فاس تحتفي بالشاعرة العراقية خالدة خليل وديوانها ‘تأملات رماد’

الجسرة الثقافية الالكترونية

 

د.مصطفى شميعة

بحضور شعري ونقدي وازن عاشت مدينة فاس عاصمة المملكة العلمية أطوار المهرجان الدولي السادس للشعر الذي نظمته دارة الشعر المغربي التي تترأسها الشاعرة العصامية فاطمة بوهراكة يومي 26 – 27 من مارس/آذار الفارط والذي عرف هذه السنة الاحتفاء بالشاعرة العراقية خالدة خليل.

وقد عرفت الدورة حضورا عربيا وازنا من خلال الشعراء الذين نزلوا ضيوفا على مدينة فاس من مصر والإمارات العربية المتحدة من الجزائر وفلسطين والعراق، كما عرفت الدورة حضور القنصل العراقي العام بالمغرب الذي نوه بمبادرة دارة الشعر المغربية التي احتفت هذه السنة بالشعر العراقي متمثلا في الشاعرة العراقية خالدة خليل.

ويهمنا في هذه الورقة أن نسلط الضوء على الجلسة العلمية التي عرفها اليوم الثاني والتي كان محورها قراءات نقدية في أعمال الشاعرة العراقية.

أبانت جل المداخلات عن وعي بجرح الشاعرة وعميق حزنها مما تستشعره من آلام ناتجة عن النزيف الحاد الذي أصاب العراق وقد توحدت المداخلات في محور واحد وكأنها على اتفاق مسبق على التمركز على تيمة أساس بالديوان هي شعرية الحزن والألم، باستثناء مداخلة الكاتب والشاعر العراقي أديب جلكي التي تساءلت عن شعرية الكتابة باللغة غير اللغة الأم.

المداخلة الأولى للدكتور عمر مراني علوي (المغرب) قراءة بعنوان “شعرية العتبات: قراءة في عناوين ديوان تأملات رماد لخالدة خليل” تساءل من خلالها حول سر وفلسفة الوجود السرمدي الذي يعتبر في حد ذاته لغزا محيرا منذ بداية الأزلية للإنسان، بعد ذلك تطرق إلى رصد الملامح المميزة لعالم خالدة خليل الشعري، وأشار إلى أن الجزء الأول من الديوان يشمل عشر قصائد تبرز فيها مجموعة من الخصائص الدالة على فلسفة الوجود عند الشاعرة منطلقا في تحليل ذلك من تحليل عتبات الديوان التي وجدها تشي بحمولات فلسفية وشعرية كثيرة تعكس رؤية شعرية عميقة.

ومن الخصائص الأسلوبية أوضح أن هناك عناوين ذات تركيب اسمي، وعناوين ذات تركيب فعلي، من جهة أخرى توقف الباحث عند خصوصية الاختزال والدقة، وتناول التناص الداخلي والخارجي بين عناوين النصوص.

وأوضح أن هناك تشويشا على مستوى توقعاتنا لمفهوم الجسد في قصائد الشاعرة. حيث ومن خلال استقصاء لفظي ودلالي توقف على مجموعة من المؤشرات التي تدل على اختلاف الرؤية الفيزيقية للجسد الذي يتحول في الديوان إلى حالة توهج دائم.

من جهة أخرى رأى الناقد أن التناصات الواردة بالديوان تتقاطع على مستويين: على مستوى القرآن الكريم وأيضا على مستوى نصوص أدونيس التي جاءت بشكل صريح في كل ثنايا الديوان، وهي عناوين تختلف عن عناوين القصائد الطويلة.

وتناول الباحث العلائق الدلالية بين العناوين والتي تمثل فسيفساء متراصة من التقاطعات الدلالية. وأوضح أن اختيار العناوين يأتي بناءً على رؤية فنية واعية من الشاعرة حيث تشكل العناوين مداخل رئيسية للولوج إلى عالم الإبداع الشعري، وتمثل لمحة من تطور الشعر العراقي الحديث.

المداخلة الثانية كانت للكاتب والشاعر العراقي أديب جلكي بعنوان “إشكالية الكتابة بغير لغة الأم – خالدة خليل نموذجا”، حيث قدم محاولة توضيحية للقصائد والرموز. وتساءل: هل تنتمي الكتابة بغير لغة الأم إلى لغة وآداب اللغة الأخرى المكتوب بها، أم أنها كتابة عربية؟ وهو السؤال الذي أثار إشكالية التي تمحورت حولها الورقة النقدية متسائلا: هل ينتمي شعر الشاعرة للأدب العربي أم للأدب الكردي؟ وقد حاول الكاتب العراقي الإجابة عن مثل هذه الأسئلة المطروحة موضحا بعض الرؤى: فهناك من يؤمن أن الأدب ينتمي إلى اللغة التي كتب بها، فما هو مكتوب بالفرنسية مثلا يعد أدبًا فرنسيًا. ورؤية تذهب إلى أن الانتماء يكون إلى الأدب وليس إلى اللغة. ورؤية ثالثة تؤكد أن الأدب متعدد الهوية أو أنه أدب مزودج يعبر عن قضايا القوميات مهما اختلفت.

المداخلة الثالثة للدكتور مصطفى شميعة بعنوان: “شعرية الحب والرماد عند الشاعرة خالدة خليل.. قراءة في المسكوت عنه” وهي المداخلة التي انطلق فيها من عدة أسئلة عن “كيفية ولوج عالم حالدة خليل الشعري، الملتبس، الكثيف الصور الزاخر بالرموز والدلالات والعوالم الكبيرة والصغيرة والرؤى الشاسعة المؤسسة عن وعي شعري وفلسفي، تعكس بالقول الشعري حقيقة أدبية ساطعة مفادها: أننا أمام شاعرة تملك زمام القول الشعري صياغة وتخيّلا، وتقبض على جمالية شعرية تربك القرّاء مهما اختلفت أنماطهم (الخبراء والعاديون)، (النقاد والدارسون)، (المؤولون أو المحللون) على أصنافهم وميولهم، إذ يقفون متسائلين: كيف نلج عوالم خالدة خليل الشعرية؟ وكيف نفك مغالق شعرها المتدفق بالمعاني والدلالات الغامضة والملتبسة بالرؤى الإنسانية؟ وكيف ندلف إلى معاقل رموزها وأصول معانيها؟ وكيف نعبر عن دهشتنا أمام عجائبيته وغرائبية صوره ورموزه؟

وقد أكد الناقد ذلك وهو على يقين كما يقول من جملة من الأمور أولها: هذا الشعر هو فعلا قطعة من قلب صاحبته، وأكاد “أجزم عمليا ومن خلال عدة مؤشرات على أن حرارة ألفاظه مرتفعة ومفاصله ملتهبة ولا يمكن لقلب سليم معافى أن ينسج هذا الشعر العليل، المسكون بأوجاع الناس وجراح الأوطان، وفي نفس الوقت المعروك بالحب الإنساني المتدفق من صدر شاعرة لا يتسع إلا للحب” .

وفي سياق التأكيد على شعرية الحب والرماد اشتغلت المداخلة على ثنائية الحب والحزن ولعل سبب حزن الشاعرة هو العراق الجريح حيث يأخذ الحزن عند الشاعرة طابعاً تعددياً ويستأسد بأمكنة دون أخرى لكن المكان الوحيد الذي يجثم جريحاً على صدر الشاعرة هو بغداد السياب والمتنبي. فمن بغداد الى البصرة تتوزع الأحزان لتنطق بلسان السياب، وهو التمثال الذي بات يخطو فوقه الأباتشي والدبابات. فالهروب من العراق الى العراق ومن بغداد المتنبي الى بصرة السياب هو هروب الى الوطن لا خارجه. هو تمترس في وسط اللهيب وفي خضم وجع الناس وأنينهم. فالعراق بات ينسج مشهداً واحداً وهو مشهد الألم والشاعرة أيضا تنسج (من أنيني منديلا لدمعك) لأنها تريد أن (تبقى معلقة هناك). فـ (برداً وسلاماً يا عراق .. لساكني أكواخ الألم أقولها .. لصائدي حبات المطر .. لا وقت للكلام ..). العراق عند الشاعرة وقت احتضان لهب الالم تقول: دعني أحضنك يا لهب الجحيم .. الحب المتسربل بشهوة الوطن.

المداخلة الرابعة للدكتور أنور بنيعيش تحت عنوان: “زنابق الألم في تأملات رماد .. دراسة في شعرية الوجع لدى خالدة خليل” محاولا تفكيك بنية الوجع في هذا الديوان، موضحا أن للوجع عدة تمظهرات فنية تتقاطع مع العشق السرمدي الذي تكنه الشاعرة لبغداد الشعر والحلم وقد تتبع الباحث معالم الوجع وبحث عن شعريته في الديوان، وحاول وضع خارطة للألم وتتبع مسالك الوجع، وجع الأنثى ووجع الوطن ووجع الهزيمة، ووجع الغربة، ووجع الأسئلة. مؤكدا أن هناك بوحا دلاليا من خلال بنيات وصور وأخيلة، مشيرا إلى تنوع التناصات وعمق الانزياجات.

وقد عرفت نهاية المداخلات نقاشا مفتوحا بين الجمهور والمحاضرين ساهمت في تعميق النقاش الذي تحول إلى نقاش مفتوح مع الشاعرة، شكرت المتدخلين وأثنت على قراءاتهم التي استجلت بعضا من الدلالات التي استشفتها من خلال تفكيك البنيات الرمزية لديوان “تأملات رماد”.

 

المصدر: ميدل ايست اونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى