الشعر سرداً في حياة مجردة من ابتسامة

الجسرة الثقافية الالكترونية

 

تهاني فجر

القصيدة بشكلها الشعري والنثري هي حالة وجدانية تؤثر وتتأثر بظروف العصر الذي يتطور بشكل هائل ومخيف أحياناً، ومن البديهي أن يكون هناك تطور مماثل في شكل ومضمون النص الشعري الذي نراه ضمن تقنيات سينمائية وتشكيلية وسردية، ومن هنا يستند نص الشاعر السوري فادي سعد في مجموعته «حياة مجردة من ابتسامة» (دار مسعى – البحرين) في بنيته على السرد بشكل جوهري، فالقارئ يستطيع ملاحظة الاستغراق في تصوير الجزئيات والتفاصيل التي تشكل عصب السرد في الرواية والقصة القصيرة، لكن مزج الشاعر بين السرد والشعر واتخاذ السرد كأحد ارتكازات قصيدة النثر جعله ينهض بشعرية نصه من خلال وعيه الحاضر والواضح: «كان الوجه المحفور على رأس السرير يحاول أن يحرّك شفتيه. لم يعد وجهاً مألوفاً. بات يشبه الأغصان التي تخالها أحياناً على وشك الوقوع، بعد أعاصير مدارية».
اعتماد فادي سعد على سردية النص الشعري يأتي بهدف خلق عنصر تأثير مغاير ومختلف عمّا هو سائد الآن، فكثير من التجارب الشعرية تعتمد اعتماداً كليّاً على سينمائية النص أو النص الفوتوغرافي إن صحّ التعبير، وقد نجح الشاعر في ذلك الهدف في جعل القارئ يسمع صوت الشاعر داخل النص والسماح له بإحالته إلى نص بصري وسمعي إضافة إلى كونه نصاً فكرياً وتأملياً: «استدرت وأطلقت العنان لساقيّ، أتبع مصدر الصوت. في الحقيقة، لم يكن صراخاً. كان حديثاً هامساً بين شجرتين. وقفت بينهما، في تلك الفسحة الضّيقة أستمع وأكتب ما يدعوه البعض قصائد». على رغم اتكاء هذا الكتاب على السرد الشعري إلا أنه تميّز بنصوص لا تهذي ولا تترهل ولا تفضي بالقارئ إلى فراغ، بل تقوده نحو سرها ومركزيتها، فثمة اتصال بين النص كإبداع وبينه كوعي فني وذاتي بتفاصيله المرتبطة بالحياة وأشكالها، لذلك يلمس القارئ اشتغال الشاعر الواعي والمختبر بآليات شكل النص الشعري السردي وما يرافقه من تقنيات فنية وفكرية في آن معاً. «مللت من الأصابع الناعمة للحروف. من أرداف الجمل الممتلئة، ومن الأفواه الفاغرة للصفات البلهاء. مللت من نفاق الاستعارة، ومن البودرة المضلّلة على خدود القصائد».
يحمل كتاب فادي سعد سؤالاً وجودياً عن الموت، وجاء ذلك واضحاً من خلال النصوص التي تناولت ذلك، مثلما ألقت مهنته كطبيب بأصدائها على نصوص كثيرة وعلى عناوين كثيرة مثل: شق صغير في صدغه الأيمن – الخثرة – الورم الخبيث – الغرفة رقم 425- الجثة – السيد ألم – انتشر السرطان – تصلّب لويحي وغيرها…، حقيقة ثمة اشتغال واضح على الفكرة لدى فادي سعد هنا في هذا الكتاب التي ارتكزت على المرض والموت وما يتبعهما من حزن: «كنت أحاول جاهداً ترتيب هذه الفوضى قليلاً. رتق الثقوب المصفوفة كطوابير الخبز الطويلة. ظللت أسير، وأجمع بهدوء ما سقط منهم. يدٌ هنا. وقدم هناك، وأصابع لم يعد أصحابها بحاجة إليها. أعيد ترتيب هذه الفوضى. ألصق اليدين قرب الرأس، والقدمين قرب السرّة. أمد البطن فوق الظهر وهكذا…».
حياة مجردة من ابتسامة، الكتاب الأنيق بغلافه اللافت هو مرثية للفرح الذي انطفأ في أرواحنا، ومرثية للجمال الذي بات لا يلتفت إليه أحد في زمن الاحتفاء بالقبح.

المصدر: الحياة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى