«جمالي في الصور» لميسون صقر القاسمي: الذاتي والجمعي في ديوانها الجديد

الجسرة الثقافية الالكترونية

هاشم شفيق

لمسيون صقر القاسمي طلة شعرية مباغتة، تقع بين مسافات متباعدة إلى حد ما ، لكن حين يصدر أي جديد لها تجد المسافات وقد تلاشت، ليظهر الاتصال الجمالي والفني والتعبيري، مستمرّاً في تتويج هذا الصوت الخليجي، كي يبقى محتلاً مكانته الرائدة بين أصوات النساء الشواعر في دول الخليج العربي .
ولو نظرنا أبعد من هذا التوصيف لوجدنا أن تجربة ميسون صقر قد أمست ضمن التجارب الشعرية العربية التي ظهرت في سياق التجديد الشعري في عالمنا العربي، وأعني الجيل الأحدث الذي أحدث تحوّلات في مفاهيم القصيدة العربية الحديثة .
ديوانها الجديد « جمالي في الصور « دار العين ـ القاهرة ، يقدّم صورة متحوّلة عن صور أعمالها لسابقة، إنها صورة جديدة ومختلفة عما أصدرته من قبله من قصائد ضمتها دواوين سابقة .
يضم ديوانها الجديد ستة فصول، لكل فصل عنوان يشي بملامح الفصل ومحتواه. وهو ديوان جامع، لما تراكم لدى ميسون من أشعار بعد ديوانيها « رجل مجنون لا يُحبّني» و « أرملة قاطع طريق».
ما يلفت في هذا الديوان من جديد هو زوايا التناول المختلفة والعديدة للموضوع الشعري، إن صحت التسمية، فهناك الذاتي، والجمعي، وهناك البنى الرؤيوية العرفانية، والصور البلاغية والمعالجات الفنتازية للموضوع الشعري. وثمة فلذات وخُزع وفصوص شذرية انتزعت من جسد القصيدة، لتوضّح المغزى والمرام للقصيدة، وتعطي في المآل اللمحة السيميائية للنص .
من هنا تستحضر ميسون صقر الرؤية الجمعية في بعض مواضع ديوانها، لا سيّما حين تتناول مفهوم الثورة المصرية وحضورها واندفاع شبابها لتلوين الحياة الجديدة، وتكريس ظاهرة التنوير والتثوير وتحدي الثابت بإرادتهم الصلبة وهي تُفجّر ينابيع التغيير والتجديد
لصنع حلم المرحلة المختلفة والحديثة، كتعبيرها في قصيدة « أيتها الأيام : « اللافتات تشبه الحياة / الغناء هنا يدور حول الميدان /أيتها الايامُ مرّي من هنا /اطبعي على الذكرى نكهة الرفض واسكني طريق الثائرين» .
كأن ميسون بهذا تقول إنني كنت هناك، أراقب الصفوف وهي تتقدم في الحلم، تتقدّم في المستنير الذي طال انتظاره، في الرؤيا الجريحة التي انهكها الفساد والتلاعب بالمسلّمات العربية، وبهذا هي تعلن الرفض كشاعرة ديدنها التقدّم ونشدان عوالم التنوير والتحوّلات العَمَلانية والجمالية الملموسة في أرض الثورة، وفي ميدانها، تلك التحوّلات التي حملتْ الرايات لنشر الضوء النابع من الكائن المتحدّي والمغامر الجديد. لذا نجد هذا الحالم والمغامر والمتحدي بكل حلمه وعنفوانه، يسعى إلى غد لا يسوسه التفرّد بالقانون وتحجيم الحريات وقتل الرغاب داخل الإنسان العربي المتواضع والبسيط : « ما لم ننجزه يفجّره الغضبُ / ما ننساه يعود إلينا …. تنفتح المساراتُ/ حين يدور الميدانُ بدوائر تلو دوائرَمن الثُّوار » .
فالتحوّلات الواقعية والتي كانت جزءاً من المتخيَّل، هذه التي تتحدّث عنها ميسون في صور بلاغية موحية، تتأتى من روح الشاعر، الشاعر المتمرد، ذلك الشاعر الحالم بالثورات حيثما كانت، ذلك أنها ستُحدِث الخلخلة وتحرّك الراسخ والأبدي والمُقرّر من أعوان اليد الطولى: «تشتعل الثورات، تتكرّرُ، كلّ في مكانها، نقفُ / نصطفّ لها / في كلِّ ميدان شعبٌ يناديها : تعالي هنا يا ثورة، تعالي هنا..»
من قصيدة « أصمت وأنظرُ».
لكنها في السياق الآخر وهي تتحدّث عن المأزق الوجودي للإنسان فهي تطرح مثل أي مفكر وشاعر يستشرف البواطن والأعماق البشرية، تطرح أسئلة الوجود والحضور الأنطولوجي للكائن، متوغلة في رؤاها العرفانية، مفتتحة فصل « العابرون إلى الرؤية » بتشذير متسائل وفلسفي «وجودنا مُلغَزٌ أم أننا نتوّهمُ».
وفي تشذيرة أخرى تتساءل خارج حدود اليقين، وكمتورّطة في الشك الديكارتي : « هل الكون مفسّر من دوننا ؟».
وفي قصيدة تقع خارج حدود الفلذّة والفتافيت الشذرية، ولكنها تمتح من الأفق النوراني ذاته، السابح فيه الإنسان، تقول في قصيدة « كعبارة عميقة» : « كملاك ابيضَ السَّريرة / كملاك صغير ضالٍّ في البريّة، أتحرّقُ لمعنىً / لا تتعقّبه الشرورُ / ألمسُ الأشياءَ / أسكنُ الأماكنَ / أستنشقها كعبارة عميقة منها / تتكوّنُ غريزة البقاء والشَّهواتِ ولا تتوقّف عند خلق الإنسان» .
بعد هذا تختم القصيدة بخزعة نورانية تكمل مضانّ القصيدة وربما تفسّرها عبر النسيج الشبكي للدوال التي تتحكم بمسار الديوان وأنسقته، وخصوصاً الناحية منحىً صوفياً متفكراً وفيه امتثال إلى الرؤيا : « اشتغال بالخفي من البواطن/ أم ماذا …؟.

 

المصدر: القدس العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى