لنا عبد الرحمن “الكتابة أمر يحمل كلا الوجهين: المتعة والألم.”

الجسرة الثقافية الالكترونية -خاص-

 

حاورها: طارق مكاوي

 

تأخذ الطفولة في حياة البشر قسطا كبيرا من تشكيل هويته النفسية، فهي البقعة الأكثر تشربا لما يحدث حولها، وبالتالي مستقبلا يتفرع الإنسان بما رسم له من خلال ثراء طفولته أم حرمانها، ولعل المبدع يرى أن طفولته كانت العامل الأكبر في توجيهه للكتابة، إذ ما يندر أن تخرج تجربة إبداعية دون أن يكون لها رواسب في الماضي أو إرهاصات تشير لها، فالأسئلة التي يسأل الكاتب بها نفسه؛ ما الذي دعاني أن أكون كاتبا لماذا لم أتجه إلى كرة القدم مثلا، وهنا قد تكون إجابة مختبئة أصلا في الحياة الخاصة للكاتب وبالتالي الطفولة والنمط العائلي الذي نشأ به، أليس نحن منتجات بيوتاتنا؟
لذا كان للجسرة هذا الحوار

* تلعب الطفولة دورا مهما في تشكيل هوية الإنسان، كيف أسست الطفولة الهوية الإبداعية لدى المبدع؟
بالنسبة لي كانت طفولتي في سنوات الاجتياح الإسرائيلي في بيروت، أي أنها لم تكن طفولة عادية،لقد رأيت في عيون طفلة في عامها السابع مشاهد موت،ودمار، ودماء، مشاهد مازالت مخزونة في الذاكرة. وهذا ما ظهر في نصوصي الإبداعية، خاصة الأولى منها. في قصة “عنب أحر للمساء” التي نشرتها ضمن مجموعة “الموتى لا يكذبون” تحضر مشاهد الحرب، من رؤية طفلة تسمع أصوات القذائف،وهي تسير مع أمها في الشارع،وتخاف أن تموتا معاً. كذلك في قصة “الموتى لا يكذبون” التي حملت عنوان المجموعة، وفي قصة “اعتراف” ضمن المجموعة نفسها، لقد شكلت سنوات الطفولة خلال الحرب ستارا خلفيا لمعظم النصوص التي كتبتها حتى الآن، ربما لأن الحروب المتتالية بالنسبة للشعب اللبناني صارت جزءا من ذاكرته سواء بالنسبة للطفولة، أو في سنوات أخرى. لكن في النتيجة تظل الحكايا والصور التي عشناها خلال طفولتنا خيطا وثيقا يربط ما بين الذاكرة والابداع،خيط تتمازج فيه الذكريات وتخيلاتنا عنها.

* لنتكلم عن التجربة الأولى للكتابة عن الإبداع ومهابط الإحباط في سيرة الكاتب؟
لن أتكلم كثيرا عن الكتابة الأولى للإبداع، لا استطيع القبض على لحظة فاصلة لهذا الحدث، ليس بمقدوري القول أن مجموعتي القصصية الأولى ” أوهام شرقية” هي تجربتي الأولى في الكتابة، كان هناك نصوص قبلها لم أنشرها، لذا دعني أتكلم أكثر عن الجانب الفني في الابداع، أي الاحساس الذي يترافق مع الوعي بالنص، لقد حدث هذا معي في المجموعة القصصية الثانية ” الموتى لا يكذبون”، كان هناك شيئ من المتعة في الكتابة، إلى جانب التخيل، وهذا ما لم يكن حاضرا بقوة في مجموعتي الأولى.
أما عن الإحباط في سيرة الكاتب، فتلك لحظات كثيرة، بل كثيرة جدا، العجز عن ايجاد طريق واضح بين اللغة وبين ما يريد الكاتب التعبير عنه،أمر شاق للغاية، والوصول لقليل من الرضى عن النص المكتوب، لا يحدث إلا بعد جهد، يوازي متعة الكتابة تماما. فالكتابة أمر يحمل كلا الوجهين : المتعة والألم.
* حينما نكون أطفالا، هل هناك شيء يوجهنا تجاه الإبداع، باعتقادك ما هو؟
أظن أنه من الضروري في البداية وجود نواة الابداع عند الطفل، ثم فيما بعد اذا توفرت له الظروف المناسبة كي تشق هذه النواة طريقها في تربة خصبة، حينها سيكون محظوظا. بالنسبة للكتابة تحديدا، من الممكن للكاتب أن يكون مقاتلا منفردا في ميدانه، أي أن يكتشف نواة ابداعه، ويعتني بها عن طريق اهتمامه الذاتي بالقراءة بالمعرفة، بغض النظر عن الأسرة، بالنسبة لي كنت محظوظة لأننني نشأت ضمن أسرة تهتم بالقراءة، ووجهتني نحوها منذ الطفولة.
* دائما يتكلم المبدعون عن القلق، على الأغلب ينطلقون بهذه الدافعية، ما الذي خبأته الطفولة فينا؟
الكلام عن الابداع والقلق، لا أرى أنه يتعلق بمرحلة الطفولة وحسب، في تقديري أنه يتزايد مع الوقت. وكما قلت من قبل اذا كانت الطفولة مثلا قد تركت عندي ذكريات الحرب، فإن هذه الذكرى مع الوقت لم تظل محصورة ضمن فكرة “الحرب” التي انتهت، بل تجاوزتها لفكرة الموت عموما، لفكرة الفقد والرحيل، لفكرة التخلي، والانتزاع القسري من المكان، من البيت، من كل ما يوحي بالأمان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى