“النمش” لأبو شاور.. حالة جمالية لتراكيب محفورة في الذاكرة

الجسرة الثقافية الالكترونية

عزيزة علي

وقعت القاصة تغريد أبو شاور أول من أمس مجموعتها القصصية “نمش” الصادرة عن دار الأهلية- عمان في حفل إقامته لجنة القصة والرواية في رابطة الكتاب الأردنيين، في مقر الرابطة شارك في الحفل الدكتورة نداء مشعل، وأداره د.عمر الكفاوين.
وقدمت القاصة أبو شاور شهادة حول مجموعتها قالت فيها إن :”النمش هي قراءة موسعة وتراكيب محفورة في الذاكرة وتحليلات طفولية في مخيال الطفلة فالمراهقة فالصبية الجامعية، نضجت واستوت النصوص على سوقها في نمش لتصير وحدة واحدة”.
وحول دلالة العنوان “النمش”، قالت القاصة :”النمش كحالة جمالية وممكن ان تجذب أو تنفر شخصا ما منه، والنمش بعادته حجمه حبة صغيرة، كبيرة، متوسطة، وألوانه بين البرتقالي والأسود إلى الحمرة، لذا جاء إسقاط حالة النمش على العنوان لتجيء النصوص بنفس الحالة، تجذب احدهم وينفر منها آخر، ألوانه مختلفة متدرجة ومواضيعها كما مواضعها مختلفة”.
واعتبرت أبو شاور أن :”النمش تحمل الوطن بكل تجلياته والحب بكل خجله والحيرة وتمرد الأنثى الصامت، فقد وضعتها بين يدي القارئ ليركبها كيفما شاء تفكيره ومرجعيته الثقافية الاجتماعية، ويعطيه الصفة الأخيرة، فنمش تجربتي الأولى حاولت فيها أن تقف على ثغرات في الحياة وضعفها، وبالكتابة “ممكن أن نهب الضعف قوة، ونقوِّم الأخطاء معا ونلون مساحات الفراغ ونكسب الحياة بهجتها”.
من جانبها رأت الدكتورة نداء مشعل أن مجموعة “نمش”، “تتمرد على القيود والأقفاص والضوابط والتوصيفات النقدية المغلقة لتنفتح على عالم واسع يتسع لالتقاط التفاصيل ويرسم مساحة شاسعة من البوح واستجماع الخطوط العامّة للحظات وجدانية مكثفة، فلا تختصر ولا تهمّش، فهي بقدر ما تلجأ إلى الكثافة بقدر ما تتحرك بحرية وشمولية وصدق وجداني ليس مع الذات فقط وإنمّا مع الموضوع الذي تستمده من التجربة الشخصية والوجدانية ومعاناة الوطن الذي عاش فيها، وهو بالتالي يظل يتوهج داخل معماره الخاص ونسقه الفني ويظل منفرداً أو مستقلاً عن الأقفاص التقليدية”.
وتحدثت مشعل عن شكل الكتابة عند القاصة، “لديها شكلاً من أشكال الكتابة التي لم تحدّد نوعها، فهي تتحدّث عن لغة جديدة لم تمتلك مفرداتها كاملة بعد إذ ما تزال في عمليّة البحث لاسيما أنه عملها الأول، فهي تبحث من خلاله عن صوت قصصي سردي لها مختلف وشكل كتابة يميّزها، لذا نجد نصوص المجموعة تجمع بين الخواطر والقصة القصيرة جدا بطريقة تتماهى فيها العناصر الفنية في محاولة منها لكسر الشكل التقليدي لبُنى الخاطرة والقصة القصيرة في آن معا في محاولة للخروج بشكل جديد، والعمل ككل متكامل يعطينا إيحاء بولادة شكل جديد”.
وأشارت مشعل إلى أن أبو شاور تتمرّد على النصوص الموجودة والجاهزة والتي كتبها الرجل ووضع قواعدها وأصولها فهي تبحث عن شكل مستقل، مشيرة إلى أن فكرة الكتابة ابتداء من العنوان، مروراً بالمضمون، فالرسائل هي وسيلتنا التي نستخدمها لفعل الكتابة، فكأننا بالقاصة تشاركنا في رحلة البحث عن طريقة تميزها في عملها بعيدا عن الشكل التقليدي الذي ابتكره الرجل. ليس هذا فقط وإنما هي تتحد مع العمل وتخلق له قارئا تبعث له الرسائل كما في 10 رسائل ومنبه واحد.
واستعرضت مشعل اللغة والنواحي الفنية التي استعملتها أبو شاور في هذه المجموعة قائلة “لغة التي كتبت بها نمش لغة شعرية”، تقوم بدورها في جذب القارئ وزيادة استمتاعه بالعمل الأدبي، وهذه اللغة لا تنفصل عن طبيعة النفس البشرية لأنها ناقلة لتصورات الفرد وإحساسه بما حوله، وعلى بساطة ووضوح اللغة إلا أنها تتّسم بالسلاسة، وتتشبّع بالصور الموحية دون الاستغناء عن اللفظة القوية الجريئة التي تنتقيها بتمعن، والجملة المرصعة بألوان البديع المختلفة بحيث تتحول النصوص أحيانا إلى لوحات تشكيلية تعج بأحاسيس وانفعالات قوية ممزوجة بنغمات صادقة لاسيما في النصوص المتعلقة بالقضية الفلسطينية.
وأشارت مشعل إلى التناص في قصص أبو شاور حيث يظهر من خلال الحديث عن الفتاة ذات الشعر الطويل التي كانت تمدّ لحبيبها جديلتها من الشرفة والكاتبة هنا توظّفها للقضية الفلسطينية بشكل لامع، إذ إنها تتحدّث عن ألم البعد والشتات، فما يفصل بين الفلسطيني ووطنه هو جسر بائس وصغير يمكن أن نمدّ جديلة الشعر فنصل إلى جهته الأخرى، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالتضحية والمقاومة، وهي تتصدّى للحديث عن القضية الفلسطينية، وتجسّد معاناتها في عدد كبير من النصوص كما في “جديلة نهر، حرب باردة، غيمة معلقة على الحاجز، سرّ المرايا، رقصة المشانق، بلاد العرب أوطاني، خلصت الحدوتة، أبو يوسف، اقتراح آخر للحياة، عتاب وطن، حافة أخيرة، قبّرة”.
وخلصت مشعل إلى أن نصوص أبو شاور تجعلنا نرى كيف تقيم فلسطين فينا رغم عدم رؤيتنا لها فالكرمل فينا وعلى أهدابنا عشب الجليل، فلسطين في قلوب اثني عشر مليون فلسطيني ونيّف، أكثر من نصفهم في الشتات، والوطن هو المظلة التي تنطلق منها القاصة للحديث عن هموم المرأة والحب والحياة والواقع الاجتماعي الذي تطرقت إليه بحسّ هزلي ساخر وبمفارقة اجتماعية لافتة

 

المصدر: الغد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى