لبنان بعلبكي.. الموسيقى الشرقية تقوقعت

الجسرة الثقافية الالكترونية

 

فاتن حموي

يرى قائد الأوركسترا الفيلهارمونية الوطنية اللبنانية لبنان بعلبكي أنّ الموسيقى ذات أعماق معرفية كبيرة، فيها الهندسة والحسابات والفلسفة وتضم كل العناصر المعرفية والجمالية، «لطالما كان هناك شعور داخلي وفضول ينادياني دوماً لأعرف أكثر عن الموسيقى».
بدأت علاقة بعلبكي بالموسيقى منذ السابعة من عمره، كيف لا وهو نجل الأديب والرسام والنحات عبد الحميد بعلبكي وشقيق الفنانة سمية بعلبكي. يسرد بعلبكي حكايته مع الموسيقى في حديث خاص لـ «السفير» قائلاً: «أحضرت سمية عوداً وبيانو إلى البيت عام 1987 وكنت أحمل العود ويعتريني الخوف كي لا أكسره، وشعرت شقيقتي بولعي بالموسيقى، كانت الفترة آنذاك مليئة بالأزمات والتهجير، ولم يكن هناك اهتمام بموهبتي كونها باطنية وليست كالغناء موهبة ظاهرة، إلا أنّ العائلة تنبّهت لهذه الموهبة من خلال شقيقتي، وكان أن انضممت العام 1993 إلى المعهد العالي للموسيقى لتعلّم البيانو ومن ثم الكمان، وانقطعت عن المعهد العام 2000، أردت دراسة الموسيقى لا غير، ثم تلقيت دروساً خصوصية، وبعد ذلك سافرت إلى رومانيا في العام 2003 لتعلّم قيادة الأوركسترا، وحزت شهادة الليسانس عام 2009 من المعهد الوطني الموسيقي، ومن ثم حزت شهادة الماجستير في الفنون من الجامعة الوطنية للموسيقى في رومانيا».
يعتبر بعلبكي أنّ المايسترو بترو سبارسيا الذي درس معه له كبير الأثر في حياته الموسيقية، «لقائي مع هذا الإنسان المليء بالموسيقى كان له كبير الأثر في حياتي، هو اليوم في الخامسة والثمانين من عمره، وهو السبب في بقائي في رومانيا لدراسة الأوركسترا والتأليف الموسيقي، لأنّ هذه الدراسة هي الأفق الأقصى في الموسيقى الكلاسيكية السيمفونية، ولأنني شعرت أنني تطوّرت وتخمّرت بالموسيقى الشرقية وعلاقتي بها مستمرة والعود لا يفارقني».
احتضنت رومانيا موهبة بعلبكي حين كان على مقاعد الدراسة بسبب تميّزه وأصبح في مصاف الطلاب الأساسيين، وعمل بين قادة الأوركسترا، وها هو اليوم يتحضّر لمناقشة رسالة الدكتوراه الشهر المقبل، وهي تتمحور حول الموضوع النفسي في قيادة الأوركسترا.

مؤلفات لبنانية
أمّا عن العودة إلى لبنان فيقول بعلبكي: «دُعيت لإحياء حفل في العام 2012 وكان حنا العميل مدير الكونسرفاتوار بالإنابة آنذاك، وتمّ الاتفاق معه على قيادة الأوركسترا الفيلهارمونية، وتسلّمت الفرقة في كانون الأول من العام 2013، وبتّ أقدّم عدداً من الحفلات الموسمية وقدّمت حفلات مع الأوركسترا الشرق عربية منها مع الفنان شربل روحانا العام الماضي، ومع عبير نعمة بداية هذا العام». يصرّ بعلبكي على تقديم مقطوعات موسيقية لمؤلفين لبنانيين في كلّ حفلاته في لبنان وخارج لبنان، وقد قدّم أخيراً حفلاً في رومانيا حيث قاد أوركسترا راديو بوخارست داعياً ثلاثة فنانين لبنانيين للمشاركة هم الفنان مرسيل خليفة الذي عزفت له الأوركسترا مجموعة من أعماله الموسيقية، الفنانة عبير نعمة حيث قدّمت ثلاث أغنيات، وعازف الإيقاع الفنان سلمان بعلبكي، إلى جانب تقديمه السيمفونية الأربعين لموزار، «التجاوب كان رائعاً مع الجمهور، وعرض الحفل عبر شاشات التلفزيون وعبر الإنترنت كون الأوركسترا هي من المستوى الأول في أوروبا وقوبلنا بحفاوة بالغة من الحب والاحترام».
عمل بعلبكي في المعهد على تأسيس أوركسترا للطلاب، «علينا الاهتمام بالجيل الناشئ إذا كنا نريد الاهتمام بالموسيقى وتطويرها، ونحن قادرون على الوصول إلى مصاف الموسيقيين العالميين، لا شيء ينقصنا سوى الاهتمام بمواهبنا بجديّة».
وعن قيادة فرقة الفنانة ماجدة الرومي الموسيقية يقول بعلبكي: «بدأت العلاقة مع الرومي حين قدّمنا ثلاث حفلات لمناسبة عيد الميلاد العام الماضي وأصبحت القائد الدائم في كلّ حفلاتها. العلاقة معها قائمة على النقاشات المستمرة والتحضير للحفلات المقبلة عبر وضع موسيقى جديدة وألوان وأحاسيس جديدة»، هذا وغادر بعلبكي مع الرومي إلى الجزائر لإحياء حفلات عدة أولّها على مسرح قسنطينة في 13 من نيسان الحالي ثم في الخامس عشر في العاصمة الجزائرية.

الموسيقى الشرقية
يرى بعلبكي أنّ الموسيقى الشرقية تقوقعت في مكان ما ولم تخرج منه، بينما الموسيقى الغربية سبقتنا لأنّها تطوّر لموسيقى الشعوب، أتت الموسيقى تاريخياً من الصين إلى الهند ثم أخذها العرب وفيها الكثير من التأثيرات الهندسية، ثم أخذها العرب إلى المغرب ووصلوا بها إلى الأندلس، وبعد ذلك أخذت الموسيقى أبعاداً أخرى بعد دخولها إلى أوروبا. هذه الموسيقى لها جذور شاركت فيها كل الشعوب وانطلقت مع نظريات زرياب والفارابي وطوّرها آخرون عبر تطوير الآلات الموسيقية وعبر نشرها من خلال المغنين الرحّالة في أوروبا».
يهدف بعلبكي إلى التركيز على قيادة الأوركسترا وتوسيع دائرة نشاطاته خارج لبنان ويتابع ورش عمل موسيقية. «أرسم طريقي وأحقّق رؤيا وهدفاً من خلال تطوير نفسي». يشعر بعلبكي بالارتياح لما يقدّمه، وعن رؤيته للمعهد العالي للموسيقى يقول: «يعتبر المعهد أول علاقة موسيقية لي، وأفكّر بمسرح خاص للمعهد، وبمبنى نموذجي لهذا الصرح لا يكون بالإيجار، وأحلم برؤية شباب لبنانيين في الأوركسترات الغربية، وأن يكونوا معروفين في العالم أجمع، وعلى المدى البعيد أحلم بأن أترك نتيجة حقيقية لما أقوم به من خلال الموسيقى وأن يترك عملي بصمة حقيقية ومميزة».

المصدر: السفير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى