تقارب قصة الأسير وليد دقة وخطيبته وفاء تعرض في سويسرا

الجسرة الثقافية الالكترونية

 

ادريس الجاي

في إطار حملة التضامن مع مسرح الميدان في حيفا، الذي يتعرض لضغوط من قبل سلطة الاحتلال الإسرائيلي، نقل مسرح المسلخ في العاصمة السويسرية برن تجربة «الميدان»، ليقدم فريقه 4 عروض من 3 إلى 6 من الشهرالجاري.
المسرحية التي ستعرض بعنوان: «الزمن الموازي» عرضت مرات عدّة في الأراضي المحتلة، ولم تثر اعتراض أحد، إلا حين قدمت مع ترجمة عبرية. حينها منع الاحتلال عرضها. في المسرحية يزج بنا كاتب النص ومخرجه بشار مرقص، في عتمة ردهات السجون الإسرائيلية وزنزاناتها. تحملنا أجواء العمل إلى عالم لا يفرق بين ليل أو نهار، ودروب من متاهة السرد المستند لأحداث زمن غير محدد، لكنه حاضر في الذاكرة.
يأخذنا إلى عالم ظاهره يموج بالمرح والخلافات الحميمية، بالفرح والأحلام المؤجلة، في ظل يوميات الحزن العادي، لكن باطنه يقدم واقعا مثخنا بجراح عميقة.
وديع، السجين الأزلي، المتهم باختطاف جندي إسرائيلي وقتله، (أحداث مستوحاة من قضية السجين الفلسطيني وليد دقة) قضى ثلاثين عاما في السجون الإسرائيلية. بعد كفاح طويل وإصرار، استطاعت خطيبته الصحافية فداء بمساعدة محامية القضية، انتزاع حقهما في الزواج، لكن حقهما في إنجاب طفل ظل مجهوضا بدعوى أن كل مولود من أسير هو «مشروع إرهابي». فتحقق حق الزواج ودخول السجين الجديد مراد، وهو عازف وملحن احدثا تحولا في مسار المسرحية وفجرا فورة من المواقف الإنسانية في تلك الظروف غير الإنسانية. التفكير في خلق أجواء احتفالية تتحدى السجن والسجان وتتحدى تثبيط معنويات السجين.
في هذا السعي الجاد المحموم من أجل التحايل على شروط الواقع الصعب والتفكير جديا في صنع آلة العود من طاولات النرد، ليعزف عليها مراد في عرس وديع وفداء، تبرز مواقف تختلف من حيث تصورات أشخاص المسرحية، ففؤاد مع كل مرحه ومحاولاته تحويل كل موقف إلى نكتة، تعتريه لحظات ضعف إنساني، فيرفض المحاولات الجديدة، لأنه لا يرى فيها نفعا. لا يريد غير أن يحيي يوميات سجن عادية: «كل مرة بتطلعولنا بفيلم جديد، وعالفاضي، خلص ياخي.. أنا بدي أمشّي هالاكم سنة عالخفيف.. بديش إشي.. بدي آكل أدخن وأنام .. وأشخ واللعب بحمامتي، فكوني من هالقصص، الواحد مش عارف على أنو خزق بدو يقعد». مع هذا يلعب دورا أساسيا في توفير خشب طاولات النرد من أجل صنع آلة العود. لأنه من خلال عمله في توزيع الأكل على السجناء تجمعت لديه خبرة في التعامل مع حراس السجن ومعرفة طبائعهم البشرية. صالح، رغم قضائه عشر سنوات من عمره في السجن، فهو نشيط، حيوي، مرح متفائل. يجسد ذلك الأمل المتواصل، الذي لا يعرف الكلل: «إذا بزهق بموت».
رامي، الطفل الذي اعتقل وعمره أربع عشرة سنة. يخجل من أنه لا يكتب ولا يقرأ، غير أنه كان مهيأ للسجن من طرف أمه: «أنا بنفس السجن اللي كنتي فيو أنت. وبعرف قديش صعبة الطريق، بتذكر لما كنا نيجي نزورك، وأكيد إذا بالسقعة الطلعة من البلد أصعب وعالاغلب يمنعوكي تفوتي». ثم هناك فداء، التي هي همزة وصل بين حياة خطيبها وديع داخل السجن والعالم الخارجي. إنها الحضور، الذي من خلاله نرى ونسمع ما يحصل خارج هذا الفضاء المعلب: «أمك منيحة وديع، صارت كبيرة.. السنين عم تركض، الزيارة الجاية، أكيد رح تكون».
بين هذه الشخوص المتداخلة المعالم، يقف السجان الإسرائيلي رقيبا على كل الأنفاس. يزعجه تحقيق أي خطوة تبعث الأمل في نفوس السجناء، خاصة منهم وديع: «فاهم إنها مش عم تتجوزك لحالك أنت، عم تتجوز معك قضية كاملة. عم تربطها بحكم مرق منو بس التلت، عشر سنين، وبعد في عشرين سنة. عارف شو يعني عشرين سنة؟».
حاول العمل تجسيد ذلك التحدي اليومي المتواصل بين السجين والسجان. من خلال أنواع من التعذيب النفسي، الذي يمارسه. «عم تطلب منها تستناك برا كمان عشرين سنة، ليش؟ هاي أنانية، مش حب… قديش عمرها هي اليوم 29 ثلاثين، بعد عشرين سنه قديش راح يكون عمرها خمسين؟»، أو التعذيب الجسدي، في صورة صلب الجسد.
يتداخل وجود هذه الشخوص في ما بينها، بحيث لا يمكن أحيانا التفريق بين معالمها، فقد حاول بشار مرقص، كما أكد على ذلك أكثر من مرة، سواء من خلال الحوار مع الجمهور بعد عرض الافتتاح، أو من خلال تصريحاته للصحافة، تجريد شخصياته من أسطورة الأبطال.
جنح بشار إلى توزيع الفضاء بين الزنزانات ومكان الزيارات والعالم الخارجي، الذي هو مساحات تبادل الرسائل بين وديع وفداء، وبين الضوء الأزرق والبرتقالي الفاتح كتعبير عن تعاقب الليل والنهار. فهذه المساحة، التي تضم أربع أسرة لخمسة أشخاص وزنزانات موالية هي مسرح الأحداث.
السرعة في إيقاع المسرحية، توحي بنوع من الزج والتخلص من عدد من المعلومات والوقائع، التي جمعها مرقص، من خلال بحث في أوضاع السجناء الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية وعلى رأسهم وليد دقة. انعكس هذا ليس على الأحداث وحدها ولكن أيضا على الشخوص.

 

المصدر: القدس العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى