعتراف والكشف والفضح، ويغلّفها بالتشبيح والتورية والمخاتلة والتجريد والتعميم والتعمية والتدليس والكذب والصمت. فنحن أحوج ما نكون لفن السيرة والمذكّرات، كشرط أول لنستحق جدارة كتابة تاريخنا، وليكن لدينا حقاً ذاكرة تأخذنا إلى المستقبل وتحررنا من الماضي”.
في سوريا لا ترف في الخيارات!
يوسف بزي الذي عاش وخاض تجربة القتال في الحرب الأهلية اللبنانية يجعلني أقترح عليه أن يفترض أن هناك أكثر من يوسف بزي يقفون الآن على جبهات القتال في سوريا، ومن ثم ما الذي يمكنه برأي يوسف أن يوقف المقاتل السوري ويعيده إلى المنزل كما حصل معه ومع أخيه يوماً ما؟ أم أن الأمر في سوريا مختلف؟ وما هو وجه الاختلاف؟
يحتار بزي في افتراض أيّ سوري سيأخذ أخاه إلى منزلهما، فيقول “من سيأخذ من؟ الجندي النظامي أم الثائر؟ لا أظن أن لديهما هكذا ‘ترف’. لا أحد في سوريا قادر على ‘خيانة’ معسكره. في لبنان كان لدى الجميع حرية الخيار في الخروج من الحرب أو التورط فيها. كان قراراً شخصياً وإرادوياً وفردياً. كانت الحرب بين جماعات وطوائف، بالوكالة عن صراعات إقليمية ودولية وبالأصالة عن نفسها أيضاً، فيما الدولة ومؤسساتها هي الطرف الوحيد خارجها تقريباً. كانت المعضلة في لبنان هي استقواء الجميع على الدولة، وعلى فكرتها كنظام توافقي-دستوري، وديمقراطي إلى حد معقول وقابل للتطوير. كانت الدولة هي المخفر والدفاع المدني والإسعاف وخدمات المواطنين والمصالح اليومية والمعاملات والإدارات.. إلخ، وكانت في السياسة متفرجة وعاجزة عن لجم العنف الأهلي وضحيته في آن. فالنظام اللبناني ليس مفارقاً للإرادات المختلفة للجماعات، بل هو نتاج هذه الإرادات ونتاج تسوياتها ومنازعاتها.
هذا الأمر شديد الاختلاف عن سوريا، حيث أن النظام هو نتاج استيلاء عصبة وعائلة على السلطة، مارست طوال أربعين عاماً أشد السياسات القمعية وأكثرها وحشية وفتكاً وإذلالاً. وطبيعة الحرب فيها هي حملة قتل وتدمير ممنهجين، تقوم بها الدولة ضد عموم السكان، وعلى كامل الجغرافيا العمرانية. نحن هنا أمام عدوان وحشي لا يتورع عن استخدام الأسلحة الكيميائية وما يوازيها من جرائم حرب كالتجويع والإعدامات الجماعية، تقوم به دولة عسكريتارية ضد مواطنيها بالذات. الدولة السورية لم تعد تمثل الجماعات السورية وإراداتها، هي على الأرجح باتت قوة احتلال وغزو.
في لبنان، كنا نتحارب ونعرف ضمنياً أننا سنعود في نهاية المطاف إلى السلم الذي تطالب به الدولة بالذات. أما في سوريا، فقد يكون من المستحيل العودة إلى ما قبل مارس 2011. باعتقادي، سوريا القديمة انتهت، والسوريون عبر حربهم هذه وعبر هول آلامهم وعذاباتهم الفائقة، سيذهبون إلى سوريا أخرى أو إلى هوية جديدة تماماً. لا الثائر لديه رغبة في الاستسلام ولا الجندي قادر على الانشقاق. مرحلة الالتباس في البداية انتهت منذ العام 2012”.
مقولة الأزمة
في لقائي بيوسف بزي وبصفته رئيس تحرير ملحق نوافذ الذي أُغلق مؤخراً كان لا بد من سؤاله إن كان إغلاق “نوافذ” هو أحد أوجه تحقق نبوءاته في جريدة المستقبل، حيث تنبأ في شباط 2015 في احتضار الصحافة الورقية، فكان أن باح بأنه منذ دخوله في العمل الصحافي قبل 27 عاماً، عايش مقولة “أزمة الصحافة الورقية” وأزماتها المالية الدائمة. يقول “ليس سراً أن صحيفة ‘المستقبل’ انطلقت بزخم مشروع الرئيس الراحل رفيق الحريري وسخائه، وبضمانة قوته الاقتصادية والتمويلية. هذه الحال بدأت بالتغير بعد اغتيال الحريري، لأسباب كثيرة موضوعية وذاتية. معظم الصحف اللبنانية تعتمد على ‘الدعم’ والتمويل من مصادر إقليمية لديها فائض مالي-نفطي، أو لديها طموحات وسياسات تتعدى حدودها الوطنية، تعتمد على المنظومة الإعلامية اللبنانية المحترفة، في الدعاية السياسية ودعاويها.
وعندما تتعرض مصادر التمويل هذه إلى أزمة في ميزانياتها وسيولتها المالية، ينعكس هذا مباشرة على ميزانية الصحف وقدراتها المالية. هكذا، كل ما هو ملحق وفائض عن صفحات الجريدة الأساسية يصير غير مرغوب به”. لكن يوسف بزي المنحاز دائماً إلى الإنسان والفعل الإبداعي ينحاز إلى فكرة أن الكتّاب والصحافيين والمثقفين ونتاجهم أهم بكثير من الصحيفة نفسها، لكن الشرط الاقتصادي يتغلب على مفهوم “القيمة”، أكانت هذه القيمة ملحقاً ثقافياً أو صفحة منوعات وتسلية.