«الأمير اللقلق».. اعاجيب مسرح الطفل السوري

الجسرة الثقافية الالكترونية

 

سامر محمد اسماعيل

الدمية والقناع والشخصية يبدو أنها أمست عناصر أساسيةً في تجربة المخرجة آنا عكاش، فبعد عرضها (الدجاجة السوادء – 2013)، ها هي تخوض تجربتها الإخراجية الجديدة في عرض (الأمير اللقلق – مسرح القباني، دمشق، لغاية 30 نيسان) مقتبسةً إياها عن نصٍ بالعنوان نفسه للكاتب الألماني (فيلهلم هاوف – 1802- 1827) مؤلف القصص الخيالية في القرن التاسع عشر؛ والذي استلهم بعض حكاياته الشعبية من أجواء «ألف ليلة وليلة».
تدور حكاية العرض الذي أنتجته «مديرية المسارح والموسيقى» حول «الخليفة إبراهيم عيسى» الذي أهمل حال رعيته على حساب نزواته الشخصية؛ حيث يجتاحه الملل من حال وزيره «مؤيد خراط» وكثرة نقله لشكاوى رعايا مملكته من الفقر والعوز والجوع، مستدلاً على ساحر «آلاء عفاش» يقدم له مسحوقاً سحرياً يجعله قادراً عند استنشاقه على تقمّص الشجر والأسماك والطيور وفهم لغتها والتحدّث إليها.
الحكاية في إسقاطها على واقع الحال السورية الراهنة، تركت الباب موارباً بين العجيب والواقعي؛ منتصرةً لقوة الدلالة في العرض المسرحي الموجّه للأطفال؛ فصناديق المعونة الخاصة بمنظمتي «الهلال» و «الصليب الأحمر» السوريين التي استخدمتها عكاش في مسرحيتها كصناديق للإكسسوار؛ جاءت هي الأخرى كإشارة قوية عن أجواء الحرب التي تعيشها البلاد منذ أكثر من خمس سنوات؛ محيلةً بذلك نسق اللعبة المسرحية إلى هجاء سياسي، تتحوّل فيه الشخصيات إلى وسائط متعدّدة الاستعمالات لإيصال العبرة المتوخاة.
في الدخول أكثر إلى مستويات الخطاب المسرحي لـ «الأمير اللقلق»، نجد تلك المشهدية الجذابة لجمهور المتفرّج الصغير؛ فالعرض اعتمد ثنائية الراوي والممثل جنباً إلى جنب مع ثنائية الدمية – القناع؛ فلم تركن مخرجة العرض إلى دمى «الماريونيت» أو «الجاوا» كما هو حال عروض مسرح العرائس السوري؛ بل آثرت كعادتها الدمى المسطحة وعديمة المنظور – (صمّمها بطرس المعري) والتي تتحوّل إلى أقنعة في يد الممثلين تارةً، أو تصبح آلات موسيقية تارةً أخرى تعزف عليها شخصيات العرض راقصةً حركاتها الرشيقة الأقرب إلى «الهيب هوب» و «الراب» برفقة موسيقى سامر الفقير وأغنيات ديمة زين الدين.
من هنا يمكن الإطلالة على لعبة جرّدت أدواتها وكثفتها لصالح إتمام مخيلة الطفل لبقية الحكاية، سواء عبر التعبير بالصوت ومؤثرات الإضاءة (أدهم سفر) أو حتى من خلال ذلك التغريب الذي اتبعته عكاش بين الشخصية والراوي؛ معوّضةً بذلك عن العفش المسرحي بديكور رمزي صمّمه محمد وحيد قزق، من خلال رسمٍ متحرك للقصر وآخر تم إسقاطه ضوئياً في عمق الخشبة؛ وذلك بغية كسر الإيهام والانتقال بالطفل من عالم الأشجار إلى عالم الأسماك والطيران في السماء؛ دون الحاجة إلى كتل بليدة على الخشبة.
«الخليفة اللقلق» النسخة المحوّرة من قصة الملك سليمان وهدهده، استخلص عبارات قوية من فم الحيوان؛ وصولاً إلى نسيان الجملة السحرية لهذا الخليفة الذي ما عاد بإمكانه أن يعود «أميراً» لتتعقد الحبكة ويتم حلها من خلال «الأميرة» (روجينا رحمون) التي تحوّلت بسحر ساحر هي الأخرى لسحلية تساعده عبر خطة ٍ مشتركة على استرداد آدميته وتخليصه من الرصد؛ لكنها كمثل كل حكايات الخيال يكتشف «الأمير» بعد زوال السحر عنها بأنها ليست سوى جنيّة؛ بينما يستولي (الوزير) على مقاليد الحكم في المملكة، معيداً الحقوق إلى «الرعية المقهورة».

المصدر: السفير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى