معرض غادة زغبي.. يوميات باردة

الجسرة الثقافية الالكترونية

 

محمد شرف

في كثير من الأحيان، وحين يتعلّق الأمر بمنتجات الفن الحديث، قد يجد المشاهد صعوبة في نسبة العمل إلى هذه الفئة أو تلك من الأنواع الفنيّة، أو بشكل أكثر تحديداً إلى تيار أو مدرسة فنية محدّدة، وذلك لكون بعض أشكال الفن المعاصر صارت تسعى إلى مزج المؤثرات المختلفة، ومحاولة التوليف بينها، بحسب أفكار ورؤى متنوّعة، في عمل تشكيلي واحد.
هذا السؤال الإشكالي لن يكون طرحه واجباً حيال أعمال غادة زغبي، المعلّقة في غاليري «آرت سبايس ـ حمرا»، ضمن المعرض الذي سمّته صاحبته «أنظمة الشخصي». قد لا تكون التسمية على قدر وافٍ من الوضوح، لكونها جاءت، ربما، كترجمة حرفية للعبارة الواردة باللغة الإنكليزية، لكن محتوى المعرض ينمّ عن أفكار واضحة ولا لبس فيها. شاءت غادة زغبي أن ترى العالم من خلال ذاتها «انطلاقاً من مدركاتنا العديدة للإشياء المحيطة بنا، ومنها إلى ما هو أبعد»، كما تقول، مضيفة أن الصورة المرتدّة إلينا من محيطنا قد لا تتشكّل، ربما، من الخارج، بل هي نتيجة تفاعل بين موروثات المجتمع التقليدية من جهة، وبين شخصيتنا الذاتية من جهة أخرى.
هذه النظرة الذاتية لدى زغبي، الأقرب إلى النمط الفلسفي، انعكست في أعمالها صوراً من الواقع، الشخصي في طبيعة الحال، وضمن أسلوب واقعي لا جدال حوله. لهذا، ذكرنا أعلاه أن إشكالية نسبة العمل الفني إلى هذه الفئة أو تلك لا يبدو واجباً في حالة الفنانة. فموضوعات الأعمال المعروضة تتمحور كلها حول حاجيات بيتية نستعملها يومياً، بدءاً من الثياب، مروراً بالكتب، وصولاً إلى مجموعة من الإكسسوارات الضروري منها، أو ذي الطابع الكمالي. تبدو غادة زغبي، في أعمالها هذه، وكأنها تشرّع أبوابها الذاتية من أجل عرض عالمها البيتي على الملأ: ثياب مكدّسة فوق بعضها بعضاً في خزانة، وتعلوها رفوف تختزن ألعاباً يبدو أنها لم تعد قيد الاستعمال، بمعنى افتقادها إلى إمكان التسلّي بها في أوقات معيّنة، ثياب أخرى معلّقة، أكوام من الأقمشة يبدو أنها لم تتعرّض لعملية تنظيم منذ وقت طويل، علب كرتونية لا مجال لوضعها بالشكل الصحيح، بعدما تداخلت فتحاتها وحروفها مع علب أخرى، إلى ما هناك من أغراض بيتية يمكن المشاهد التعرّف عليها من دون جهد.

عالم داخلي
هو، إذاً، عالم ذاتي كان «محشوراً» في أمكنة مغلقة لفترات متفاوتة في مداها الزمني، وشاءت الفنانة أن تُريها للكل، كمن شاء أن يسقط الحواجز القائمة بين العالم الذاتي والآخر الموضوعي. لكن الناحية الواقعية هنا، أكان في نوعية الأغراض ووظائفها، أم في تصويرها التشكيلي، ليس سوى الحجة الظاهرة التي شاءت الفنانة أن تتساءل من خلالها: «ماذا فعلت؟، وها أنا أبدأ رحلة البحث في عمق الذات، حيث الخفاء، لأن المخفيّ هو الأصدق، والصامت هو الأقوى»، آملة، من خلال ذلك، إيجاد سبب النقص الحاصل في إنسانية الكائن. ولا يُخفَى على المشاهد أن غادة زغبي عرفت كيف تصوّر هذا العالم الداخلي، ولو من خلال حاجيات عادية، لكنها ليست، في نهاية المطاف، سوى عناصر رمزية أكثر منها أشياء قابلة للاستهلاك، قد نعمد إلى التخلّص منها ذات يوم، أو نتقصّد الحفاظ على بعضها كجزء من ذكريات الماضي، مع ما يحمله كل غرض من فتات تلك الذكريات الآفلة.
في ما يختص بالناحية التشكيلية، الاحترافية، لا بدّ من التنويه بإمكانات الفنانة في هذا المجال، إذ عرفت كيف تعكس أفكارها وعالمها المذكور، أكان في طريقة بناء اللوحة، أم في كيفية التعامل مع اللون. إذ لجأت إلى اعتماد خلفيات باردة، كامدة، من أجل تبيان عناصر المتن الأساسية، ما يجعل من مردود بعض الأعمال أقرب إلى تقنية الخداع البصري، علماً أن غادة الزغبي لم تشأ خداع أعيننا، بقدر ما أرادت إبهارها بما تُحسنه في الحيز التقني التشكيلي.

المصدر: السفير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى