الجسرة تنفرد بنشر رواية صابرين فرعون “رواية قلقة في حقائب سفر” (6)

الجسرة الثقافية الإلكترونية -خاص-
-6-
كلما أشرقت زهرة الحب في عينيك
أطعمتَ الطريق الضباب
أهكذا يقابل المحب حبيبه ساعة وفاء ؟!
أما أخبرتك أن الأنثى حين تغار
تصير تنوراً ، والمقل تجف من سواقي الكلام ؟

الظلال التي تخدشنا هي نفسها التي تقشر آلامنا وتسكن دمنا ، في البعد والقرب تغربل الياسمين في قصائد العمر ، فتزهر في فناجين صباحاتنا .
اتلُ عليَّ ما تيسر لتمنح الغياب حضوراً في روحٍ وجسدٍ يئنان توجعاً ، ولكَ أن ترى ولادة المطر من رحم غيمةٍ محملة بالدعاء ، وللغيمة أن ترى ابتسامةً ترتسم على محياك مودعةً قهر الغربة .
ثملةٌ تلك المعادلة التي خطها بخار إبريق الشاي بالنعناع والليمون في هذا البرد على راحة يدي ، لا أتذمر من رؤية تقاطع الأوردة عند حافة المعصم ، أذوي ذبولاً كلما شاهدتك تترك نصف رغيف الخبز المقرمش على عتبتي ..
وعدتني أنك ستكون دائماً هنا ، لو تعلم كم نحتاجك أنا والطفلان … هدني التعب وأنا أحادث صورتك لأنام ، فلن تغيب في حلمي ..
قوانين الجاذبية لا تتحكم بقصائد القلب مفتوحة العينين ،
أبيات القصيد تحتاج أن تتناول من قلبك فيضاً كي تحيا ،
زرعها يموت عندما لا تطبع قبلة الدفء على جبين الكلمات ،
تبكي المدن وصوتك يهدهد خواءها ..
لو كنتَ تدرك كم فاصلةً مؤجلةً على سرير الكلام يثقلها الأرق ..
لو …

يااااه .. كم مضى على هذه الرسالة ، لماذا احتفظتَ بها يا روح الروح ؟!
“احتسِ في بابل قهوتك واجتهد على التحليق في أسرار إقليم مرمرة ولا تنسَ أن تضع وزرك بين يدي نساء وهران , ولكن تذكر : حضن أمنا سيبقيك مأسوراً في لوحة العشق ، وإني لأشتكيك لقاضي الغرام عله يترك شهادة الحب فارغةً ”
المحبرة تترك آثاراً ولها هوية أنثاك الوطن .. خفت عليك حينها وأنت مولود قلبي ، كيف للأم أن لا تحمي وليدها ؟! خانتني حسابات “الفعل ورد الفعل” ولم يخني نبضي ، كنتَ كالقنبلة الموقوتة التي ستنفجر في أي لحظة ، زرعت في قلبي عاصفةً، ربما كان عليك فقط أن تكون جريئاً وتخبرني الحقيقة : لم أكن من يمنحك عالماً كاملاً وأنت الفلاح الذي يطمع بأكثر من ثمر الزرع ، قلبك بلادٌ لها أمومة الحياة والموت ، كلك يتنفس جبالها ووديانها وأنفاس وردها .. لماذا لم تكتفِ بالحقيقة وتجرد البرد من حركات المد وتجمد الدم في عروقٍ كُتب لكل ذرة فيها أن تتنفسك ؟!
تستكثرن عليّ رؤيتك تكبر في صدري ، تبخلنّ برؤيتي لأولى خطوات تفتح الورد وما أنا إلا أمٌ أعياها طول انتظارٍ
أن يكبر الطفل ، أن تذوب كما السكر في أوعيته الدموية ..
ويح الموت حين ينبري من مخالب أنثى فقدت وليد قلبها , تدعو كلما خرج من البيت أن يحميه الله من كل مكروه , وفي النهاية يعود لها محملاً في كفن !!
حتى المطر يئن , قلبه هشٌ وزنده وطن , وبندقية روحه رصاصةٌ أطلقها حينما جعل القلب هدفه .
حُكم على الحب أن يرتدي أثواب الشهداء ، والوطن لا يزال ترنيمةً تختنق بصلواتها المهجورة ، وندوب الموت الغائر فينا تقتلع قلوبنا مع كل ستارٍ يُسدل على المسرح الذي ساوى “العرض” بطول سيقانٍ تشجب وتستنكر !!
أغلب الظن أن الأرض كما تفاحةٍ قُسمت لأربع ولكنهم تشدقوا بثمرة اللوز المر وصاروا جثثاً على عتباتها فبين المبتدأ والخبر مسافة وطنٍ ..
الحبق وأشجار الأرز والزيتون والياسمين كلها تموت اليوم .. لماذا يشوهون بذرتها ؟ لماذا يسرقون دمها ويقبضون روحها ؟ لماذا يقنصون الحمام ويلجمون الأفراس ؟ لماذا يحرقونها بالمطر ويعانقونها بطلقات رصاص في صميم ترابها ؟!
حفنةٌ من الأسئلة المبعثرة تقض مضجع ذاكرة كل أمٍ وزوجة ، وشموا على حبة عيونهن موتاً و غربلوا حنان أمومتهن حينما مدوا أياديهم الباردة إلى السنابل يفرغونها من القمح وأجفلوا كل النوافذ المشرعة على الحقيقة حتى أنهم حشوا كل وسائدهم بدماء نسوة الشهداء اللاتي أباحوا خنق أصواتهن قبل أن يثرن على سادية الموقف ، هدموا البيوت قبل أن تنظر إحداهن في المرآة , فترى أنها أنثى يعيبها أنها تخضر ..

مقبرةٌ للأرقام صارت بلادنا ، طلاسم الذاكرة والحقيقة آيلةٌ للسقوط في خضم القفزات الهائلة ، كيف “يزهر الحرمان”؟ لمَ كُتب قدر الفدائيين في ثلاجة الموتى أو في زنزانةٍ حقيرةٍ صمتت أنفاسها عن الحياة وتمردت جدرانها تسجل تاريخ النطفة المهربة لزوجةٍ تنتظر خروج رجلها ناذرةً العهد أن يكون جنينها على درب الأبطال أو طفولةٍ بلا أحلامٍ يعلقون مشانق لها قبل أن تتوغل في عمق الطريق المشرق وتصنع للأمة كرامة ؟!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى