معرض دانييل شيخاني ومالغورزاتا باشكو.. صحراء الثلج

الجسرة الثقافية الالكترونية

محمد شرف

في تظاهرة فنية تخرج، إلى حد ما، عن الإطار السائد، تلتقي فنانتان لدى غاليري «أليس مغبغب» في معرض واحد، ولكل من الفنانتين أسلوبها في التعاطي مع الموضوع المعالج، هذا مع العلم أن الموضوعين مختلفان اختلافاً واضحاً بعضهما عن بعض.
الفنانتان هما المصوّرة الفوتوغرافية اللبنانية دانييل شيخاني، والفنانة التشكيلية البولندية الأصل، التي تعيش وتعمل حالياً في فرنسا، مالغورزاتا باشكو. نفهم من ذلك أن المعرض المشترك ينبغي أن يضم صوراً فوتوغرافية مع أعمال تصويرية، مع الإشارة إلى أن الأعمال ليست معروضة في الغاليري جنباً إلى جنب، كما يمكن أن يوحي الفهم المباشر للكلمة، بل في صالتين متجاورتين، وفي أجواء مختلفة من حيث تجهيز القاعة، وما تمت إليه عملية التنظيم من توزيع للأعمال، وكيفية إضاءتها، مثلاً، بحسب النمط المتناسب مع أسلوب كل من الفنانتين.
كانت دانييل شيخاني قد أقامت، العام 2008، معرضاً مؤلفاً من صور فوتوغرافية التقطتها في صحراء نيفود، في المملكة العربية السعودية. بعد ذلك، قام تجمع «آجا»، الذي أخذ على عاتقه مهمة تشجيع النساء السعوديات العازبات على العمل، من خلال تقديمه لهنّ الأدوات المعرفية لذلك، بدعوة شيخاني من أجل الإشراف على تدريب الراغبات من النساء في ممارسة التصوير الفوتوغرافي، وذلك لفترة عشرين يوماً في مدينة هيل. على هذا الأساس، تمت الدروس النظرية، حينها، خلال الفترة الصباحية، فيما خُصصت فترة ما بعد الظهر للتطبيق العملي في الصحراء، على بعد عدة كيلومترات من المدينة.
منقبات خلف الكاميرا
خلال العشرين يوماً المحددة كفترة للتعليم والتدريب، انطلقت النساء المنقبات، تحت إشراف شيخاني، في «مجاهل» الصحراء، حيث دفعتهنّ إلى رصد ما تؤمنه الصحراء من طبيعة ذات مميزات خاصة، وما يعتمل في هذه الطبيعة من ضوء قد لا يتوافر في مكان آخر، مع ما يمكن أن تتضمنه تلك الطبيعة من معالم كالسماء والصخور والرمال والريح والظلال، والقلة القليلة من النبات. قامت شيخاني، حينها، بتصوير النساء وهن يقمن باكتشاف عوالم مغايرة من خلال عدساتهن، مع ما أسقطنه على تلك العوالم من ضروب الانفعالات، لينكشف للمصوّرة المحترفة، من خلال علاقتها بالمتدربات، ما يختلج في أنفسهن من حب للحياة، ومن ثقافة وشعور بالمكان، يتواريان خلف النقاب الأسود الذي يغطي وجوههن. وبنتيجة ذلك، تحولت هند الفهّاد، وهي إحدى المشاركات في الفترة التدريبية، إلى مخرجة، وحصلت على جائزة «مهر الخليج» في مهرجان دبي للأفلام القصيرة. يحتوي المعرض، الذي نحن في صدده،على أعمال شيخاني الفوتوغرافية التي نفّذتها في تلك الفترة. وغني عن القول ما تعكسه تلك الصور من ألوان الشعور والانفعالات، على محدودية اللون الموزّع ما بين الأصفر البرتقالي، كلون للرمال، والأسود البائن عليه، كلون لثياب النساء المتدربات. وكأننا، هنا، أمام واحد من نتاجات الفن المينيمالي، مع ما يتضمنه هذا الفن من تآليف ورموز، ومفاهيم فنية.
في المقلب الآخر، نشاهد، في صالة مجاورة، أعمال مالغورزاتا باشكو اللونية، التي عكست أصداء طبيعة مغايرة، تختلف جذرياً عما رأيناه في صور شيخاني، وتعتمد ألواناً تفتقدها الصور الصحراوية في طبيعة الحال، فإيحاءات هذه الطبيعة، هنا، قد تكون مستقاة من مسقط رأسها: بولندا. الثلج حاضر في أعمال الفنانة، كعنصر مميز للأقطار الباردة الواقعة شمالاً، مع ما يمكن أن يخلقه تمازجه مع مفردات الطبيعة الأخرى من تجليات تشكيلية ذات منحى غرافيكي، والنبات الأخضر شديد الحضور بدوره، وما يشير إليه هذا الحضور من احتفاء بالفصل الذي نعيشه حاضراً: الربيع، أما السماء فلم تعد شديدة الصفاء، بل تجتاحها غيوم، ولو كانت خفّتها لا تدل على قدوم عاصفة أو إعصار.
أما الاحتفاء بالأخضر والأزرق الرمادي وتفرعاتهما في أعمال باشكو، فلا يتم من خلال تبيان عناصر الطبيعة ككل، إذ لسنا أمام مشهد معقّد يشتمل على منظر طبيعي شامل، بل نرى أجزاء من تلك الطبيعة، كمن اقتطع بقعة ما منها كي يعالجها في شكل منفصل عن محيطها، وكأنها عيّنة مختارة يمكن أن تتكرر بأوجه أخرى، في مكان مجاور. وإذا كنا نسبنا صور أندريه شيخاني، مجازاً، إلى الفن المينيمالي، فإن لوحات باشكو تحمل بعضاً من الروح الغنائية، ويمكن بعض أجزائها، لو راقبناها عن بعد، أن تتحول عملاً تجريدياً يذكّرنا بتنقيطات جاكسون بولوك المتحركة. بيد أن أعمال بولوك، ومن شابهه وسار معه في الاتجاه التجريدي نفسه، هي ذات منحى ميكانيكي، في حين أن أعمال باشكو تضجّ بالحياة، وتعكس حساسية جليّة تجاه المرئي، كما الحساسية التي تعكسها أعمال أندريه شيخاني تجاه الصحراء، فالطبيعة، في أشكالها المتنوعة، لا تبخل بالانطباعات على من يشاء أن يلتقطها بعين الفنان، وهي حال الفنانتين في هذاالمعرض.

 

المصدر: السفير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى