أبو القاسم الشابي تنبأ بثورات الربيع العربي

الجسرة الثقافية الالكترونية

في كتابه نداء الحياة، يعرض د. محمد لطفي اليوسفي لمختارات شعرية من شعر الشاعر التونسي الراحل أبي القاسم الشابي، كما يعرض في الجزء الثاني من الكتاب لموضوع الخيال الشعري عند العرب.

والشاعر التونسي أبو القاسم الشابي الملقب بشاعر الخضراء، ولد بقرية الشابية في ولاية توزر بتونس في 24 فبراير/شباط سنة 1909م، وتوفي في 9 أكتوبر/تشرين الأول 1934م ومن خلال الظروف التي نشأ فيها الشاعر، يعرض المؤلف إلى ما خطه أبو القاسم في مذكرة من مذكراته التي استعان بها في كتابه، حيث كتب الشاعر التونسي الراحل “هل يأتي ذلك اليوم الذي تعانق فيه أحلامي قلوب البشر، فترتل أغاني أرواح القلوب المستيقظة، وتدرك حنين قلبي وأشواقه آمنة مفكرة سيخلقها المستقبل البعيد؟ هكذا كتب أبو القاسم الشابي في مذكراته بتاريخ يناير 1930، حتما لم يكن الشابي يدري وهو يخط هذه الأسطر أن أمنيته ستتحقق في يناير/كانون الثاني 2011، فخلال هذا الشهر وقبله بدأت حناجر الشباب في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا ترفع الصوت عاليا مترنمة بأغنيته الشهيرة:

إذا الشعب يوما أراد الحياة… فلا بد أن يستجيب القدر

ولا بد لليل أن ينجلي… ولا بد للقيد أن ينكسر

ويرى د. اليوسفي أن هناك إضاءتان لا بد من إلقاء الضوء عليهما، مثل التطرق لمختارات الشاعر الشابي، أول إضاءة هي الموت، فأبو القاسم الذي مات في سن مبكرة كان كأنه يشعر أن الشعر يدهمه، لذلك فقد كان مدفوعا لكتابة الشعر كأنه يسابق الموت، لذلك فالمؤلف يعبر عن هذه الحالة لدى أبي القاسم بقوله: “كان الشعر يدهمه ويحول كما قال إلى شعلة تتقد بين البشر”، وبالشعر كان الشابي يواجه عدمه ويهرب من موته.

ويعيد المؤلف طرح السؤال مرة أخرى: “هل كان الشابي يعرف أن الشعر يمضي به قدما إلى حتفه؟ أم أنه اختار أن يمضي مع الإيقاع حتى حتفه؟ فعند مطلع الفجر.. فجر التاسع من شهر أكتوبر/تشرين الأول سنة 1934 على الساعة الرابعة بالضبط.. في ذلك الفجر، لا بد أن تكون هناك شجرة صفصاف ارتجفت من هول ما جرى، أبو القاسم الشاعر الشابي شاعر الحياة، سقط في عتمة الموت”.

ومن المختارات التي اختارها المؤلف لتعبر عن شعر أبي القاسم الشابي:

ألا أيها الظالم المستبد… حبيب الظلام عدو الحياة

سخرت بأنات شعب ضعيف… وكفك مخضوبة من دماه

وفي قصيدة إلى الله يقول:

يا إله الوجود هذه جراح … في فؤادي تشكو إليك الدواهي

هذه زفرة يصعدها إليهم … إلى سمع الفضاء الساهي

وفي الجزء الثاني من الكتاب يتطرق المؤلف إلى الخيال الشعري عن العرب، فيقول: “لي رأي في الخيال لا أدري، هل تشاطرونني الإيمان بصحته؟ أم تؤمنون ببطلانه؟ هذا الرأي ينحصر في نقط ثلاث: النقطة الأولى: هي أن الخيال ضروري لإنسان لا بد منه ولأغنية عنه. والثانية: هي أن الإنسان الأول حينما كان يستعمل الخيال في جمله وتراكيبه لم يكن يفهم منه هامة المعاني الثانوية التي نفهمها منه نحن ونسميها (المجاز)، ولكنه كان يستعمله وهو على ثقة تامة في أنه قال كلاما حقيقيا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

أما النقطة الثالثة: هي أن الخيال ينقسم إلى قسمين: قسم اتخذه الإنسان ليتفهم به مظاهر الكون وتعابير الحياة، وقسم اتخذه لإظهار ما في نفسه من معنى”.

ويضيف: لا أريد أن أعرض للخيال من وجهته الصناعية، لا من هذه الناحية ولا من تلك؛ لأن لمثل هذه المباحث هواتها، وأنا لست منهم – والحمد لله – ولأن كلا من هاتين الناحيتين جامد وجاف في نظري لا أغنية فيه ولا جمال، ونفسي لا تطمئن إلى مثل هذه المباحث الجافة، إنما أريد أن أبحث في الخيال من ذلك الجنب الذي يتكشف عن نهر الإنسانية الجميل الذي أوله لا نهاية الإنسان وهي الروح، وآخره لا نهاية الحياة، وهي الله، أريد أن أبحث في الخيال عند العرب من ذلك الجانب الذي تتدفق فيه أمواج الزمن بعزم وشدة، وتنهزم فيه رياح الوجود.

وعن الخيال الشعري والطبيعة في رأي الأدب العربي، يقول المؤلف: الجمال هو الذي أنطق شعراء الوجود بتلك الأناشيد الخالدة المتغنية بجلال الكون ومجد الحياة، ولولا هذا المجال المنبث في مظاهر الكون وطواياه لاتخذت الإنسانية سبيلا آخر غير هذا الذي تعرفه، ويحرم العالم من ثمار خالدة أنتجتها العقول.

ووفقا للمؤلف، فقد ظل الأدب العربي حتى أظل العصر العباسي حياة العرب، فكانت عادات وأخلاق وطباع، غير ما ألف العرب من طباع وأمزجة، وكان أن اصطبغت الحياة الإسلامية بصبغة قوية مشتركة من حضارات عتيدة متباينة، تكونت منها حضارة جديدة مهلهلة ناعمة تجمع كل ما عرف الفرس والروم والإسلام من نكر وطبع ودين، فكان لهذا كله أثر غير يسير على النزعة العربية الجافية، وكان أن أتقن اللغة العربية كثير من الفرس والروم، ونظموا فيها الشعر بأمزجة غير الأمزجة العربية، وأذواق غريبة عن طبائع العرب، وكان أن سكن نبغاء شعراء العرب العواصم والمدن، واستبدلوا بشظف العيش وعنجهيتهم البداوة ونضارة الحضر ورقة المدينة، وفي هذا الوسط المترف شب ذلك الفن الذي يتغنى بسحر الطبيعة في مختلف المظاهر وشتى الأوان، فأصبحنا نسمع من الأدب أصواتا لم تألفها أسماعنا من قبل فيها رقة وعذوبة، وفيها طلاوة وحلاوة أصبحنا نسمع أبا تمام يقول:

ألم تر تغليس الربيع المبكر… وما حاك من وشى الرياض المنشر

وسرعان ما ولى الشتاء ولم يقف… تسلل شخص الخائف المتنكر.

 

المصدر: ميدل ايست اونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى