هنري ميشو.. المعرفة عبر الهاويات

الجسرة الثقافية الالكترونية

ت: رجاء الطالبي

بالنسبة لجيل سوبرفييل كان هنري ميشو “أمير الفرادة”، فقد شيد ميشو أسطورة الشاعر المنعزل عن العالم، الانطوائي، ناشر الغضب والعزلة، منسحبا من العالم ومن فخاخه، لا يريد سوى أن يكون شبحا يعبر، يحول آلامه إلى قسوة.

كان يقول عن نفسه “إنه رياضي المعاناة”، كان يريد أن يجعل من كتابته القوية حفلا لطرد الأرواح الشريرة، بينما كانت تهفو كتابته إلى جعل مسافة بينها وبين كل القوى المحيطة للعالم العدو، كان محاطا بحيوانات عجيبة، بقبائل غريبة، شكل مع موريس بلانشو الكاتب الأكثر سرية واختفاء في زمننا هذا.

حاليا أصبح ميشو تمثالا لقائد الشعر المعاصر، محرجا ومجمدا بعنفه، محنطا في الحماسة الأدبية وفي مجموعة من الدراسات التي خصصت له.

لا يجب ترك هذا الشاعر ميتا بين الأموات، بقراءتنا لشعره كل يوم فإننا نقوم باختياره من جديد، نكلمه، هو رجل ” الحزن الكبير والرغبة الكبرى”.

لايمكننا أن “نتحرك كما كان يتمنى بعيدا” عن كتاباته، إنها هناك حاضرة، وجها لوجه، لا يمكننا إلا بالمجازفة ببعض الإضاءات.

جازف ميشو بالقيام بسفر محفوف بالمخاطر نحو أعماقه البعيدة، من الآثار المكتوبة إلى الحركات الهذيانية لفرشاته، أبحر ميشو نحو المجهول، تاركا دائما علامات، آثار، وهيروغليفيات معتمة للعوالم الأخرى، معلما طرقه ببقع، بأصداء، بيأس عابر مرايا الحلم ليعرف أنه لايزال حيا، باحثا دائما عن المطلق.

تمنح حبرياته الصينية ونصوصه القبض أفضل على هذا الإبحار في الغريب، خارج الحدود المعروفة للأشياء وللناس.

لاشيء يشبه الواقعي في قصائده اللاذعة أو دفاتر سفره نحو اللامسمى.

“مشاهد الحياة وليس سطح الأرض، مشاهد كالغطاء الذي نسحبه على رؤوسنا”.

رسم هنري ميشو مغامرة للعلامات، طقسا للحركات، احتضارا للعقل في كل معارك الانبجاسات، هو الذي كان يقول إنه ولد مثقوبا، محكوما عليه بالموت بسبب مرض القلب، يحيا دائما على حافة المهاوي.

سيبحث في الأسفار، وفي حضارات أخرى، في المخدرات، عن وجه الغريب في ذاته.

مسافر في عدة أسفار بدون حقائب، كان يبدو أنه ينتظر أن تتوقف حياته، هو المجنون، المتردد، المقصي بيننا، المتهور.

مصدوما حتى الطعن من خيانة العالم الواقعي، الذي لا يمنح إلا الأكاذيب، والأوهام الفاتكة بأسلحة اللاعقل، والكلمات المجنونة، سيقود معركة بالأدب وبالتشكيل.

ستنبثق من أعماقه وحوش وسحر، منه وفيه، لأن وحده المتخيل يمكن أن يساعده على الحياة في هذا الخارج الذي سوف يعرّض له فضاء الداخل، المسكون بالأحلام، بالأحقاد وبأسلحة حادة من أجل الانتصار على اللامحتمل.

ليس العالم المزعج لكافكا، لأن ميشو يحارب بكلماته “سعفات نخيل الناس” لا يستقيل، هذا لاينفع، بل يشوه.

يرتاح بيننا الآن، ثائرا، “بين الأذرع المطبقة للرغبات المتعطشة دوما التي ستضحى ذاكرته” مشرع جناحه، يتهاطل وابل كلماته العنيفة، لكن الأفق يتراجع بفضله.

لم يتمكن ميشو من التحرر من أسحاره الخاصة، مشى طويلا في تلك المشاهد، ثم أغلق عليه داخل عزلته كما بين فترتين للألم.

“عندما لا أتألم، حين أجدني بين فترتين للمعاناة، أحيا كما لو لم أكن أحيا بين السماء والأرض”.

يوجد ميشو في حرب دائمة ضد العالم ووحوشه التي تريد أن تقضي عليه، هو الرجل الصغير المواجه لليل المرعب.

تشكل كتابة ميشو نوعا من الفيض، العنف، والكراهية “لموسيقى الآخرين” إن المحكيات التي يحررها ميشو عن أسفاره- الواقعية والخيالية- هي دائما محكيات للقاءات الرعب أو الحب، “انتقالات، وتحررات” للذات، “هناك الكراهية وهذا يكفي لئلا نأمل”.

أراد هنري ميشو أن ينصب الفقر كأسطورة مؤسسة من أعماق الإحساس، بتخلي السماء عن الشاعر تأتي قوة وضرورة الكتابة ومواجهة العالم وأشباحه.

حياة مثقوبة

من يترك أثرا يترك جرحا في مواجهة الأقفال، أبصق على حياتي، أنفصل، من يقوم بأفضل من حياته؟

بعد أن قام هنري ميشو بعدة أسفار واختبارات، أراد أن يختفي عن العالم، كما لو أنه مات عن العالم وكان لديه اشمئزاز من استحضار سيرته الذاتية، حتى وهو يعيش واحدة كان يملؤها بالأكاذيب وبمسارات زائفة.

كان انمحاؤه من العالم وعزلته المتكبرة وظهوراته كشبح، أحيانا، رفضه لأخذ صور له، لإذابة ومحو كل الصور عنه، فارضا ألا نلتقي به ليس في النكت عن حياته بل فيما كتب. هذه الكتب التي بمثابة موسى حلاقة تمزق عاداتنا، أيضا يجب احترام احتشامه وعدم استدعاء حياته إلا قليلا ما عدا بعض الخطوط العريضة.

يمكننا القول إن هنري ميشو قضى حياته في انتظار موته، بعد أن اكتشف منذ نعومة أظفاره تشوها في قلبه.

ولدت مثقوبا

تصفر ريح مرعبة

إنه ليس سوى ثقب في صدري

لكن ريحا مزمجرة تصفر فيه

آه! كم نعاني.

هي بعض الخطوط لاستدعاء حضوره مع عدم القدرة على الإحاطة بهويته وتحولاته، ميشو أو المشي ببساطة على حدود “داخله البعيد” مابين القلق الوجودي والفكاهة المتطايرة.

ولد ميشو في بلجيكا في 24 مايو/أيار 1899 في عائلة بورجوازية، كان طفلا منعزلا وهزيلا، يعيش في هامش عالم الطفولة محتميا بالقراءة، كان لا يحلم إلا بالهروب من شبابه، ومن بلجيكا، ومن دراسته.

سيسافر على ظهر سفينة كبحار ويسافر من سنة 1920 إلى 1921 حتى يصل إلى أميركا الجنوبية، ليعود إلى اليابسة ليكتشف صدمة لوتريامون، ما دفعه إلى الكتابة، ليرخي الحبل سنة 1924، متنصلا من ماضيه، مستقرا في باريس، مشجعا من طرف الشاعر سوبرفييل. ليبدأ في النشر وليبدأ في الرسم بالحبر الصيني، أوحت له اسفاره إلى الإيكواتور، وآسيا وإسبانيا والبرتغال بديوانيه “إيكوادور 1929″ و”متوحش في آسيا 1933”.

سافر سنة 1936 مع صديقه سوبرفييل إلى الأرغواي ثم الأرجنتين، تتابعت أعماله الكبرى: “ممتلكاتي 1929″، “ليل مشوش 1935″، “الداخل البعيد 1938″، “ريشة 1938″، “في مكان آخر 1948″، وديوانه الممزق: “الحياة في الثنيات 1949” الذي يضم “نحن الإثنان مرة أخرى” الذي أهداه لزوجته، ماري لويزتيرمي، التي ماتت في حريق سنة 1948.

ينشر مؤلفاته تباعا محاولا أن يكتشف عميقا ممارسته للكتابة والرسم، وسفرياته الداخلية موسعا حقل وعيه، سينشر “معجزة بائسة سنة 1956″، “اللانهائي المشوش”1957، “المعرفة عبر الهاويات”1961 بنيله الشهرة والاعتراف والتقدير اختار ميشو أن ينغلق على نفسه، رافضا الشهرة والجوائز الأدبية، هاربا من العالم، مع الميل لتهدئة نفسه، توفي بباريس سنة 1984.

استسلم يا قلبي

ناضلنا كثيرا

لتتوقف حياتي

لم نكن جبناء

قمنا بما في وسعنا.

ملاك العجيب، ملاك التاريخ

أعود إلى الجسور التي شيدتها بين الأشياء

والتي أفضلها على الأشياء.

كان ميشو معجبا ببول كلي بشكل عميق، وخصوصا سلسلة الملائكة التي رسمها في أواخر حياته وكان أيضا أحد ملائكة التاريخ والعجيب أيضا.

“من أجل الدخول إلى أعماله، لا شيء من هذا يهم، يجب فقط أن تكون المرشح، وأن تحافظ على الوعي بالحياة في عالم من الألغاز، حيث يفضل الإجابة بالألغاز.

يمكن اعتبار ميشو ملاك التاريخ الغاضب، سيفه نقمته “لم يخلق الغضب العالم، لكن الغضب يجب أن يعيش في العالم”، كان ميشو ملاكا للذم، ليس نبيا ولكن مفزعا، اكتسح هذا العالم “المجرح بالغياب”، والمسكون بالرديئين، بغضبه وببحثه اليائس عن ذاته العميقة:

نثقل على ذاتنا

نثقل على عزلتنا

نثقل على الضواحي

نثقل على الفراغ

نكنس ( كما حجر في البئر)

أمامي، مسربلا في صمت كبير، يحزنني، ويروعني، ويناضل بصمت من أجل استقلالي الذاتي (رؤوس، 1939).

قاده الصيد بشبكة المعرفة إلى حدود الغريب واللامسمى، مسافر أبدي، نحو الغريب، مرتابا من وهمية الخارج، مبدعا وهمه الداخلي، أكثر واقعية من الواقع، كانت تلك بلدان السحر، وهؤلاء الكائنات العبثية والمرعبة رفقاء طريقه، أما الباقي فكان يسجنه في حقائب، ليقضي عليه بشكل افضل، كما يريد هو أن يقاوم !

كان يتماهى مع الفراغ الذي كان يجعله مركز أعماله الشعرية، يبتعد بعيدا في أعماقه، في الهاويات المرة، فكاهته السوداء واليائسة، عنفه كان لا يمكنها أن تخفي عذوبته.

“لسنا مخلوقين لأنا واحدة التعب الكبير ليومنا وحياة مردهما إلى المجهول، وإلى التوتر الضروري للحفاظ على نفس الأنا عبر غوايات مستمرة لتغييرها”.

كان هنري ميشو رجلا مشتتا، ترك أعمالا مبعثرة تلامس أجناسا أدبية متنوعة: محكيات، أشعار، قصائد نثر، حكايات، اعترافات، يوميات، شذرات، كان هو نفسه يبدو مبعثرا في نثار كلمات، مقطعة مثله، كان نحيفا بقلب ضعيف، محاصر بحدوده وبنفسه القصير، دائم التجاوز لنفسه، ليست كتب ميشو مجرد مؤلفات بل هي نصوص مشتتة “بمثابة سرير ورقي ينام عليه”.

من سنة 1922 إلى 1984 شكلت كتاباته نوعا من التشنجات الداخلية” المرمية بدون ترتيب، وهو الرجل الحر الذي لا يتحمل أن يكون محبوسا في خزانة الحياة، أو في مجموعة تشكل كوكبة من الكتاب المرموقين، كان يكره كليا أن يقيم هكذا، هو الذي كان يريد أن يمحي آثاره يجد اليوم نفسه عاريا “لاشيء يفصلني عن الخارج، أنا تقريبا في الخارج”، لم يكن ميشو يلتقي بالجموع، كان خارج القطيع، عائدا إلى فضاء داخله “لست وحيدا مع نفسك”، كان يقول ميشو، “هناك أيضا نظرة الآخرين”.

يمتلك ميشو نظرة صافية عن أعماله، كان يعبر عن ذلك بقوله: إن الأعمال هي مجموع مسارات بخطوط متعرجة، كل مسار حساس، قفزات، هبوطات، صعودات، انحدارات ليست أبدا بالغامضة، دائما محسوبة… إعجاب أيضا بتلك المسارات، صعود، هبوط، ارتقاء لانهائي في المطلق (السفر الذكي الوحيد هو المطلق).

بالفعل كانت أعماله سلسلة من المسارات، من النفي، ودفعات نحو المستقبل، وانفتاحات للعبور.

إن ميشو الذي كتب “متوحش في آسيا” كان يريد أن يكون متوحشا في مواجهة عالم اليقينيات، والامثتالية والخضوع، ميزاته كانت تتجسد بالخصوص في تجربة المهاوي.

لم يكن ميشو يكتفي بتأمل العالم من أعلى برجه العاجي، بل كان يتدخل في الواقعي لتغييره، لكن انطلاقا من زمن ما في حياته، لم يعد يهرب إلى بلدان بعيدة ليفلت من ذاته، أصبح يواجه بسلاح الكتابة والتشكيل الهاوية والليل والرعب، متحالفة ليقضي عليها.

كان ميشو يعمل على تدمير مملكته، كان يستعمل حمض دعابته السمعية بدون حنان، قليلا كما كان كافكا لكن بدون ميول تراجيدية.

“تحت المنارة اللجوجة للخوف”، كان ميشو يتقدم بدون تردد، صافيا أو مستعينا بالمخدرات، كان يتعهد سباقه نحو الإبادة، الاختفاء، لا يترك سوى ظله بيننا وبينه.

كان خوفه من أن يداهمه التافه والوحوش قويا، كان ينغلق على نفسه أكثر وأكثر، وكان سؤال يسكنه على الدوام: “كم سيدوم كل هذا؟”.

كانت طريقه مأهولة بمخلوقات غريبة على طريقة الرسام جيروم بوش، كانت كلها تجسد استغرابه ورفقاء طريقه، مترنحا دائما بين المرعب والمتصلب، كان ميشو ينصب حبلا متينا فوق العدم. يدور ويدور حول كلماته الحادة كخناجر، مسكونا بفزع كبيرمن الفراغ، من الثقب في قلبه، كان يحسب موته مؤجلا، بالكاد هو حي دائما. “سيأتي الموت ويقول: لتأت معي، حان الوقت”. الموت دائما، الموت الآن.

كان يريد أن يبقى غفلا، أن يكون شخصا ما، شخصا يقول، يصرخ، لم يختر رفقاء لدربه، يعبر حياته كغريب، ينظر باندهاش إلى معاصريه، كان في الخارج، عصيا على الإمساك به، رغم كوكبة الكلمات التي تركها لنا.

أن نعيد قراءة ميشو يعني أن ننصت إلى الليل يضج، وإلى الغريب يصبح حميميا.

أكلمك بدون أن أتكلم معك

أكلم الملوك

أكلم الكريستال

أكلم الحصان منصتا للكلاب

أتكلم على شاكلة أصبع

أتكلم عندما أكون أنا النفَس

أتكلم لأرحل

لا مصباح لا صومعة.

قصائد مختارة

احملني

احملني في مركب

في مركب عذب وعتيق

في مقدمة السفينة، أو إذا شئت في الزبد

وضيعني في البعيد البعيد

في قاطرة عصر آخر

في الحرير الخداع للثلج

في لهاث بعض الكلاب المتجمعة

في جماع الأوراق الميتة

احملني دون أن تكسرني، في القبلات ، في النهود التي ترتفع وتتنفس، على سجاد الراحات وابتساماتها، في دهاليز العظام الطويلة، في المفاصل.

احملني، أو بالأحرى هَرّبني.

(ليل يتحرك، شعر/ غاليمار)

تذهبين بدوني، أيتها الحياة
تتدحرجين

وأنا لازلت أنتظر أن أقوم بخطوة

تحملين بعيدا المعركة

تهجرينني هكذا

لم أتبعك مطلقا

لا أرى بوضوح عروضك

القليل الذي أريده، لم تحمليه لي أبدا

بسبب هذا الحرمان، أطمح لأكثر

أطمح لأشياء كثيرة، تقريبا أطمح للمطلق

بسبب هذا القليل الذي أحرم منه، والذي لم تأتي به.

ضد !

سأبني لكم مدينة من خرق

سأبنيها بدون تصميم ولا إسمنت

بناء لن تهدموه أبدا

تسنده بداهة مزبدة وتنفخه

تأتي لتنهق أقرب من أنوفكم، قرب الأنف المجمد لكل تلاقحاتكم وفنونكم العربية، ومنغصاتكم.

سأبنيها بالدخان، بشعشعة السحاب وصوت جلود الطبول سأعلي لكم قلاعا ساحقة ورائعة، قلاعا شيدت فقط من دوامات ومن هزات، ضدها يسقط نظامكم الأوفي وهندستكم في الطين والهراء وغبار رمل الأسباب.

كَلا! كَلا! كَلا! تسقط على رؤوسكم جميعكم! ليهوي العدم على الأحياء !

نعم !أومن بالله ! مؤكد، أنه يجهل كل شيء.

إيمان، نعال لا تبلى من أجل من لا يتقدم.

أيها العالم، عالم ممزق، بطن باردة !

حتى لا يمكنه أن يكون رمزا، ولكن هو العدم، أواجهك، أواجهك، أواجهك، ألقمك كلابا ميتة بالأطنان، هل تسمعني، بالأطنان سأنتزع منك ما رفضت أن تمنحه لي بالغرامات!

سم الثعبان صديقه الوفي الوحيد

وفي ويقدره لقيمته فقط

لا تطلقُ أنيابُ الذئبِ الذئبَ

لحم الخروف هو ما ترميه

في الظلام، نرى بجلاء، إخوتي !

في المتاهة، نعثر على طريقنا المستقيم !

أيتها الجثة، أين هو مكانك هنا، مزعجة، مبتلة بالبول، إناء مكسور؟

بَكرة تئن، كما لو تحس بالحبال المشدودة للعوالم الأربعة !

كما لو سأفسخك!

كانت لنا السنوات

كانت لنا السنوات، لم تكن ضدنا، استنشقت ظلالنا الهواء معا

تحتنا كانت تجري مياه نهر الأحداث تقريبا صامتة

تستنشق ظلالنا الهواء معا كل شيء كان مغطى

كنت أشعر بالبرد لأنك تبردين.. احتسيت جرعات من معاناتك.

كنا نضيع في بحيرة تبادلاتنا

أغنياء بحب غير مستحق، أغنياء جاهلين مع فقدان وعي المالكين

فقدت أن أكون محبوبا

بُذّرَت ثروتي.

نحن الاثنان مرة أخرى

لم تعرف أن تلعب أيها الهواء النار.

رميت فوق بيتي نجمة سوداء، ما هذا المعتم المنتشر في كل مكان؟ ماهو هذا المعتم الذي حجب سمائي.. ماهذا الصمت؟ إنه الصمت الذي أسكت نشيدي.

كان يكفيني جدول من الأمل لكنك أخذت كل شيء، سلبت صوتي المتموج.

لم تعرف أن تلعب، شددت الأوتار، لكن لم تعرف أن تلعب، ضيعت كل شيء بسرعة، كسرت الكمان ورميت البشرة الحريرية بشعلة نارية.

لتكون مستنقعا مخيفا من الدم.

كانت سعادتها تغني في روحها، لكن كله خداع، لم تطل ضحكتها،

لكن أنت، متى تأتي؟

لكن،

أنت، متى تأتي؟

يوما ما، مادا يدك على الحي الذي أسكنه

في اللحظة الناضجة حيث سأيأس

في لحظة برقية

منتزعا إياي بعنف وسيادة

من قشور جسد أفكاري وصوري، من عالم بليد، مطلقا بأعماقي

مسبارك المفزع وطاحونة حضورك المخيفة، معليا فوق سهولي في لحظة كاتدرائيتك المستقيمة، تقذفني ليس كإنسان ولكن كقذيفة في اتجاه مستقيم.

ستأتي، إذا كنت موجودا، تصطادك فوضاي، استقلالي البغيض.

خارجا من الأثير، من أي مكان، من فوق أناي المصدومة، ربما ملوحا بعود ثقابي في وجه لاعقلانيتك، ووداعا ميشو.

أو بالأحرى، ماذا

أبدا؟ لا؟ قل

من نصيب من ستكونين أيتها الجائزة الكبرى؟

رجل ضائع

عند الخروج أضل، يكون الأوان فات للعودة إلى الوراء، أجدني وسط سهل، بينما تدور عجلات في كل مكان.

تفوقني مائة مرة في الحجم، بينما توجد عجلات أخرى أكبر وأكبر بدون أن أنظر إليها أهمس: ” أيتها العجلة لا تدهسيني، أتضرع إليك أيتها العجلة، لا تسحقيني”.

تصل العجلات منتزعة هواء قويا، ثم ترحل.. أترنح.

يحدث هذا منذ شهور “أيتها العجلة، لا تدهسيني”.

لا يتدخل أحد! لا يمكن لأحد أن يوقف هذا.

المصدر: ميدل ايست اونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى