إيمان يونس.. عودة «السنيورة»

الجسرة الثقافية الالكترونية

وئام يونس

«ما دُمْتَ تتنفس فأنتَ قادرٌ على الإنجاز والعطاء» تقولها إيمان يونس لتلامذتها الذين تلقّنهم من أولِ درسٍ أهميةَ مَلءِ الرئتين والعقل بالهواء لتستيقظَ الحواسُ والمشاعر، ويصبحَ المرءُ أكثرَ وعياً بذاتهِ وبمحيطه وأقدرَ على الاستمرار. إيمان يونس «السنيورة» التي حَبَاها الله بصوت من حرير، شدَت به على مسارح مصر والعالم في سبعينيات القرن الماضي ليتوهج اسمها في سماء الفن، فغنّت للحب والجمال والحياة وقالت لنا: «ما تحسبوش يا بنات إن الجواز راحة وما تزعلوش يا بنات إن قولنا بصراحة»، لكنها لم تعي وقتها «صراحة» صلاح جاهين، بأن الزواج مسؤولية وبعضٌ من نار، ليثقلها الزواج بالتزاماتٍ ومِحَنٍ أبعدتها عن الموسيقى لأكثر من عقدين، رغم ذلك هي على يقين بأن لا أحد «في الحياة مرتاح وحتى الحمام اللي طاير عندو تعب في الجناح»، كما تقول الأغنية، لذا قررت أن تتجاوز ما كابدته وتعطف حياتها عائدةً إلى حبها الأول الموسيقى بروح ملؤها التفاؤل والرضا، فتمضي بعض الوقت في الغناء وآخر في التدريس، والأهم من هذا وذاك تعيش أجمل أوقاتها مع ابنها «عمرو» الذي استقى من والدته شغف الموسيقى ومزاولتها.
أولعت إيمان يونس بالموسيقى والغناء منذ طفولتها ونشأت في بيت نسائي ليس ببعيد عن ذلك، فهي الوسطى لثلاثِ بنات أكبرهن «إسعاد يونس» التي أحبت الأضواء وكانت أهلاً لها فأصبحت من أهم الوجوه الفنية والإعلامية في مصر والعالم العربي، وأصغرهن «أحلام يونس» راقصة الباليه التي ترعرعت بين أروقة أكاديمية الفنون بالقاهرة لتتولى إدارتها بعدما أصبحت دكتورة جديرة بذلك. أما إيمان فدأبت لسبع سنين من الدراسة في معهد الكونسرفتوار، أول ثلاثٍ فيها كانت مع آلتي الكلارينيت والبيانو، ثم وفي سن السادسة عشرة وعندما سمح لها سنّها بدأت دراسة الغناء، بالتوازي مع دراستها في المدرسة. شغفُها بالموسيقى جعلها تتخرج بدرجة امتياز ثم تُعيّن معيدةً في معهد الموسيقى العربية، لتبدأ رحلة الاحتراف في ذات اليوم عندما عرض عليها الراحل صلاح جاهين الغناء في فرقة «المصريين».

أربع سنوات
أربع سنوات من التفوّق والأضواء، أمضتها إيمان مع فرقة «المصريين» ـ أواخر سبعينيات القرن الماضي ـ حيث الإيقاع المختلف والأغاني الجميلة التي لا تزال تتردد حتى الآن. كانت أول فتاة مصرية تغني في فرقة غنائية في ذلك الوقت، الفرقة التي اجتهدت وكونت موسيقاها وأغانيها الخاصة فكانت النسغ الأول لخط موسيقي قائم على المزج بين طبقات الأصوات المختلفة فكأن أغانيها «هارموني» ساحرة ضفرتها فتاة وأربعة شبان ألهبوا مسارح مصر والعالم. «جدة الأصوات ونوع الموسيقى التي قدمناها كانت أساس نجاحنا، فضلا عن دعم المنتج عاصم منتصر، مدير شركة «صوت الحب» المنتجة للألبومات، والذي خصص لنا حافلة حملت اسم الفرقة وجالت بنا أنحاء مصر»، لافتة إلى أن نجاحها في «المصريين» تزامن مع استمرارها في التدريس في معهد الموسيقى العربية، إلى جانب تحضيرها لرسالة الماجستير.
بعد نجاح فرقة «المصريين» في حفلاتها وألبوماتها الستة التي أصدرتها، ظهرت فرق عدة سارت على الخريطة الفنية ذاتها، كان أهمها فرقة «فور إم» للفنان عزت أبو عوف، فرقة «طيبة» التي أسسها الراحل حسين الإمام وشقيقه مودي الإمام، «جيتس» أنشأها الموزع والملحن سمير حبيب، انتهجت جميعها خط «المصريين» من حيث التشكيل الإيقاعي والبناء الموسيقي القائم على الهارموني.
وهي في قمة العطاء والمجد قررت مغنيّة «بنات كتير» الترجل قليلا بعد دخولها الحياة الزوجية، وكان قرارها أن تغيب فترة لا تتعدى الأشهر، إلا أن قسوة القدر وإحساسها العالي بالمسؤولية تجاه أسرتها جعلا الترجل يطول مدة فاقت 23 عاما، كانت خلالها الأم الرؤوم لولدين أحدهما مصاب بمرض لازمه طوال فترة حياته التي كان آخرها تسع سنين حسب قول الأطباء، إلا أنها كافحت مدة تزيد عن العقدين ليبقى «محمود» يتنفس ــ كما تقول ــ وفي لحظة غادرة، سرق الموت سويداء قلبها 2005، تاركا لها الحزن والعجز والإيمان بما كتب الله. «أصعب ما يعيش المرء أن يكون أسيرا لفكرة الموت التي تلاحق أقرب الناس إليك، رغم ذلك سعيت بكل ما لدي من طاقة أن يبقى ولدي على قيد الحياة، مع إيماني بما اختار الله».

العودة
منعطف آخر عاشته إيمان يونس في ما بعد، عندما عادت للتدريس عام 2005، تزامن ذلك مع عودتها لفرقة «المصريين»، التي كانت قد تابعت مشوارها مع منى عبد العزيز كبديلة لها، والتي لم تستمر بسبب زواجها أيضاً. استمرت إيمان بالغناء مع فرقة المصريين مدة 9 سنين قدمت خلالها 75 حفلة في أنحاء مصر والعالم، معتمدين على مخزون الفرقة القديم والذي شكل حالة من النوستالجيا المتجذرة في وجدان المصريين. في سبتمبر/أيلول من العام الفائت غادرت إيمان الفرقة معللة ذلك بأن العمل بات أكثر إجهادا لأعضاء الفرقة، فالزمن تغير ومعايير التذوق الفني تغيرت، ما جعل التسويق أمرا صعبا. أرادت إيمان الخروج من جعبة هاني شنودة كي لا تبقى حكرا للفرقة كما عرف عنها خلال مشوار عملها.
تستمر إيمان يونس في تدريس «الفوناتك» أي «تمرينات الإلقاء والأداء للمذيعين» في شركة ستارز كومباني لصاحبتها مروة جبريل، إلى جانب تدريسها «الفوكاليز» أي «تمرينات الصوت للمغنيين» في بيتها، إلى جانب ذلك تؤدي بعض الأعمال منفردة كتترات المسلسلات والأفلام، وتوشك الدخول في تجربة التمثيل الدرامي والسينمائي خلال الموسم القادم، رافضة الإفصاح عن تفاصيل لأنها لم تتخذ قرارا بعد. تؤكد إيمان أنها في طور تشكيل فرقة غنائية تحوي أصواتا شابة ومتنوعة «ميترو وسبرانو»، مشيرة إلى إعجابها ببعض الفرق الموسيقية الرائجة في الوسط الفني منها «كايروكي»، «وسط البلد»، «مسار إجباري»، «سلالم»، إلا أن فرقا تزامنت مع ثورة يناير/كانون الثاني وحصرت أغانيها فيها ما جعلها تخبو بعد حين، لأنها لم تتسع وتكون أكثر شمولية حسب قولها.
الحماس والحيوية والثقة عنوان المرحلة المقبلة من حياة إيمان يونس، معتمدة على إمكاناتها الفريدة وصوتها الذي يصدح فيرسم النشوة في المسامع. لعلّ الأيام تعوض ما فاتها وتحقق أحلامها التي عانق كِبَرها السماء، وكسر بعضها الواقع، إلا أن الموسيقى تبقى عالمها الذي لم ولن يخذلها يوما، كيف لا وهي التي لطالما غنت للإنسان «في حاجات كتير بين إيديك.. الكون أسرارو عايشة بيك، والشمس الصبح بتناديك..ابدأ من جديد».

المصدر: السفير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى