سعد يكن.. الفضاء البسيكولوجي

الجسرة الثقافية الالكترونية

 

محمد شرف

في حال ألقينا نظرة على السيرة الذاتية للفنان السوري سعد يكن، سيتبين لنا العدد الكبير لإنجازاته في مجال التشكيل، بدءا من معرضه الفردي الأول العائد إلى العام 1969، مروراً بمعارضه الكثيرة المقامة على مدى 47 عاماً في أمكنة مختلفة، أكان ذلك داخل سوريا أم خارجها، بموضوعاتها ذات الأبعاد والمضامين المتنوعة بتنوع مجريات الحياة وحوادثها خلال تلك الفترة الطويلة نسبياً من الزمن، وصولاً إلى معرضه الحالي المقام لدى غاليري «تجليات»، في العاصمة اللبنانية.
ومن خلال معاينة السيرة الذاتية للفنان يمكننا أن نستنتج، أيضاً، أنه غزير الإنتاج، وغزارة الإنتاج هذه ذات صلة وثيقة بتعدد الموضوعات المتطرّق إليها، التي سبق ذكرها، وكأن سعد يكن شاء أن يطرق كل الأبواب الممكنة بهدف العثور على ثيمات تصلح كي تكون مادة تشكيلية، وما أكثرها. بيد أنه يفيد أن ما يصنعه، كفنان، يتخذ صفة «عالمية»، بمعنى أن أعماله عالجت مسائل تتعلق بنواحي محض إنسانية، وتحيط بأنواع من الشعور والحالات السيكولوجية كالحب والغيرة، والمشاعر الأخرى التي لا تختلف بين إنسان وآخر، أكان هذا الإنسان مقيماً في اليابان أو في الدانمارك، أم في سوريا والسودان. كما أنه يشير أيضاً إلى أن التفاعل الإنساني قائم في في كل مكان عام تجتمع الخليقة فيه، كالمقهى أو المطعم أو سواهما، لكن ثمة مشاعر داخلية دفينة يحتفظ بها الفرد لنفسه، وهذا الأمر، كما نعلم، ليس بغريب عن الطبيعة الإنسانية. وكما أشرنا سابقاً، فإن أعمال سعد يكن المعروضة أمامنا لا تحمل عنواناً واحداً، ومن ثم تقوم بتجزئته إلى مفردات تشكيلية، بل تتعرّض لموتيفات عديدة. اللوحة المعنونة «أوركسترا» ينطبق إسمها على محتواها بدقة: عازفون على آلات موسيقية يقودهم قائد الأوركسترا، صاحب القامة التي تشبه حركتها تموجات اللحن الذي نراه ولا نسمعه. حكايات «ألف ليلة وليلة» حاضرة في المعرض من خلال حضور الملك شهريار، وقد التفت حوله صور وخيالات لنساء ورجال يحتل بعضهم أمكنة حسّاسة في اللوحة، ويضيع بعضهم الآخر وراء تلافيف الحكاية. وبما أن الحكاية قد تكون أقصوصة متشابكة تفيض بالحركة، فإن شخصياتها لا ينتظمون في مواقف جامدة، بل تسبح قاماتهم في فضاء اللوحة بحسب اتجاهات متعاكسة لا تراعي المنظور الهندسي المنطقي، كما لا يتوانى سعد يكن عن أن يضع، أحيانا، خطاً فاصلاً بين مفاصل اللوحة يقسم الأفق قسمين، وكأنه شاء الفصل بين الخيال والواقع، بالرغم من التصاقهما سوية بالحكاية نفسها.
لم تُختصر الموسيقى، لدى الفنان، بقائد أوركسترا يلعب دوراُ محورياً ضمن العمل، إذ هناك عازفون منفردون، أو ينوجدون في مجموعات صغيرة لا تغيب عنها الحركة، ولو شئنا التعميم لقلنا إن هذه الحركة الضمنية يمكن تلمسها في الأعمال كافة، وكأنها صفة ملازمة لما ينتجه الفنان، وإذا خفّ مفعولها هنا أو هناك، فمن أجل تغليب الناحية السيكولوجية في بعض مظاهرها كحالات التأمل والشرود في الغيب، أو سواهما. فلاعبو الورق في فترة منتصف الليل، كما هي تسمية اللوحة، أبوا مغادرة المقهى الذي فرغ من رواده الآخرين، الذين غلبهم النعاس، في حين لم يستسلم له بضعة أشخاص تفوّق شغفهم باللعبة على ضرورة اللجوء إلى الفراش. هذا، لكننا نلحظ أيضاً فرداً وحيداً جالساً إلى طاولة وتحوطه مقاعد فارغة، أو كراسي في مقهى لا يرتاح عليها أحد، هكذا، يكون الشعور بالوحدة والحاجة للانصراف إلى الذات من ضمن الحالات الإنسانية التي تجذب اهتمام الفنان، الذي كان أشار إلى هذه النقطة. فالحالات الواردة تمثيلياً في الأعمال هي من سمات الزمن الحديث وتساورنا جميعاً، حتى لو كنا، في الواقع، محاطون بالخليقة من كل صوب.

المصدر: السفير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى