فائق منيف: سلطة القارئ أصبحت أقوى من الكاتب والناشر

الجسرة الثقافية الالكترونية

 

عمر البدوي

أصبح «العاطلون عن الحب ينامون مبكراً» أشهر من صاحبه أحياناً، على رغم كونه عنوان كتاب ألفه الشاعر فائق بن منيف المطيري ورصد فيه التجارب والمواقف التي واجهته في قوالب شعرية خاطفة، فهي نبت ما يسميه منيف «الأدب الجديد» ويراه واقعاً يفرض نفسه. «الحياة» التقت الشاعر فائق منيف وحاورته عن تجربته إضافة إلى عدد من القضايا.

> هل لا تزال تؤمن بحقيقة «الأدب الجديد»؟
– هو واقع يفرض نفسه، فالأدب مثل الكائن الحي يتأقلم مع الظروف والمتغيرات المحيطة به، ومَن وما لا يتأقلم ينقرض. الراصد المتتبع لاتجاهات التغيير ومآلاته قد يلاحظها، لكن الناس والقارئ قد يعبران بهذا التغيير من دون إدراك له أو اهتمام به، لأنه تفاعل طبيعي مع العصر. وما زلت أقول إن الأدب الجديد في وسائل التواصل بحاجة نقاد متجددين يحللون هذه التوجهات الحديثة في الشكل والمضمون.
> على رغم تهم سطحية هذا الجيل وضعف تأهيله، هل سننعم بقامات أدبية جديدة من رحم هذا الجيل؟
– نحن نعيش في عصر جديد تغيّرت فيه قوانين العلاقة بين النص والكاتب والقارئ، أصبحت سلطة القارئ أقوى فيه من الكاتب والناشر، أصبحت محددات جودة النص في وسائل التواصل أعداد الإعجاب والتدوير والردود. وهذه المحددات هي محددات أيضاً لمدى انتشار الكتب. إن أول شرطٍ للابتعاد عن السطحية – مع تحفظي على تعميم التهمة – هو النهوض بالقارئ، الاهتمام بالقارئ قبل المؤلف، بكونه الموجّه الأول لبوصلة الإبداع ومستقبله، والمؤلف له دور في هذه المهمة بعدم التعالي على القارئ أو الاستخفاف بذكائه، يستطيع الإمساك بعصا النص من الوسط، وأخذ القارئ معه من السطح أو من أي مستوى إلى العمق، على ألا يشعر القارئ بالملل في هذه الرحلة، وهذه الحيلة الكتابية ليست عيباً، فأمبرتو أيكو – الذي هو في الأصل ناقد أدبي – قدّم في كتابه «اسم الوردة» عملاً ثري الرموز والإحالات بقالب جماهيري مشوق لجميع مستويات القراءة، فاستحق عمله النجاح العالمي.
> دائماً ما يعترك السعوديون على كل شيء. هل هذا مؤشر إيجابي أو سلبي؟
– الجدل مضيعة للوقت والجهد، لكن الحوار الفكري الراقي المحترم لتعددية الآراء هو الذي يحدث أثراً إيجابياً، وهو من طبيعة التطوّر، فكل نهضة شاملة سبقها نظريات فلسفية وحراك ثقافي بين مؤيدين ومعارضين، حتى تمخض عن خليط من الأفكار البناءة التي تشكل منهج حياة ووطن.
> هل تعتقد أن ظواهر الإعلام الجديد مثل «قصة قصيرة جداً» في تويتر، يمكن أن تزيح العمل الأدبي بأدواته الراسخة وشروطه العتيقة؟
– الأدب مثل طائر بري يكره الأقفاص، ومهما حُبس في أي قفص فإنه يهرب إن سنحت له الفرصة. ميزة الأدب في جنوح الخيال، وهذه الجنوح يقوده إلى تحطيم الأدوات والشروط. القصص التويترية مثلاً تماهت مع القالب البنائي المتاح لها، وألجأها هذا التماهي إلى التمرد على أشكال القص التقليدي.
> ماذا أخذ الأدب الجديد من قديمه وماذا أضاف إليه؟
– الأدب الجديد امتداد للقديم، فالأدب كالماء الذي ينزل من جبل ثم يتفرع في أودية وأنهار حتى يصب في المكتبة. وفي كل واد ونهر يأخذ الماء طابع واسم المكان الذي يمر فيه. الذي ينفصل عن قديم الأدب ويكسل عن قراءته سيخسر رافداً مهماً في بناء ملكة إبداعه.

> هل تعتقد أن ظواهر الإعلام الجديد وتطبيقاته ستتلاشى؟ وكيف تفسر هذا الاحتفاء العربي الشعبي بها؟
– قد تتلاشى تطبيقات لكن ستظهر بدلاً منها تطبيقات جديدة، واحتفاء العربي بها احتفاء بإمكان التعبير ولا أقول حريته، فما زالت الحرية مقيدة حتى في وسائل التواصل، إنما وجد العربي آذاناً تستمع لفمه، وعيوناً تقرأ كلماته، فمارس التعبير ضمن القيود المتاحة.
> هل تتصور أن نجاح مؤلفك الأول يعود لقوة المحتوى أكثر، أم كونه ينتمي إلى جماهير الأدب الجديد وكتب بشروطه، أم إلى شعبيتك في الإعلام الجديد؟
– في تجربة الكتاب الأول حاولت استلهام مفهوم الاختصار والبساطة والتنوع من وسائل التواصل، فلم أقدم ديواناً تقليدي التصميم، بل جعلته يتكون من ثلاث تجارب: الأولى وهي الأحدث ما يمكن تسميته «قصيدة البيت الواحد»، والثانية قصائد عمودية وتفعيلة منتقاة من تجربة سنوات في كتابة الشعر، والثالثة تجمع بين عشق تذوق اللوحات والتعبير المركز عنها. هذا في ما يخص الشكل، أما المضمون فلا أستطيع الحكم على نجاحه أو عدمه، فهذا بالأخير قرار القارئ والناقد، وأفردت في الطبعات اللاحقة بعض آراء القراء فيه سواء كانت إشادة أم نقداً حاداً أو جاداً. لأني أرى أن القارئ يصبح جزءاً من الكتاب بعد قراءته، وهو المحرض على التطور والتصحيح.
كتبت يوماً عن «النجوم الرقمية، وإشكالياتها التي تقود إلى إقبال الناس على نصوص كاتب، ليس لجودتها وإنما لذكائه في وسائل التواصل الاجتماعي، بينما في المقابل تموت نصوص إبداعية بسبب عزوف أصحابها عن التواصل اجتماعياً وتسويق أنفسهم ونصوصهم. وأتمنى ألا أكون من النوع الأول، وأن تعيش النصوص وحدها بعيداً عني، فيلاقي جيدها التقدير ورديئها النقد.
> بعد تجاوزك فوبيا الكتاب الأول – كما سميتها مرة – هل سنقرأ لك كتباً جديدة في المستقبل القريب؟
– حالياً أعكف على كتابة رواية، وهي تجربة أخرى ستضاف إلى تجارب الحياة والكتابة.
> تنقلت كاتباً سياسياً لصحف مختلفة. وأنت المحسوب على الأدب، هل أصبحت السياسة لازمة كتابية في ظل هذا المحيط المتعاظم من أحداث المنطقة؟
– كتبت في السياسة فقط في صحيفة الشرق الأوسط ومجلة المجلة. وأرى أن هناك تداخلاً بين الفكر والثقافة والسياسة والاجتماع، فهي تؤثر وتتأثر بعضها، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط التي تفرض أحداثها على سكانها الاطلاع الدائم على مجريات حاضرهم وتوقعات مستقبلهم. في فترة الكتابة تلك كنت أفضل دائماً قراءة ودرس أنظمة وأدبيات أي جهة أكتب عنها، كما حصل مثلاً عندما كتبت سلسلة مقالات عن الإخوان وعن إيران، لأن الكاتب مثل القاضي إذا أراد أن يكتب عن أمر، فعليه سماع كل الأطراف، حتى يكون ملماً بموضوعه، وساعياً للإنصاف والحقيقة قدر ما يستطيع. هذه الحصيلة المعرفية من القراءة السياسية والاجتماعية رافد مهم لأي عمل أدبي، خصوصاً في العمل الروائي الذي هو عالم مصغّر.
> كانت لك تجربة مع الابتعاث، يعيش آلاف من الشباب السعودي ضمن برنامج الابتعاث، هل سيخلق هذا جيلاً مختلفاً في السعودية؟ وماذا عن أثرهم الثقافي وهم يعيشون في ظل مجتمعات مختلفة؟
– في أحد الإحصاءات وصل عدد المبتعثين والمبتعثات إلى ١٥٠ ألفاً موزعين في أكثر من ٣٠ دولة. هذا العدد الكبير الذي يقارب سكان دولة كاملة كافٍ لإحداث تغيير ثقافي تشمل دائرة تأثيره كل المجتمع، وهذا التنوع في أماكن الابتعاث أتاح الفرصة للنهل من ثقافات مختلفة وحضارات متعددة، ما سينتِج مزيجاً فريداً يسرّع في عمليات التطور الحضاري الثقافي.
> التقيت أحمد مطر الذي تحول إلى شبح لشدة غيابه وشيوع قصائده، ماذا بقي في نفسك من لقائه ولم تكتبه حينها؟
– اللقاء ساعدني في التعرف على أحمد مطر الإنسان بعد التعرف على أحمد مطر الشاعر، فوجدته مثل قصيدته في الإباء والشموخ والكرامة، وعكس قصيدته في وداعته في مقابل حدتها، وهدوئه في مقابل صرخاتها، وأدبه الجم في مقابل سخريتها اللاذعة. وأحمد مطر ليس غائباً لأن الشاعر حاضر بحضور قصائده، وبالبحث عن اسمه تجده حاضراً في وسائل التواصل الاجتماعي أكثر من غيره الحاضرين إعلامياً. زهده في الإعلام والظهور الاجتماعي خيار شخصي اختار مثله أدباء عالميون شعراء وروائيون فضلوا العيش بعيداً عن الضوء والخيبات والنفاق ليعيشوا في أمن وسلام مع كلماتهم بعيداً عن تقلبات الناس وضغوطهم.

 

المصدر: الحياة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى