سلوى محمد علي… الانتظار يصنع الفنّان

الجسرة الثقافية الالكترونية

وئام يوسف

التفرد والجِدّةُ والتنوّع أكثر ما يميّز سلوى محمد علي، الفنانة التي أتقنت حرفةَ التمثيل من خلال امتلاكِها لأدواتٍ ومفردات جعلت لاسمها بصمة خاصة في وجدان المصريين، من دون أن يتصدر أفيشات الأفلام أو تترات المسلسلات. زادُها الثقة والكثير من الصبر والانتظار لسنواتٍ خلت. كان شعارها خلالها «الانتظار هو أكثر ما يفعله الفنان، شرط ألا تهرم الروح».
تختار محمد علي أدوارها برزانة وتروّي، باحثةً عن التجديد مع الحرص على الابتعاد عن النمطية والتكرار، ربما لذلك اكتفت بمشاركة واحدة خلال الموسم الرمضاني القادم، مسلسل «الخروج» إخراج محمد جمال العدل. تؤدّي في العمل دوراً يحمل الجديد والمختلف حسب قولها، مضيفة لـ «السفير» أنها تفضل ألا تتحدث عن الشخصية تاركة إياها تروي حكايتها خلال عرض العمل.
تنتمي سلوى محمد علي إلى ممثلي الصف الثاني الذين يشكلون حسب الجمهور والنقاد ثِقَل العمل الفني. كثيرون من المخرجين المحليين (فطين عبد الوهاب، صلاح أبو سيف، عاطف الطيب)، والعالميين (كوينتن ترانتيونو)، يركزون على ممثلي الدور الثاني بل ويتنقلون معهم من عمل لآخر. «تاريخ السينما المصرية حافل بأسماء ممثلين من الدور الثاني الذين أفخر بالانتماء لهم، فهم على درجة عالية من الإتقان جعلتهم محفورين في ذاكرة المصريين حتى الآن، فمن ينسى شفيق عز الدين وتوفيق الدقن في فيلم «مراتي مدير عام»، وحسن مصطفى وعادل إمام في فيلم «أضواء المدينة»». تقول الممثلة المصريّة إنّ تاريخ السينما خلّد عبارات لممثلي الدور الثاني لا تزال تتردد على الألسنة حتى اللحظة. «كيف لنا أن ننسى الفنان حسن البارودي عندما يقول «وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم» في فيلم «الزوجة الثانية» للراحل صلاح أبو سيف، وعبارة «نشّنت يافالح» على لسان الفنان استيفان روستي في فيلم «حبيبي الأسمر» إخراج حسن الصيفي».
تؤكد أنّ الممثل الحق هو الذي تمتلك روحه القدرة على الابتعاد عنه خطوات، كما عين الرسام، لتراقب أداءه وتتابعه وتعدله، ما يجعل الروح «كائناً آخر يرى ويطير ويصلح العمل، وهذا هو جوهر التمثيل وما يميزه عن باقي الفنون كالرقص أو العزف وغيرهما». تستذكر أداء أحمد زكي المتقن لمشية جمال عبد الناصر بالرقبة المعوجة قليلاً في فيلم «ناصر 56»، «من أجاد ذلك الأداء البارع إلا تلك النفس والروح التي ترى العمل بعين أخرى؟» تأخذ بعين الاعتبار أهمية المخرج الذي يضع الممثل في السياق المناسب، والمؤلف الذي يكتب سيناريو ناطق بالإحساس وقادر على إحياء الشخصيات.
تحاكي سلوى محمد علي الشخصية طوال الوقت خلال قراءة النص، وهنا تستعين بأسطورة لتسقط عليها كيفية تحضيرها للشخصية. تقول الأسطورة إن «فتاة فقدت حبيبها فطُلبَ منها البكاء لأن الدموع ستعيد تكوينه من جديد»، كذلك أثناء قراءتها للنص، ترى الشخصية تُخلق أمامها، لتفكر في جميع تفاصيلها ومشاعرها وحركاتها وتعابيرها في كل الأوقات. «يسيطر الدور عليّ كما يستحوذ الحب على تفكير المحبين، فيأخذني طوال الوقت وأفكر حتى في كيفية قول العبارات والكلمات». بينما في أوقات الفراغ و»لا وقت فراغ لدى الممثل» كما تقول، فتستهلك الوقت في تأمل الآخرين، الناس في الطريق، الباعة في المحلات، الأصدقاء في الحفلات، تدقق في تفاصيلهم وتعابيرهم ومبرّرات اختيارهم سواء للباسهم أو طريقة مشيتهم أو تعبيرهم. تختزل محمد علي كل هذه النماذج البشرية في أدوارها لاحقاً، عندما تخلق من الدور كائناً جديداً وعظيماً احتوى كلّ من مرّ سابقاً. «الواقع الفني هو إعادة تشكيل واختزال للواقع الحقيقي، بذلك تكون الشخصية ليست من الواقع، لكنّها حقيقيّة». شاركت سلوى محمد علي حديثاً في فيلم «حرام الجسد» الذي صدر نهاية آذار الفائت في الصالات المصرية، من تأليف وإخراج خالد الحجر. تلك المشاركة الثانية لها مع الحجر بعد مسلسل «شمس» في العام 2014. أحدث الفيلم ضجة واسعة لدى الجمهور بسبب جرأة الطرح التي تحكي الشهوة (الجسد والمال)، في ظل قصة حب محرمة.
سبق «حرام الجسد» مشاركاتٌ كثيرة لسلوى في السينما المصرية منها «أحلى الأوقات» (2004) مع المخرجة هالة خليل، و «احكي ياشهرزاد» (2009) ليسري نصرلله، و «بنتين من مصر» (2010) إخراج محمد أمين، «عشم» (2013) لماغي مرجان، «فتاة المصنع» (2013) إخراج محمد خان. وفي المسرح كان لها عتبة أخرى مع عدد من مخرجي المسرح المصري والعربي منهم أحمد عبد الحليم، وجلال الشرقاوي، ومحمود اللوزي، وروجيه عساف، جواد الأسدي. ولا يغيب عن أحد الأدوار المميزة التي قدمتها في أعمال درامية عدة كان أهمها «الخواجة عبد القادر» (2012) إخراج شادي الفخراني، «ذات» (2013) إخراج خيري بشارة وكاملة أبو ذكري، «سجن النسا» (2014) إخراج كاملة أبو ذكري، «امبراطورية مين» (2014) إخراج مريم أبو عوف، و «حارة اليهود» (2014) إخراج محمد جمال العدل، و «طريقي» (2015) إخراج محمد شاكر خضير.
بدأت سلمى محمد علي في مجال التمثيل في العام 1997، مع برنامج «عالم سمسم» النسخة المصرية من برنامج الأطفال الأميركي الشهير «شارع سمسم». أدّت دور الخالة خيرية التي باتت مع العرائس (نمنم وخوخة وفلفل) جزءاً من حياة الطفل المصري لما قدموه من مواد ترفيهية وتثقيفية ممتعة.
بعد «عالم سمسم» دخلت سلوى عالم «ديزني» العربي لتقدم شخصيات عّدة جعلت صوتهاً عالقاً في ذاكرة المشاهد، فأدّت دور الشخصيّة الشريرة نفيسة في الفيلم الشهير «سندريلا»، والقطة دوقة في فيلم «قطط ذوات»، ومدام ميدوزا الشريرة في فيلم «المنقذون». وفي فيلم «حكاية لعبة» قدمت شخصية والدة أندي مسز ديفز، والملكة إلينور في فيلم «أسطورة مريدا». عالم سمسم هو الذي عرفني بالناس وجعلني جزءاً من يوميات أطفالهم، في حين كان الكرتون مدرسة كبيرة في الأداء، خاصة أنني دبلجت شخصياتٍ قدمتها أسماء لامعة في عالم الفن، فضلاً عن المتعة غير المتناهية التي حققتها في ذلك».
ترى سلوى محمد علي أن الممثلين نوعان، أحدهما كالقنبلة التي تنفجر محدثةً ضجّة هائلة وما تلبث أن تنطفئ إلى غير عودة، والنوع الآخر كالـ «جرثومة»، تتسلل بهدوء وببطء لكنّها أكثر تأثيراً من غيرها، وهي تنتمي إلى هذه النوع. لطالما دأبت على العمل لسنوات عدة فكان من الطبيعي أن يثمر ذلك اسماً برّاقاً لا يشبه سواه، محققة مقولة المخرج والممثل الروسي قسطنطين ستانسلافسكي «لا توجد أدوار صغيرة بل يوجد ممثلون صغار».

المصدر: السفير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى