«خبرة عشيقة»: الحياة السريّة لطالبة حقوق

الجسرة الثقافية الالكترونية

 

بلال شحدات

اتخذ المخرج الأميركي ستيفن سودربرغ منذ عامين تقريباً قرار التفرّغ للعمل في الدراما التلفزيونية. وبعد نجاح مسلسله التاريخي الطبي The Knick في العامين المنصرمَين، يقتبس حالياً فيلمه السابق «خبرة عشيقة» (2009)، على شكل مسلسل تلفزيونيّ يحمل العنوان ذاته. لكنّ سودربرغ لا يتولّى إخراج العمل، بل يشرف عليه كمنتج تنفيذي.
تؤدّي الممثلة الأميركيّة رايلي كيو (26 عاماً) دور البطولة، مجسّدة شخصيّة الشابة كريستين رايد التي تعمل في مجال الخدمات الجنسيّة بهدف جني المال. كيو هي ابنة المغنيّة ليزا ماري برسلي وحفيدة المغنّي الأميركي الراحل إلفيس برسلي. يعرض الموسم الأوّل على شاشة «ستارز» الأميركيّة، ويتألّف من 13 حلقة مدّة الواحد ثلاثين دقيقة، يكتبها ويُخرجها مداورةً آيمي سايمتز ولودج كيريغان. بدأ عرض الحلقات في 10 نيسان الحالي ويستمرّ حتى منتصف حزيران، بينما صار متوفّراً بكامل حلقاته على خدمة «ستارز أون ديماند».
ليس المسلسل حكاية تقليديّة بأحداثها وحبكتها وصراعاتها، بل غوص في سيرة حياة كريستين التي تستخدم لقب «شيلسي» مع الغرباء وفي عملها. تعيش كريستين بعيداً عن أهلها وأصدقائها، وتدرس الحقوق، وتعمل كمتدرّبة في شركة للمحامين، وفي الوقت نفسه تعشق ممارسة الجنس مقابل المال في الخفاء. تحبّ تلك المهنة لأنّها تلبّي رغباتها على الصعيد الجنسي، وتؤمّن لها المال.
تعالج حلقات المسلسل فلسفة هذه الشخصية وبنيتها النفسية بكل ما فيها من مصالحة أو تعارض مع الذات في مزيج وجداني واحد، فمن قوتها وصلابتها، إلى أنانيتها المرضية، ومزاجيتها المفرطة، إلى قلقها ونقاط ضعفها المحرجة.
تعيش كريستين في العلن عكس ما تعيشه في السرّ: طالبة في الكلية وموظفة في شركة مرموقة في النهار، وفتاة هوى تنتقل من رجل إلى آخر في الليل. لكنها في المقابل تشعر بالاكتفاء فهي تمارس الدعارة وكأنها فن نبيل، وتمتلك الموهبة التي تجعلها جديرة بالاستمرار في هذه المهنة وتدفعها إلى التمسك بها بطريقة تشبه الهوس. تنفّذ كريستين (أو شيلسي) كلّ ما يريده الزبون، تبعاً للمبلغ المتفّق عليه، ما يجعلها تجني مبالغ طائلة تصل أحياناً إلى آلاف الدولارات لقاء ساعة أو أكثر بقليل.
تعتبر كريستين شغفها ببيع جسدها مقابل المال مثل أي فعل في الحياة، فهو مرّة ينعكس عليها بالخير ومرة أخرى بالشر، وهكذا دواليك على مدار الحلقات كلها. الرجال يضعفون أمامها ويخضعون لسلطة نظرتها الثابتة والمؤمنة بما تفعل. ويخافون في الوقت نفسه من صلابتها وقوّتها حتى في أكثر اللحظات إذلالاً للمرأة.
كل شيء مباح بالنسبة لها، ومبرر في آن معاً. وهي في أكثر من موقف درامي تصرّح علناً بأنّها لا ترغب بتقليد الآخرين، فهي رافضة للارتباط العاطفي مع أيّ رجل، ورافضة للزواج بطبيعة الحال، لأنّها لا تحبّ أن تشارك وقتها مع أحد إلّا إذا كان من ورائه نتيجة مادية أو متعة خاصة، وهذا يتعارض بالطبع مع علاقة الحب أو الزواج، ويتوافق مع الشخص الأناني الذي لا يقبل شريكاً في حياته.
يغوص المسلسل في تقلّبات مزاج الشخصيّة، فكريستين تحبّ نفسها فقط، ما يغلق الباب أمام أي شخص يقع في غرامها، إذ تصدّه وتطرده بصمت وتُنهي علاقتها به لحظة إحساسها بأنه ينوي تطوير العلاقة. معظم الشخصيات التي عاشرتها أو عاشت معها عن قرب تصرّح بأنها فتاة أنانية، تحبّ جذب اهتمام الآخرين ليس إلا، لا ترضخ إلا لرغباتها الخاصة فقط، ولا تنفذ إلا ما يمليه عليها عقلها.
بالرغم من هذه التركيبة الخاصة والغريبة نوعاً ما إلا أن كريستين تظلّ خائفة وقلقة من أي فضيحة مفاجئة لأسرارها، لدرجة تصل بها إلى الهلوسة والهذيان بأنها مراقَبة وملاحَقة، وهذا ما يجعل منها شخصية عُصابية لن تشفى بسهولة، وذلك ما يعكسه أداء رايلي كيو المتقن.
لا يكتفي المسلسل بسرد مغامرات الشخصيّة الجنسيّة، بل يقدّم نظرة أعمق إلى حالة هذه الشابة التي تستحق التعاطف ومدّ يد المساعدة، كي تخرج من الحلقة المفرغة التي تدور فيها. كما يُلقي الضوء على حالتها النفسيّة ونرجسيّتها وأنانيّتها المطلقة. يقدّم العمل في شخصيّة كريستين نموذجاً عن عاملات في مجال الدعارة، يحتجن إلى المساعدة والتفهّم، لا إلى الاستنكار والطرد. وفي المشهد الأخير، نراها وحيدة، تاركة الأمر للمشاهدين كي يطلقوا حكمهم الأخير عليها.

 

المصدر: السفير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى