معرض عيسى حلّوم: الكلمة الأخيرة للون

الجسرة الثقافية الالكترونية

محمد شرف

hIF8S605NYSm0iJ9d6zCDen9zmBMUG
يشكل معرض عيسى حلّوم «الطبيعة ـ الملجأ» (])، المعرض الفردي الحادي عشر للفنان. هذا العدد من المعارض يُعتَبر «قياسياً»، بالمقارنة مع فنانين آخرين تقارب أعمارهم عمر الفنان الشاب، مع الأخذ في الاعتبار أن مفهوم «الشباب» ليس من الأمور المتفق عليها بين الجميع، على كثرة الاجتهادات والتفسيرات. لكن الفنان ما زال، في نظرنا، شاباً، أكان من حيث السنّ، المختلف على تقسيمه إلى مراحل كما ذكرنا، أم بالنسبة لما ينتجه عيسى حلّوم من أعمال تفوح منها رائحة اللون اليانع، الذي لم يتعرّض لعذابات التردّد والتأتأة، في ما يختص بالخيار أو بعملية مزاوجة الألوان.

فاللون هو، من دون شك، سيد المكان لدى عيسى حلّوم، وتعود إليه، أي للون، الكلمة الأخيرة في تحديد البعد التشكيلي للوحة. هذا الأمر ليس طارئاً لدى الفنان، بل كنا لحظناه في معارض سابقة له، لكن معرضه الحالي جاء ليكرّس هذه الفرضية، ويوسّع حضورها في اتجاهين: أولاً في اتجاه المقاس، إذ صار حلوم يفضّل مقاسات أكبر من تلك التي اعتمدها سابقاً في تأليف لوحته، وثانياً في اتجاه عدم التخلي عن الرسم. بيد أن العلاقة بالرسم تتفاوت بين عمل وآخر، ويتعلّق مدى ثقلها بما تفرضه حيثيات الموضوع ومتطلّباته، مع الإشارة إلى أن الغلبة لا تكون، في كل الحالات، للخط، على أساس كونه عنصراً غرافيكياً ذا قسوة نسبية، من شأنه أن يفصل بين المساحات اللونية.

الطبيعة

هذا الخط، المنوجد ضمن عناصر اللوحة، يكاد يكون لامرئياً، وقد يحلّ محله اللون في حد ذاته، حيت تختلف عجينته من حيث السماكة أو الشفافية بين مساحة وأخرى. حالة كهذه تذكّرنا، إلى حد ما، بالنهج الانطباعي، علماً أن الطريقة الانطباعية الشهيرة تنزع إلى تكوين الشعور باللون لدى المشاهد من خلال تعريض العين إلى تمازج مدروس بين ألوان عدة، وذلك استناداً إلى النظريات الفيزيائية، واجتهادات علماء البصريات في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. لوحة عيسى حلوم تحقق هذا الهدف بدورها، إنما ليس على نحو تنقيطي وضبابي، كما لدى بعض الإنطباعيين، بل من خلال التجاور بين مساحات لونية مسطّحة، قد ينتسب بعضها، في حالات معينة، إلى الفئة اللونية نفسها، في حين يسود التعاكس في حالات أخرى، مع غلبة للحالة الأولى على الثانية، كما لاحظنا.

أما بالنسبة إلى الموضوعات التي تعالجها لوحة حلوم فيمكن الاستدلال عليها من عنوان المعرض نفسه: «الطبيعة ـ الملجأ»، وهذا الخيار المتعلّق بالوجود المكاني ينبع، أساساً، من العلاقة الوثيقة التي تربط بين الفنان وبيئته الخاصة، وهي بيئة بقاعية، وتحديداً شمال بقاعية. وإذا كانت هذه البيئة تفتقد أحياناً إلى الأخضر، نظراً لحيثيات المناخ البقاعي المعروفة، الذي تقلّ رطوبته كلما اتجهنا شمالاً، فإن القرى الواقعة في ذاك الجزء من الوطن هي أشبه بواحات، مع ما يحيط بها من أرض استصلحها سكان المنطقة بجهد وافر لا يمكن تجاهله. لذا، ليس من قبيل الصدفة أن نرى في لوحة عيسى حلّوم إناساً يعالجون أرضهم، وآخرين يتواجدون في أنحائها من دون تحديد النشاط الذي يقومون به، كما نراهم في وضعية الراحة. وفي كل الأحوال يمكننا أن نتلمّس تلك الصلة الوثيقة القائمة بين العنصر البشري وملجئه الأثير الذي هو الطبيعة ذاتها، مع الإشارة إلى أن التعاطي مع الحضور الإنساني لم يتم، من حيث الأسلوب، على أسس واقعية تقليدية، بل عبرة رؤية ذاتية خاصة بالفنان.

بيد أن الحضور البشري لا يكون طاغياً في مجمل الأعمال المعروضة، إذ نرى أعمالاً تتطرق إلى الطبيعة دون سواها، فتضيف إليها ألواناً اصطلاحية، وقد تحوّرها في بعض الأحيان، فأعمال عيسى حلو ليست وصفية، ولا تهدف حقيقة إلى تمثيل الواقع، بقدر ما ترمي إلى تمثيل بعض ملامحه الأساسية المرتبطة بالظاهرة البصرية، فهي «تهمل الجانب الروائي من الموضوع، ولا تتناوله إلاّ من أجل فوارقه النغمية»، على ما يشير جورج ريفيير، في معرض حديثه عن أعمال بعض الانطباعيين، وهو قول يسري، كما نعتقد، على أعمال عيسى حلّوم.

المصدر: السفير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى