فيلم «نوّارة» للمخرجة هالة خليل: «ربيع» ثورة 25 يناير و«خريف» المصريين

الجسرة الثقافية الالكترونية

 

محمد عبد الرحيم

بعيدأ عن الصخب الذي اتسمت به الأعمال الفنية، والسينمائية بوجه خاص، عن ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني 2011، وبعيدأ عن البحث عن أسباب قيامها وآثارها، أو وجهة النظر الباحثة عن مآلها، من حيث النجاح أو الفشل، يأتي فيلم «نوّارة» لمخرجته ومؤلفته هالة خليل.
الفيلم يُجسد حلم الفقراء ودور هذه الأحداث في محاولة الاقتراب من تحقيقه، فقط ليعيشوا كمخلوقات في حياة بالكاد تليق بآدميتهم. وبما أن الفيلم لا يبحث عن الأسباب، قدر ما يعكس ما نعيشه الآن بالفعل، فهو ليس مُطالب بتقديم تحليلات أو وجهات نظر سياسية صريحة، اللهم إلا انعكاس ما حدث على حياة شخصيات الفيلم، وعالم الشخصية الرئيسة، التي يحمل اسمها الفيلم. الفيلم بطولة منّة شلبي، أمير صلاح، محمود حميدة، رجاء حسين، أحمد راتب، شيرين رضا، وعباس أبو الحسن. تصوير زكي عارف، مونتاج منى ربيع، ديكور هند حيدر، تأليف وإخراج هالة خليل.

نوّارة

فتاة من الفئة التي تعيش تحت خط الفقر (منّة شلبي) كأغلبية المصريين، تسكن غرفة في إحدى الحارات الشعبية العتيقة، مرتبطة بشاب من جيرانها (أمير صلاح)، وتعيش مع جدتها (رجاء حسين)، عجوز مريضة تتحايل على الحياة وتنتظر موتها. هذا هو عالم الفتاة إذن، وحتى تتم المقابلة بين هذا العالم وعالم الفئة العليا في المجتمع، فستكون مهنة الفتاة خادمة في بيت وزير سابق (محمود حميدة) وعضو الحزب الحاكم في عهد مبارك، وزوجته (شيرين رضا).
تبدأ الأحداث بالبحث عن أموال مبارك المُهرّبة، ومحاولات الاستقصاء عنها وعن أماكنها، واللعبة الوهمية التي أصلها الإعلام وضخمها في نفوس المصريين، كمحاولات استرداد الأموال من الخارج، وتوزيعها على الشعب، وكان من جرّاء ذلك المناداة بتوفير محاكمة عادلة لمبارك وعائلته ورفاقه، بهدف لعبة الاسترداد هذه، وقد انطلت على الجميع، فلا أموال عادت ولا المخلوع تم سجنه. في هذه الجو المضطرب تعيش نوّارة، وتفر أسرة الوزير السابق إلى الخارج، ويتركون المنزل في رعاية نوّارة، التي تربّت مع هذه الأسرة، فهي سليلة خادمة للأسرة نفسها. وتتحول مدينة الأضواء هذه ــ أماكن سكن أثرياء مصر ــ إلى مدينة أشباح، فالكل سافر خوفاً من القبض عليه، خاصة بعض القبض على مبارك ونجليه.

علي

نوّارة معقود قرانها على علي، لعدة سنوات، وفي انتظار توفير حجرة صغيرة لإتمام الزواج، علي يعمل في محل والده، حيث يقوم بإصلاح الأجهزة الكهربائية، والده المريض الذي يلقونه في المستشفى الحكومي، مكوّماً على الأرض او مُختبئاً في دورة المياة، لعدم توافر سرير للعلاج، وهو ينتظر إجراء عملية جراحية. وعلي يُعارض عمل نوّارة كخادمة، خاصة وأنها أصبحت تقيم بمنزل مخدوميها، حماية له وطرد شائعات هروبهم خارج مصر.
علي بدوره يمثل جانباً آخر من شكل الحياة في مصر، ويُشير إلى منظومة العلاج الحكومي وفسادها، وأنه لا قيمة للمواطن، والمرضى يفترشون أرض وطرقات المستشفى الأشبه بالسيرك، أكثر منه مكاناً للعلاج. جدة نوارة ووالد علي، جيل انتهى مريضاً لا يجد حتى فرصة الموت بكرامة، ويبدو أن حلم الفتاة والشاب بعيداً في ظل هذه الظروف. يلجأ علي لشراء جهاز تلفزيون مسروق، وتعنفه نوّارة، وهو يبدي أسبابه فلا يوجد عمل من وقت الثورة، والكل يسرق الآن، وهذا حق! لكنها يقاومه بالأمل ــ كما يذيع الإعلام ــ بأن الأموال ستعود، وأن كل مواطن سيحصل على ما يُقارب المئتي ألف جنيه.

فليكن حلماً

نوّارة بمفردها في مدينة الأثرياء/الأشباح الآن، يزورها علي للاطمئنان عليها، وبعد ممانعة منها من إتمام الزواج في هذا المكان. يقوم علي بسرقة ساعة حائط، ويمضي، وبعدما توحي إليه بمعرفة السارق، يُعيدها مرّة أخرى، هنا تحاول الفتاة أن تتواصل معه، وبالفعل يتعرّف كل منهما على الآخر، ويعيشان لحظات مسروقة في مثل هذا المكان، وكأنهما في حلم.
ويستفيق الجميع صباحاً، فالبوليس يحضر ويتحفظ على البيت وما به، ويفتشون نوّارة التي تركت لها مخدومتها مبلغاً من المال ــ 20 ألف جنيه ــ على اعتبار أنه هدية زواجها، لكنه في الحقيقية نظير البقاء في البيت. ويتم القبض على نوّارة في النهاية.

منطقية الأحداث

يُحسب للمخرجة ومؤلفة الفيلم في الوقت نفسه أنها جعلت من أحداث الثورة أحداثاً خلفية لحياة نوّارة وما تعانية كل يوم، من رحلتها من منزلها وحياتها المؤجلة على الدوام، وهي ترى ما يحيطها في بيت رجال السُلطة ورفاقهم. إلا أن التأكيد والتكرار على مفارقة حياة الشعب وحياة حُكامه أو المتحكمين بمصيره، جاءت زائدة، وضاغطة على إيقاع الفيلم. أما شخصية علي الذي يسرق ويعود في لحظة تصالح مع نفسه ومع الفتاة، خاصة أنها تعرّضت للضرب والإهانة من شقيق صاحب البيت (عباس أبو الحسن)، وهو مشهد غير مُبرر على الإطلاق، بحجة أن الأخ هرب وترك شقيقه لمصيره، وأهل القرية التي أعطته أصواتها في الانتخابات ـ وقد قام بتزويرها الشقيق، وأخذ أراضيهم عنوة ـ يريدون الانتقام منه الآن! مقولات تقريرية، لطالما ترددت في الصحف والفضائيات عن رجال عصر مبارك، إلا أنها جاءت في حوار مُتعل على لسان شخصية شقيقه، وهذا ما لا تعرفه السينما.
وتحت ضغط هذا الحادث، تترك نوّارة نفسها لرغبتها ورغبة زوجها ــ الذي لم يعد زوجاً على الورق فقط ــ ويتعايشان وكأنهما في عالم آخر!
مسألة الافتعال هذه تبدو من بداية تأسيس العلاقات بين الشخصيات، بين محاولة الوجود والنظر عبر عالمين مختلفين، أبناء السلطة وأبناء الفقراء، أو الفئة المغلوبة دوماً على أمرها، فلا ثورة حققت شيئاً، ولا حتى الحلم أصبح صالحاً للاستهلاك. لك أن تتنبأ منذ البداية بفكرة اللعب من خلال هذين العالمين، لذلك جاءت المقابلات بينهما تكرارا بشكل أو بآخر، لا جديد فيها… محاولات إيصال المياة إلى بيت نوّارة، وحمّام السباحة بالفيلا، وري الأشجار وغسل السيارات. الحجرات والتحف والطراز المعماري للمكان، وكذلك الحارة ودروبها الضيقة، والحجرات التي أصبحت تحت الأرض، وغيرها من الصور المعتادة والمقارنة الدائمة بين العالمين.
فالفيلم في النهاية يتأسى لهؤلاء وأحلامهم، ويتوقف عند هذه النقطة، من دون أن يتعداها ليكون فيلماً ثورياً، فإن كانت الثورة لم تحقق ــ حتى الآن ــ ما قامت من أجله، إلا أن الفن يستطيع تقديم محاولة ولو متواضعة عن حِس ثوري لا ينتهي، وهو ما لم يتحقق.

المصدر: القدس العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى