أنيس منصور لم يكن عدوا للمرأة كما أشيع عنه

الجسرة الثقافية الالكترونية

في كتابه آخر 200 يوم مع أنيس منصور، يكشف مؤلفه د. مجدي العفيفي الكثير من الأسرار في حياة الكاتب الراحل أنيس منصور، خاصة في العام الأخير الذي عاشه المؤلف مع الكاتب الراحل قبل وفاته، وفي الكتاب يعرض المؤلف لرسائل متبادلة لأنيس منصور مع العديد من الشخصيات السياسية والصحفية والثقافية، إلى جانب عشرات الصور النادرة لأنيس منصور في مختلف رحلاته وجولاته ولقاءاته على مدى الـ87 عاما التي عاشها ابتداء من عام 1924 حتى 2011.

وقضى د.العفيفي العام الأخير من حياة الكاتب الراحل أنيس منصور ملاصقا له ليلا ونهارا، وهو عام اختزل حياة الكاتب الراحل، حيث شهد وسجل المؤلف خلال هذا العام لحظات فائقة الحساسية في حياة أنيس منصور، منها مراجعات نقدية لمواقف سبق أن تبناها أنيس ومشاهد لرحلته في الثقافة والصحافة والسياسة والمجتمع.

يقول المؤلف: “إنه في المائتي يوم الأخيرة من حياة أنيس منصور كان يحدثه عن كثير من الأسئلة المسكوت عنها، سواء على المستوى الذاتي وفي مناطق وعرة من جغرافية حياته وفكره، أم على المستوى الموضوعي في رؤيته لكثير من القضايا والهموم المحظور اقتحامها، وفتح أنيس منصور للمؤلف صندوقه الأسود من مراجعات سياسية، واعترافات شخصية، ومناوشات فكرية خاضها أنيس منصور طوال سنوات حياته”.

ويضيف قائلا: “إن من يجلس مع أنيس منصور فإنه يقابل مئات الشخصيات والأشخاص في العالم، من بسطاء ومشاهير وقيادات وجماهير، وأزمنة وأمكنة وواقع، وما وراء الواقع، وأنفس وآفاق، وأرواح وأشباح، وعلماء وفنانين، وفلاحين ومثقفين، وكتاتيب وجامعات، وفنادق، وأطراف وأطياف، وجبال وأودية، وقرى وقارات، ودنيا واسعة عاش وتنقل فيها أنيس بكل شجاعة ومغامرة الكاتب والصحفي”.

ويقول: “عندما تستمع إلى أنيس منصور فلا بد أن تصغي إليه وتنصت إلى كل كلمة يقولها، فالحديث معه أو الاستماع له ليس على شاكلة “رب مستمع والقلب في صمم”، فهو يوقظ فيك حواسك ومشاعرك ووجدانك وفكرك، فتعيش حالة من الجدل الإيجابي، وهالة من القوة الإنسانية والضعف أيضا”.

ويصف المؤلف حديث أنيس منصور بقوله: “إنه المحدث الساحر بقدرته على السرد والحكي، هو سارد يدرك نوعية المسرود له”.

وعن القلم والقراءة والكتابة، يذكر المؤلف: “أن القلم كان في يد أنيس منصور مثل عصا موسى.. يهش به على غنمه من الكلمات، يسوقها إلى المعاني، أو يسوق إليها المعاني، أحيانا تمشي وراءه وينفخ في عصاه كأنها أرغون، ويغني ولا يلتفت إلى الأغنام وراء وحوله وأمامه”.

ويعتبر المؤلف أن هندسة العلاقات الإنسانية تشكل أهم المرتكزات الفكرية في كتابات أنيس منصور، وهي إنسانيات تشكل كنزا ضخما ينهل منه الآن الفكر الإنساني، مؤكدا أن أنيس كان محبا للمرأة، بل عاشقا لها، وإن احتواها بالنقد اللطيف، ولم يكن عدوا كما أشيع عنه، وأشاع هو، حيث لم ينف أنيس ما أشيع عنه من أنه عدو للمرأة، بل ترك هذا الانطباع عنه قائما من خلال كتاباته، شأنه شأن الكاتب المصري الراحل توفيق الحكيم.

يقول المؤلف إن مفردة الموت بكل تجلياتها وتداعياتها هي القاسم المشترك في أحاديث أنيس منصور خلال الأيام الأخيرة من حياته، لا سيما بعد عودته من رحلة العلاج بباريس، وأشار إلى أنه ينتظر لحظة التنوير الأخيرة، وهي الحقيقة المؤكدة بعيدا عن كل الاحتملات، حيث كان أنيس يردد هامسًا بينه وبين نفسه وعلى مسمع من المؤلف الحديث النبوي الشريف: “الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا”، أي عرفوا قبل الموت ما لم يكن يعرفونه.. رأوا الدنيا.. رأوا الناس.. رأوا الحقيقة.. عرفوا أن كل شيء له نهاية.

وحول موقف أنيس منصور من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر يقول المؤلف: “إن أنيس قال له عن كتابته حول عبدالناصر خاصة كتاب عبدالناصر المفترى عليه والمفتري علينا الذي قوبل بعاصفة غضب من مؤيدي جمال عبدالناصر داخل مصر وخارجها: “أحسست أني زودتها شوية” وإيه يعني فصلي من العمل سنة، هذه ليست نهاية العالم، وما ذنب الرجل وقد تجنيت عليه وغاليت في بعض الأمور، فكل إنسان له سلبياته وإيجابياته، وكل حاكم له منجزاته وإخفاقاته، وعبدالناصر له وعليه، لدي شعور أني ظلمت الرجل إلى حد ما”.

أما عن ذكريات ومواقف أنيس منصور مع الرئيس الراحل محمد أنور السادات، فيؤكد المؤلف أنه وجد أوراقا كثيرة ومثيرة، وجديدة وجريئة، وجادة وحادة، ولم تنشر عنها أي تفاصيل أو وثائق من قبل، عن الرئيس محمد أنور السادات.

وهذه الأوراق تأتي متجاوزة لما ورد في كتابه “من أوراق السادات”، أما الكتاب الأخطر فهو مشواري السري، وقد انتهى منه أنيس منصور قبل وفاته، ويعد واحدا من أهم وأخطر مذكراته السياسية التي ظل عليها عاكفا عدة سنوات.

ويصف أنيس منصور هذه المذكرات بأنها مذكرات من نوع خاص، وعلى قدر كبير من الخطورة، وموضوعاتها لا يمكن أن تنشر على الملأ إلا بموافقة رئيس الجمهورية، مبررا ذلك بأن هذه المذكرات لها علاقات معقدة بالأمن المصري العام، كما تمس جوانب كثيرة من أوضاع الأمن الإسرائيلي، وفيها نصوص ووثائق سياسية وعسكرية، ومخاطبات في الجاسوسية، ووقائع لا أحد يجرؤ على الاقتراب منها إلا مغامرا ومعايشا لها.

وفي هذا الكتاب الخطير يزيح أنيس منصور النقاب لأول مرة عن كثير من المهام الصعبة والسرية التي كان يقوم بها مباشرة بين الرئيس الراحل أنور السادات وحكام إسرائيل، باعتبار أن أنيس قام خلال هذه الفترة بعمل موفد السادات في نظر القيادة السياسية في إسرائيل، ولم يكن يعلم أنيس منصور ولا السادات عن طبيعة هذه المهام، وكما قال لي بالحرف الواحد: “لقد استغرقني هذا العمل الحساس تماما في السنوات الأخيرة، ولا سيما أنها مهام لم يكن يدري بها أحد، لا رئيس الوزراء، ولا وزير الخارجية، ولا وزير الداخلية، ولا أجهزة المخابرات، المصرية منها والعربية والأجنبية”.

جدير بالاشارة أن كتاب آخر 200 يوم مع أنيس منصور للدكتور مجدي العفيفي ، صدر عن دار الكتب بالقاهرة ، ويقع في نحو 550 صفحة من القطع الكبير.

 

المصدر: ميدل ايست اونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى