الفيلم الأمريكي «الزيارة» للمخرج مانوج نايت شاياملان

الجسرة الثقافية الالكترونية

عبد الله الساورة

فيلم «الزيارة « ليس فيلم رعب أمريكي فقط، بل هو أبعد من ذلك.. فهو كتابة عن الوعي الباطن للمجتمع الأمريكي، في تعايشه مع الخوف والقلق اليومي والحياتي والأمراض النفسية. حكاية الفيلم بسيطة.. تبتدئ بالفرح وتنتهي بالفرح وفي عمق الأحداث نكتشف سيناريو آخر غير متوقع.
يضعنا المخرج ذو الأصول الهندية مانوج نايت شاياملان أمام طرح أكبر في معالجة للمجتمع الأمريكي، حينما يتسرب الخوف إلى النفوس ويصبح الهلع هو المتحكم في القوالب الاجتماعية. في رحلة سفر قصيرة لطفلين، هما ريبيكا وأخوها تايلر، اللذان أرسلتهما والدتهما باولا لزيارة جديهما، تنقشع حكاية أخرى.
كل شيء يبدو سارا ورائعا: حفاوة الاستقبال في محطة القطار من طرف جديهما وزخات الثلوج البيضاء المتساقطة، توحي بالصفاء والطمأنية، في بيت منعزل محاط بسياج وتوالي سقوط الثلوج، تبدأ الحكاية في التبلور وتبدأ القوانين في التبلور أيضا في البيت الجديد للجد: النوم ابتداء من الساعة التاسعة بالنسبة للطفلين وعدم النزول إلى أسفل المنزل، لكن الطفلة ريبيكا بحب المغامرة المغروس فيها تجد نفسها تتسلل رويدا رويدا، وتكتشف أن جدتها مصابة بحالة من الصرع والجد بالزهايمر.
تتوالد الأسئلة ويلوح الماضي بظلاله البعيدة، علاقة الأم باولا المتوترة مع أبويها وزوجها الذي تتركه بعد مدة بسيطة من زواجها وترحل، والذي يظهر في الصور كشبح يحضر بعدما يحل الظلام.
يستعمل المخرج تقنيات أفلام الخوف، والأجواء المرعبة، ارتطام النوافد والأبواب، أدراج المنزل السفلية المظلمة، الصراخ، التهيؤات والريح التي تعوي بشدة وتساقط الأمطار والثلوج وموسيقى تصويرية تعكس النفسيات المرتعبة والجارة الغريبة التي تحضر في أكثر من مظهر.
تقنيات نجح المخرج، الذي يصفه النقاد في أمريكا بأنه سيكون خليفة للمخرج العالمي ستيفن سبيلبيرغ، في إحاطة القصة الاجتماعية بلون الرعب الذي يعيش فيه المواطن الأمريكي، حيث تنعدم الثقة داخل الأسرة الواحدة ويحوم الشك كسؤال إشكالي عن الحقيقة بكل الماضي البعيد بتعقيداته، في هروب الابنة باولا من منزل الأبوين.
تتعقد الحكاية وينقلب السيناريو رأسا على عقب، حينما تكتشف الطفلة أن من كانت تحسبهم جديها، هما في الأصل هاربان من مستشفى الأمراض النفسية، قاما بقتل جديها الحقيقيين، يتصلان بوالدتها عبر السكايب ويخبرانها الحقيقة لتتحول القصة إلى قصة بوليسية تهرع الأم والشرطة لإنقاد الطفلين. يحاول المخرج التأكيد على فرضية مفادها أن هذا المجتمع الذي يعيش في رعب قاس، فإن عيون الشرطة تحرسه وباستطاعته الخروج من هذه الكوابيس، حينما يستطيع الطفل تايلر قتل الجد الوهمي. مستعملا المخرج تقنيات المرآة التي تعكس الشر، وهي تقنية استعملت كثيرا في أفلام الرعب، من خلال تسليطها على الجد الشرير.
المخرج مانوج نايت شاياملان، المخرج الوحيد الهندي الفائز بإحدى جوائز الأوسكار ، فهو من مواليد 6 أغسطس/آب 1970 في الهند، وانتقل في سن مبكرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأخرج العديد من الأفلام التي نالت شهرة كبيرة، وتناولت الكثير من القضايا الاجتماعية من بينها «الحدس السادس»، «المحمي»، «القرية»، «الأرض»، «الشيطان «، «نهاية الزمن» و»الزيارة»(2015).
ينتهي فيلم «الزيارة» بقتل الجد المزور الذي قام بقتل الجدين الحقيقين والاستيلاء على المنزل، وكذلك انتحال هوية الجدين الحقيقيين واستغلال فرصة أن الابنة باولا كانت مقاطعة للعائلة، رغم اتصال أبويها بها من وقت لآخر.
نهاية سعيدة بنجاة الطفلين وحضور الشرطة ومعانقة باولا لطفليها. نهاية بقدر ما هي سعيدة، نهاية هوليوودية لأن الانسان الأمريكي لا يعشق النهايات الحزينة. يغوص الفيلم بشكل كلي في أجواء متقلبة بين الفرح والكآبة التي تغلف المجتمع الأمريكي والرعب المسيطر على الأفراد، ينقلها المخرج بتقنيات وأساليب أفلام الرعب، لكن الواقع تغلفه الكآبة والحزن والأمراض النفسية وتسيطر عليه نظرة الحذر والحيرة والشك والخوف والرعب المسيطر المغلف بالحضور الأمني المكثف على كل مناحي الحياة الاجتماعية.

المصدر: القدس العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى