«باتمان ضد سوبرمان».. آلهة مزيَّفة تواجه بشراً مزيَّفين

الجسرة الثقافية الالكترونية-خاص-

 

علي زراقط

«باتمان ضد سوبرمان: فجر العدالة»، حيث يمكن لمحبّي الكوميكس أن يخرجوا من الفيلم وهم يصرخون «خيانة!». تبدأ خيانة من كاست التمثيل، الموسيقى ومشاهد العنف غير المبتكرة، وتستمر في تشويه صورة العالم الخيالي للشخصيات، والزجّ بعدد لا متناهٍ من الأزمات الراهنة في صلب البنية الخيالية لأسطورة البطلين، مما يجعلها بنية هزيلة مشوّهة ومفتعلة.
يحاول الفيلم أن يربط بين عالم الأبطال الخارقين وعالم اليوم. يتدخّل سوبرمان في أفريقيا في سياق حرب أهلية، فيما يدقق باتمان في عملية تصنيع لسلاح غير تقليدي في سياق من الإرهاب المعولم، كما تحيلنا مشاهد تهديم الأبنية في المدينة إلى انهيار برجَي مركز التجارة العالمي في نيويورك. عدا عن كون الفيلم يلفّق هذه المواضيع تلفيقاً بلا إدماج في بنية السرد، فإنه يقترح عالماً مختلفاً تماماً عن الذي يعرفه هواة الكوميكس المتحيّزين منهم إلى غوثام، أو إلى ميتروبوليس. لطالما كانت غوثام مدينة آثمة، تقع على الحدود بين الفضيلة والخطيئة. لذلك ولد لها بطلها الخاص الذي يشبهها. بطل بلباس أسود، بصوت أجشّ ومخيف، خفيّ ولا ثقة كبيرة له بالبشر. بروس واين/باتمان، وجهان لشخصية باتولوجية واحدة مليئة بالتناقضات والطيات النفسية. في المقابل كانت ميتروبوليس مدينةً سعيدة لا يعكر صفو هنائها إلا قلة من الأشرار. مدينة الخير فيها بيّن والشرّ بيّن. بطلها يشبهها، سوبرمان، شاب وسيم وطيب القلب، يبتسم للأطفال ويراعي العجزة. هذا البطل القادم من السماء، يخفي حقيقته الخارقة في ملابس كلارك كنت، الشاب الريفي القادم إلى المدينة بطموح صحافي يتعارض مع خجله المفرط. التناقض بين باتمان وسوبرمان، واضح وجليّ، كذلك هو التناقض بين غوثام وميتروبوليس. فما الأمر الذي اختلط على صنّاع الفيلم، ليقدموا لنا هذه «المخلوطة»، حيث لا نكهة أو طعم للمكان والمساحة المتخيّلة؟!
كتيبة النجوم التي تقود الفيلم في شباك التذاكر، لا تقدّم المساعدة في إضفاء النكهة عليه. إذ يظهر باتمان (بن أفليك) بلا أي بُعد تراجيدي ومجرداً من أي تاريخ من الألم. في المقابل يبدو هنري كافيل (بدور سوبرمان) كسائح ينتظر التقاط صورة فوتوغرافية له بالبزة الزرقاء الشهيرة. فيما يحاول جيسي أيزنبرغ (بدور ليكس لوثر) جاهداً تقليد العظيم هيث ليدجر (في دور الجوكر في فيلم فارس الظلام) مما يفقد الشخصية الكثير، تكتفي أيمي آدامز من «لويس لاين» باسمها، فلا نار في عينيها تستطيع أن تذيب قلب الرجل الفلاذي. الوحيدان اللذان قد ينجوان بدورهما في فيلم مثقل بالنجوم، هما جيريمي أيرونز في دور «ألفرد» (راعي باتمان) ولورنس فيشبورن في دور رئيس تحرير صحيفة «الكوكب».
فيلم مثقل بالنجوم، المؤثرات، والموسيقى الصاخبة، إلا أن أكثر ما يثقله هو هذا الإلحاح الهوسي بالتأكيد على أن الصراع بين باتمان وسوبرمان هو تمثيل للصراع بين البشر والآلهة. الكثير من الدلالات والتصريحات يحملها الفيلم على مدار أكثر من ساعتين ليؤكّد ذلك: امرأة أفريقية تشهد أن سوبرمان «لا يستجيب لأحد حتى للربّ»، إلى تصريح ليكس لوثر أنها مواجهة «الليل ضد النهار، الأسود ضد الأزرق، الإنسان ضد الإله»، إلى قول ليكس نفسه أن «الشياطين لا تأتي من جهنم في الأسفل، بل هي تأتي من السماء». هذا الهوس بالمادة الإلهية، يذكّرنا بالصراع بين «ليونيداس» ملك أسبرطة، و»كسيركيس» (خشيارشا) ملك الفرس في فيلم «٣٠٠» للمخرج نفسه زاك سنايدر.
التماهي بين الموقفين مدهش إذا ما قارنّا المعركة وساحتها في الفيلمين. يقوم باتمان باختيار مكان المعركة، يجهّزها بطريقته، ثم ينتظر أن يأتي سوبرمان إليه، متسلّحاً بالقوة البشرية، مدعومة بالحيلة والذكاء، لمواجهة القوة الخارقة شبه الإلهية للمخلوق الفضائي. هذا ما فعله «ليونيداس» ملك اسبرطة في فيلم «٣٠٠»، عندما اختار مكان معركته في ممر ضيق، ليستخدم الحيلة والقوة البشرية بمواجهة وحوش الفرس وجيشهم اللامتناهي. في هذا الصدد يقول ليونيداس ملك سبارتا «سيعلم العالم أن رجالاً أحراراً وقفوا في وجه الطاغية، أن قلة وقفت في وجه كثيرين، وقبل أن تنتهي هذه المعركة، سيعلم أن حتى هذا الملك – الإله سوف ينزف!». في المقابل وبعد أن يمطره بالكريبتونايت الأخضر، يقول باتمان متوجّهاً بالكلام إلى سوبرمان «أنت لست شجاعاً، البشر فقط يمتلكون الشجاعة!». وقد كان وجّه له الكلام سابقاً «هل تنزف؟ … سوف تفعل!».
هل هي مصادفة؟ أم أن باتمان ضد سوبرمان، هو الامتداد لسياق الحرب بين أشباه الآلهة (كسيركس ملك الفرس وسوبرمان الفضائي) وبين البشر (ليونيداس وباتمان)؟

المصدر: السفير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى