«الشبكة المظلمة»: الإنترنت يعيد اختراع الإنسان

الجسرة الثقافية الالكترونية

فادي الطويل

«الويب تُحَوِّلنا، نصبح بيانات وشيفرات.. ونقوم برفع أدقّ معلوماتنا و «ذواتنا» إلى مكان نسمّيه «السحابة». لكن هذه السحابة متصلة بحواسيب. تنشأ فوضى من الشيفرات، لكن باستخدام الأدوات الصحيحة، يمكن لنا التقاط الإشارة وسط هذا الضجيج». بهذه الكلمات الاستهلالية تبدأ كل حلقة من الحلقات الثماني للمسلسل الوثائقي «الشبكة المظلمة Dark Net »، من إنتاج شبكة «شوتايم» بالاشتراك مع «فوكاتيف فيلمز».
يحيلنا موضوع المسلسل، إلى وثائقيّات أخرى، تتعرض للجانب المظلم لشبكة الانترنت، أو ما يمكن وصفه بـ «السياق الموازي» للشبكة التي نعرفها ونتعامل معها ومن خلالها بشكل يومي. هذا السياق الموازي هو ما يدور في الطرف الآخر، بكلّ ما فيه من واقع قد تفاجئنا أحداثه وطفراته والفوضى المنظمة التي تحكمه، خارج أي قانون.
لكلّ حلقة من الحلقات الثماني عنوان من كلمة واحدة، لا ينقصها التأثير والتكثيف والدقة. ولعلّ أكثر ما يلاحظ على العمل هو تكثيف المواضيع والمعلومات والبيانات خلال مدّة لا تتجاوز نصف ساعة. ففي الحلقة الأولى، مثلًا، تُعرض ثلاث قصص بشكل متواز، اثنتان في أميركا والثالثة في اليابان. من العلاقات السادومازوشية عبر الانترنت، إلى الابتزاز بعرض صور فاضحة، انتهاء بشاب ياباني يهرب من الواقع اليومي المعيش إلى علاقة مع حبيبة افتراضية تدعى «رينكو»، وهي دمية برمجية على الانترنت، يمكن للهاربين من الحب الواقعي اللجوء إلى علاقة عاطفية افتراضية معها.
تركّز الحلقة على تلك المتعة «الفريدة» التي يجدها أولئك الأشخاص في الجانب المظلم للانترنت. ومع تسلسل الحلقات، تُستعرض مواضيع شائكة؛ مثل «الترقية» التي يقوم بها أشخاص يسمّون أنفسهم «بيو هاكرز»، وهم يعدّون أنفسهم مجرّبين لا علماء. وهم يقومون بزرع شريحة الكترونية في اليد، مسجّلة عليها جميع بياناتهم الضرورية، لتغنيهم عن حمل أيّ بطاقات أو وثائق. جانب آخر يكشف الهوس في أن لا يستخدم المرء أداة الكترونية فقط، بل أن يكون هو ذاته تلك الأداة. يتمّ ذلك إما داخليًا عن طريق زرع تلك الشريحة الذكية أو عبر توصيل أدوات خارجية تجعلك متصلًا بعشرات التطبيقات والأنظمة، كما في حالة الأميركي كريس دانسي الذي يعدّ الشخص الأكثر اتصالًا بالتقنية في العالم، لكونه متصلًا بـ700 نظام عبر 11 أداة الكترونية و71 شبكة لاسلكية، تسجّل كل حركاته وسكناته، لتتحوّل أيامه بكلّ ما فيها إلى بيانات ومخطّطات ترتسم أمامه على شاشة كبيرة. هوس استحواذي مرعب، يدفعك لتسجيل حياتك الكترونياً وتسجيل حيوات وانطباعات الآخرين وانفعالاتهم عبر كاميرا دقيقة مزروعة في العين البشرية مثلًا، كما في حالة مخرج الوثائقيات الكندي روب سبينس. مما يطرح سؤالًا تكرر مرات عدة: متى يمكنك أن تتحكم بكينونتك كبشريّ، أو بمستقبلك كآلة، وكيف سيسهم هذا في تقرير طبيعة ونوعية التطور البشري؟
المبدأ الذي يقوم عليه هذا العالم المليء بالـ «ميتا داتا» والبيانات، يشكّل انعكاسًا لما يمكن أن يحدث إذا كان العالم من دون قواعد وقوانين، يفرض عليك شرطًا قاسيًا وحتميًا: «إما أن تتغير أو تموت». ومع أن هذا العالم الذي تعالجه السلسلة الوثائقيّة معروف لدينا عبر معلومات متراكمة تُكشف بشكل وتسرّب باستمرار، إلا أنّه يمتلك القدرة على أن يصدمنا في كلّ مرة، وأن يعزّز الفكرة التي يقوم عليها العمل، وهي أننا لا نتوانى عن تزويد الشبكة، «دماغنا الجمعيّ»، بكلّ شيء عن كلّ شيء، وهي بدورها تتغذى علينا، على حواسنا وانفعالاتنا واستجاباتنا تجاه أحداث الواقعي والافتراضي. حظي المسلسل بردود فعل نقدية إيجابية، وقد جدّد قبل أيام لموسم ثان.

المصدر: السفير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى