الجسرة تنفرد بنشر رواية صابرين فرعون “رواية قلقة في حقائب سفر” (7)

الجسرة الثقافية الإلكترونية -خاص-

تلك اللوحة الباهتة على صدر الحائط تعلن حرباً دمويةً ، لكن الدم على أرضها مزيف ..
لم يميطوا اللثام عن لمسات الموت ، ولكنهم تناولوا خلطة الدم المزيف ، وزعوها على عجينة الجبص ، صنعوا وجوهاً حجريةً بلا مشاعرٍ ..
الثيّب في بلادنا تُصيَّر أمورها بعد طلاقها أو وفاة زوجها لها ، لكن ماذا عن تلك الثيّب ” الأوطان ” التي نزعوا شرف عروبتها عنوةً ، وخاطوا لها ثياباً تفضح عوراتهم ؟! ألا يحق للوطن أن يحتضن شهداءه دون تزييف شهادة وفاتهم ؟
الأم عاصمة الحلم وحيدةٌ اليوم ، يريدون أن ييتموا صباها وهي البتول ، جند الله ملائكته لحمايتها وأهلها وبيوتها ، من خانها هذه الليلة ؟
من جرح التفاحة لتنزف دماً ؟! من يكحل ليلنا ليشتد سواده ؟!
من يدرأ ظلمة هذا الليل ؟! من يغدر اللون ببعض البياض ؟
قتلوا زهرات الوطن قبل أن تتفتح وقتلوك , فقتلوني …
عندما تتحدث عن الأم فإنك تتحدث عن فلسطين وطفلاتها ، أحب تلك الطفلات لقلبي تلك البهية المقدسة “القدس” عاصمة قلبي كما عاصمة وطني وهي نفسها التي تنافسها “رام الله” بالنسبة للآخرين ، ولكن شتان ما بين البيضاء والسمراء .
مدينة اللوز كانت شقراء ساحرة بطعم الكرز ذات براءةٍ ولكنها اليوم سمراء ماكرة تتناول الجميع وتتلقفهم ، وهي التي خسرت رونقها حين صيّروها عاصمةً لأحلامٍ ميتةٍ ، دورتها الدموية فاسدةٌ من الشريان للوريد ، حتى نسبة الميلانين في بشرتها زادت .. يتصدر مثقفيها Top 10في دبلجة الصورة وتوسيع مساحة الجرح .. آخو بيوت العبادة ليرتقوا الثقب الإنساني الذي تتناسل منه عقولهم النتنة ، وحصدوا ثمار مزارعهم السعيدة وجلبوا اللعنة للفلاحات اللواتي يتربعن على أرصفة ابنة الأم الأغلى والأجمل يبعن ما جادت أيديهن قطفه من كل أثقال هذه الأرض وكنوزها من تينٍ وزيتونٍ وعنب ، سرقوا بويضات قلوب المانحين والداعمين والمستنكرين من الابنة الكبرى ولقحوها في رحمٍ فيه بقايا متعفنة لأجنةٍ غير مكتملة !!
شافاك الله وعافاك أيها الوطن ..
قلوبنا صارت خِرقاً باليةً تلمع بها ألقاب حضراتهم “قيس ويمن” ، حتى أنهم وإن لم يعترفوا بحقيقة الأمر عاقين للأم وبارين بأنانيتهم , وما خطوا على سلم العروبة درجة ..
متى يفهمون أننا نموت لتحيا تلك الأم أم أن ذاكرة أوطانهم معلقةٌ بترانيم كافرة لا تعترف بأمومة التراب وإنما بتضاريس من بوتكس وكولوجاين ؟
بقروا رحم الأبجدية فوجدوا أنوفهم مجدوعة على هوامشها , لا هم في أعلاها يلتحفون المجد والغد , ولا هم في أسفلها يمتشقون من قدِّ الكلم لحناً غير مشويٍ على أتون قلوب من سقطت تاء تأنيثهن عند أول الدرس في الإعراب ، تلكم اللواتي أنجبن لهم أجنة الغواية على أَسرة اللغة وبعثرن سِمط الحروف المبللة بالمطر ..
أيدرك الحب أنهم يتخبطون في عماهم أمام ذوات الروح اللاتي نزعت عواصف الزمن أصواتهن المبحوحة بآهاتٍ لا هوية لها وكاد لهن ذوو الشهوات ؟!
وأدوا القمر و أطاحوا بعين الشمس وقمعوا قصب الذهب الذي يضيء لهم ظلماتهم ، اقتلعوا كبد الحقيقة و قتلوا الأحلام الهاربة للمنكسرين والعابرين وخلطوا الأزرق بالليلك , و نما شوك القصائد موات ..
من عطفٍ تمسد الأم على أعناقنا التي دكتها حروف الجر سويعة أنجب الدهر وطناً في مسقط القلب يلمع مرايا أرواحنا من غبار الظلال التي خلعت أحذيتها على وسائدنا المحشوة بالأحلام ..
الحلم جريمة الفقير .. يحلم بأن يرسم ثقباً في جدار العتمة الذي أُغلق عليه منذ صارت الأم حقيبة أبجديةٍ يحملها لكل المطارات ، وهي بدورها تغلق أبوابها في وجهه ، لا فيزا ولا جواز سفرٍ يعبر به حدود الغربة الأبدية ، لا مخاض تليه ولادة يرتقبها ، وكيف تكون الولادة في الجحيم ؟! أيحق للحلم أن يكون أكثر من مجرد نوتاتٍ محشوة في غيمةٍ طاردة قد يقصفها عدو الإنسانية في أية لحظة لتمطر موتاً على الأرض وهي تنتظر الحياة ؟
الحلم بصيرة الناسك في أفياء الحياة ..

أيتها الأنثى الوطن :
كيف يمدون أياديهم في جرار العسل ؟! هل يؤتمن من خان بدل المرة مرات ؟!
سلسبيل الكلام نهرٌ ولكنكِ تعودت احتضان جعجعاتهم ، تُعدين لهم سمفونيات العشق سبعاً وينثرون رؤاك أمنيةً تتشظى ..
أطالوا لحى الحرف وفي محاريب الإنسانية صلوا للنفاق والكذب ، ذروا رماد الموت في عيونك وبتروا اليد التي تبني والوقت يمشي الهوينى على غصون قصائد لا تكتمل ..
طعنوا البراءة وخاطوا صوت الشرف والكرامة ليكتموه , زرعوا مخالبهم في العيون التي شهدت قذارتهم , كالوا الضربات الواحدة تلو الأخرى لذاكرةٍ وفية لعهد الشهداء ..
حجّموه .. ذلك الذي زرعته الكنعانيات في حكايات الثورة والعروبة وبنادق لم تُفتح أفواهها إلا لقتل من سلب التاريخ حقيقته وغسل العقول من فكرٍ خام ونظيف وطاهر ، ذلك الوطن بحجم رئات تتنفس الحياة ..
وقفتُ على شرفة الليل عطشى ، وما يروي ظمأ العليل إلا قطرات مطرٍ اختلطت بتراب الأرض .. تركتُ قلبي معلقاً في رحى العواصف وكل نوقٍ أناخت بباب التاريخ .. ها هم العرب يهدون جحافل ملغومةً , والقدس دمعة المكلوم إن تأوهَ .. حسبنا ربنا نناجيه لأنها بتولٌ تبكي مع مطر الله ، تحب كل من يحبها وتلمه في عروبة الكف إذا ما حمل أنات القلب في عروق الحياة .. هذه الليلة سأكتبكَ بعد فاصلةٍ منقوطة على غصن بانٍ أينع ثمره , وهو الغصن الوحيد الذي أثق بطهارته ..
حفار القبور على بعد امرأةٍ لقنت شفاه الحرف درساً ، المؤامرة في العتم أكبر مما يتصوره عقلٌ ..
شاخ نصي في أول السطر وما وجدت غير هذا الموال يحدث لسان حالي :
” حدايقنا مقابر والبشر هان
واكول افرجها ربي نريد نرتاح
من يوم التتر وأعراسنا أحزان ”

خريطتي الكونية في ذلك البحر الذي تناولني إليك وأغرى الموج ليسترجع ظلك على نافذة المساء ، وأبخرة العشق تتصاعد من ياقة قميصك أتنسمها ويلفحني بنوبةٍ دائمةٍ للفرح هذه الليلة ، ذاكرةٌ مفعمةٌ بعطرك الذي يغريني لعناق حبات المطر تنظم نبضاً للمدن التي غابت وجوهها بين أعشاش الطيور البريئة ولبؤةٍ تلد حروف القصائد ..
بين “درس الزيتون” و “السلفي” ضاع أسلافنا وضيَّع أحفادنا دُملج اللغة و عقيق الفكرة المتوثبة من نزف اللون إلى وجبات الحب السريعة ..
دق ناقوس العزم ليكتب الماء كلينا في كينونة الذاكرة الدائمة لكتاب الحكايا ..
في الحلم امرأةٌ حبلى بإكسير ألوانٍ من فيض حبٍ ومطرٍ وعناق ، تزلزل أوجاعها نصل الموت ، آوتها وردة روحك تسابق حلمها على وسائد وردية ..
أنّى بحبٍ لا ينكسر ؟ أنّى بموسيقى تكفكف دمع القلب واستنزاف الفرح ؟! رائحة البارود تنزف لها أرضٌ بِكرٌ وذاكرةٌ طفلة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى