معارض فنية في الشارقة تحاكي مشاكل الفرد والمدينة

الجسرة الثقافية الالكترونية

 

محمد غندور

تستضيف الشارقة ثلاث تجارب فنية متنوعة في بيت السركال التراثي، من تنظيم مؤسسة الشارقة للفنون، وتستمر حتى حزيران (يونيو) المقبل. واللافت في المعارض الفنية، مناقشتها أفكاراً سياسية واجتماعية، والعلاقة مع المدينة والآخر فيها ومع السلطة، مع اختلاف في الأدوات الفنية المستعملة، من تركيب وتجهيز فني ونحت وصور فوتوغرافية وأعمال فيديو.
يتابع المعرض الاستعادي، تطور ممارسات الفنانة الإيرانية الراحلة فريدة لاشاي، منذ ستينات القرن العشرين، وحتى القرن الواحد والعشرين، والتي تنعكس على تطور أفكارها وأشكالها التعبيرية في تناغم مع تطور العصر من حولها.
ويضم المعرض رسوماً زيتية ومنحوتات وأعمال تركيبية ولقطات ورسوماً متحركة ثابتة انتجت على مدار مسيرة فنية امتدت لأكثر من خمسة عقود. وغالباً ما تستند أعمال لاشاي إلى الرموز الفنية والأدبية والسينمائية، فيما تتشابك مع الظروف السياسية والاجتماعية في إيران. كما يمتد تأثير مسقط رأسها لسنوات طويلة في أعمالها، وكذلك انكشافها منذ سن مبكرة على الشعور العميق بالظلم.
ويضم المعرض المقدم في بيت السركال التراثي، تشكيلة كبيرة من اللوحات على القماش والورق، ومنها «سلسلة الرمان»، «سلسلة الأشجار»، و»سلسلة مصدق». إضافة إلى مزهريات لاشاي الكريستالية، والتي حفرت على بعضها رسومات دقيقة لأشجار السرو، صممتها وحفرتها خلال فترة وجودها في استوديوات ريدل في النمسا.
ركزت لاشاي في السنوات الأخيرة، ممارساتها بنحو متزايد على استكشاف تركيبات الرسوم والرسوم المتحركة، متوقعة استكشافات سطح وعمق موضوعات تبدو مهمة للحظتنا المعاصرة. ويتم عرض عدد من هذه الأعمال في الشارقة ومنها «مدخل لأليس في بلاد العجائب» الذي يقدم «أرانبها الضعيفة» الشهيرة المستوحاة من وصف أخيها للناس، أثناء عمليات قصف طهران في الحرب العراقية الإيرانية، «وعندما أحسب، لا يوجد سواك… ولكن عندما أنظر، لا أجد سوى الظل»، والذي انطلق استناداً إلى سلسلة رسوم «كوارث الحرب» لفرانسيسكو غويا (1810 – 1820).
ويُعرض العمل «طغيان الخريف، ليس بإمكان كل شجرة أن تتحمل» في ساحة بيت السركال للمرة الأولى منذ عرضه في معرض «حدائق إيران: الحكمة القديمة، الحكمة الجديدة» في متحف طهران للفن المعاصر. وفي هذا العمل تستخدم الأسلاك المتشابكة لصنع أربع أشكال أسطوانية، معلقة بداخلها لوحات صغيرة لأوراق شجر السرو مصنوعة من زجاج بلكسي. وتشير الأشجار الأربعة إلى تصميم الحديقة الفارسية التقليدية. وتعتبر فريدة لاشاي فنانة متعددة المجالات، فقد أبدعت في الرسم والنحت والتركيب والرسوم المتحركة والثابتة، وكتلميذة للأدب الألماني في جامعة فرانكفورت، استكملت ممارساتها للفن البصري عبر عملها ككاتبة ومترجمة، مركزة في شكل أساس على عمل الكاتب المسرحي الألماني برشت.
ثاني المعارض، الموجود في المباني الفنية لمؤسسة الشارقة للفنون، يضم آخر أعمال الفنانة السورية سيمون فتّال والتي تشمل المنحوتات، وأعمالاً غير تشخيصية من السيراميك، إضافة إلى الأعمال التي تركز على التكوينات النصية، الكولاج واللوحات الفنية.
ووضعت فتّال نفسها في سلسلة متصلة من الصور المترابطة، السير التاريخية والعواقب التي تشعر بوجودها في قرارة نفسها وبالتالي في عملها.
وتلاحق لوحاتها الفنية تفاوت الألوان ومرور الزمن، وهو ما يظهر في اللوحات التي تستكشف جبل صنين في بيروت، مصورة تناغم اللونين الأبيض والوردي خلال وبعد غروب الشمس.
ويضم المعرض مجموعة مختارة من أعمال فتّال التي تعتمد على إدراج النصوص من مصادر مختلفة، ومن ضمنها أعمال الكتاب الصوفيين، وآيات من القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف والملاحم الأثرية، التي تستنبط منها الشخصيات الأسطورية المشار إليها في عملها الفني.
«المحارب» هما عملان نحتيان لفتال موجودان في الساحة الخارجية، تحت عنوان «ذات الهمة» و «عبدالواهب» (2006)، يمثلان الأشخاص الذين يقاسون الحرب باستمرار ويكافحون بجدارة، وهما أيضاً مؤشر على الاهتمام الفائق للفنانة بالأوضاع الاجتماعية – السياسية في الشرق الأوسط، ولا سيما خلال الأوقات التي تشير إليها الفنانة باسم «انطلاق الثورات».
وفي المعرض الثالث «شمسان في المغيب» للفنانين اللبنانيين جوانا حاجي توما وخليل جريج استطاع الجمهور أن يستشف استنادهما إلى سياق بيروت والأحداث القريبة من حياتهما الشخصية. وتعكس أعمال الفنانين المخرجين، تحقيقهما المستمر للتـــشبــيـهات والصــور والتاريخ. وبالاعتماد المحوري على البحث في ممارساتهما، فان كل مشروع يبدأ بفكرة تنمو وتتطور من خلال ما يواجهه الفنان في مسيرته من مواد. يتم إعادة إحياء قصص وصور من الماضي في الحاضر لخلف سرديات أدائية ذات نهايات مفتوحة.
والمعرض الرئيس مختارات واسعة من أعمال الفنانين التي أنجزت منذ أواخر التسعينات وحتى يومنا. كما عرض فيديو تم تكليف الفنانين بهما لهذا المعرض وهما: «في ذكرى الضوء»، و»اسميرنا»، إضافة إلى أعمال كلفا بها أو أنتجت لبيناليات الشارقة السابقة – «وجوه» (2009)، «ألبوم صور الرئيس» (2011) ومجسم «صاروخ أرز 4: إعادة إنشاء» (2011)، وأعمال ورقية، وصور فوتوغرافية، ومنحوتات، وأعمال تجهيز وصوتية، من ضمنها العمل التركيبي الكبير الجديد «إشاعة العالم» (2014) ومشاريع مثل «دائرة الالتباس» (1997 – 2014) و«بطاقات بريدية من الحرب» (1997 – 2006).
ويتكون مشروع «دائرة الالتباس» من صورة فوتوغرافية جوية لبيروت مكونة من 3000 قطعة فوتوغرافية، خلف كل قطعة مرقّمة كتبت عبارة «بيروت غير موجودة». يدعى الزوار لاختيار قطعة من الصورة وإزالتها، وفيما تتم إزالة القطع تدريجياً، تظهر مرآة كامنة خلف الصورة، بحيث تعكس صورة المشاهد وما يحيط بالعمل التجهيزي. ويحيل العنوان دائرة الالتباس على اصطلاح تقني يتعلق بقدرة الكاميرا على التمييز بين نقطة وأخرى في صورة ذات مواصفات معينة.
يجسد العمل التجهيزي قراءة للمدينة في غمار حركة دائمة وتحوّل، وكموقع لإنتاج المعاني والخيالات المتعددة. كما يشير إلى استحالة استيعاب بيروت التي ترفض التعريف.

 

المصدر: الحياة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى