الجسرة تنفرد بنشر رواية صابرين فرعون “رواية قلقة في حقائب سفر” (5)

الجسرة الثقافية الإلكترونية-خاص
للألم ذاكرةٌ تنازع شرنقة النور

-5-

كلمات العشاق عاقرٌ , الصادقة منها تعارك لتصير واقعاً ولكنها لا تنجب نهايةً جميلةً .. كلمات العشاق خيانةٌ للتاريخ وللذكرى ، تصطادنا بحسب توقيتها ، ونعود لخزائنها الدفينة بتوقيتنا ..
البعض يتاجر بالحب : صار لكلمات الحب المغلفة سوقٌ , تجاره طماعون ولكن من يأكل مما يصنع يدس الأكاذيب في كل تفاصيله ، في كل الثقوب التي افتعلها السوس بأحلامه المحشوة في وسادته الأثيرة ، أمثال هؤلاء لديهم وسواسٌ قهريٌ وشكٌ وريبة ، لا يغسلون وسائدهم يوماً بدمعهم أو يراجعون حساباتهم في ليلةٍ ما , لتنام ضمائرهم قريرة الأعين ..
خلعت الشمس فستانها الحريري المطرز بالدفء وتنهدت على سرير البرد سقيمة، أيامنا باتت خاوية من طرق الحب بأصابعه الدافئة على قلوبنا ..
جاء المطر حاملاً رسائل الأحباب ، أنت تكرهه وبرغم ذلك تحمله زنابق محشوةً بالقبل الوفيرة مع أمنية العيد !! كل الخشوع يحتسيك هدأة النفس حتى في غيابك ..

رؤى المشاغبة زهرةٌ تتفتح , تتورد وجنتاها كلما أخبرتها كم تشبهك ، ملامحها وشخصيتها كلها تذكرني بك , يا إلهي كم هي عنيدة ! أتراها ورثت هذا العناد عني أو عنك ؟! حاولت أن ترسم بسمةً على شفاهي , الأطفال يشعرون بتعبنا أكثر منا , لكن المشكلة أني لا أستطيع رسم ملامحٍ غير ملامح الحقيقة مهما حاولت .. أحاول أن أكون صارمةً وأقيدها بسقفٍ زمني محدد لكل واجب , ولأني أعلم أنها تحب ألوان الحبر الملونة و”الجلتر” أحضرت معي بعضاً منها , أبرمت اتفاقاً معها : إن حللنا كل الواجبات وحفظت اختبار الجغرافيا عن الأرض وأجزائها وأغلفتها , سأعطيها الأشياء لتخرج وتلعب وترسم مع وطن وجدل بعد الدرس ..
بعد انتهاء الدرس عدت أفكر بالكم الهائل من الأمور التي تتداخل ببعضها ولا أجد لها تفسيراً في الآونة الأخيرة , ولا أستطيع حيالها شيئاً , لكن كلما أمعنت في الموضوع وجدت أن عنادي صار لمدينةٍ كاملة وليس أشخاص ، وأن رفضي للانصياع لأفكارهم والبقاء في شرنقتي لهو الخيار الحقيقي كي لا أؤذيك وأؤذيني بكامل روحي.
ألوك “طبختهم البائتة” لأن خطاي نذرتُها للريح , ليس عليَّ أن أُطأطئ الرأس وأصغي لافتراءاتهم في قتلك داخلي ..
إنسانيتي تملي عليَّ ماذا أصنع بهندامٍ مزقته العواصف , وحياةٍ عشش بها اليأس واستوطن حد التعب , لا يهمني أن أكون ضمن جمهورٍ فقد حسه بما يشاهده ويتلمسه ويصفق لكل شيءٍ دون أن يستوعب حقيقة الألم الفاصل بين الوعي الحقيقي والمُزيَّف ..
نحتاج لمنعشٍ للفم فقد ألقم النزيف اللثة صوتاً يشبه صرير الأبواب المهجورة ، نحتاج لهواءٍ منعش .. وجبة غسيل وجوههم الملونة معدةٌ على درجةٍ عاليةٍ من الحرارة ، سأتخلص من بقع تلونهم وأحفظ مشاعري مسلوقةً ، ذلك صحي للقلب والعقل من كل وجبات الموت اليومية التي نتناولها على عجالةٍ ، أسابق الزمن كي لا يقطعني ويرميني للشوق والحزن والموت ..

أشتاق العيد لأرى في دهاليز عينيك قصائد عمري الكائن وصيرورته .. غريبٌ الصباح وشمسه لا تسرح خصالها الذهبية على الأرض العطشى للفرح ..
أبحث في رسائلنا أثناء سفرك عن قبلةٍ لقمها الطير وعطر بها نزف القلم ، لم تكُ تلك أنات عاشقةٍ مزقت شرنقة المواعيد المؤجلة وحيرة اللحن على أرضية الورقة ، بل سناجب اللغة كانت تتمرد على حقول النبض تقضم البندق من أكفك لتبتهج الأبجدية وتستعير الدفء من صوتك المسافر خلف الجبال والوديان يعتلي صهوة الغيم ..
كنت أؤمل نفسي وأصبِّرها : “لتزمجر الريح التي تستوطن سمفونيات الأمنيات , وإني لأتحداها فحصتي من النور تزلزل أصقاع البرد ” ..
أنفاس الحياة شققت شفاه الحلم , فنزفت لأنهم سرجوا الغيمة بدمعةٍ عمياء ..
هذا عشب القلب أحجية الصوفي حينما تلعثم الجفاف على ضفتي نهرٍ , نمت من أصابع الوقت موسيقى كست الخضرة بياضاً , استبدل الصوفي أنثى الماء بقيثارةٍ تعزف ألحاناً مقدسةً , واستبدلت أنثى الماء فساتين عمرها كي لا يصيبها نزق أعوامها التي رحلت فلا تنخر دودةٌ في ذاكرتها وتعطب خصوبة ما أنجبت ..
سألت حجارة المدينة عن أغنيةٍ طرزتها في عين المطر , وبقي السؤال طفلاً يتكور في أحضان الغربة : نبض الحرف من حجرٍ أم ورق ؟ من قطع الحبل السري للغة وطعنها في الظهر ؟!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى