ست أيادٍ تعزف على بيانو الحب والذكريات

الجسرة الثقافية الالكترونية

سامر سليمان

حالة من التفرد الموسيقي والتلاقي الإبداعي، أحكمت صياغتها بمهارة ست أيادٍ تنقلت بخفة بين الأصابع البيضاء والسوداء لبيانو وحيد مخلفةً حالةً تفاعليةً تراوحت بين التأمل والانفعال والشغف، جذبت انتباه الجمهور الحاشد الذي استقبلها بتصفيق حماسي، خلال حفلة نظمها التريو المصري أمير عوض وعدوب عز الدين وسالي مجدي في المسرح الكبير في قصر الإبداع في الإسكندرية.
بدأت الحفلة بعزف لمقطوعة من «بحيرة البجع» لتشايكوفسكي، ومن ثم عزف الثلاثي إصداراً أخاذاً لمقطوعة «اوبلفيان» للمؤلف آستور بياتزوللا، كما قدم عدداً من المقطوعات لأبرز المؤلفين الموسيقيين ومنهم باخ وبيتهوفن وشوبان وموسورغسكي وتشايكوفسكي ورحمانينوف وشوستاكوفيتش.
وبرزت حالة التوافق العضلي العصبي والانسجام الفني الإبداعي لثلاثين إصبعاً نابضة بالحياة تتحرك وتنزلق برشاقة واتزان على سطح البيانو الأملس الأبيض، ومن ثم ترتفع بثقة الى الأملس الأسود وتنزلق مجدداً بخفة على السطح الأبيض، وفي الأسفل تتوافق ست أقــدام لتدوس بدالات البيانو السفلية فتنتقل من نغمة إلى أخرى، وكأن عقلاً واحداً هو من يعطي الأوامر لثلاثين إصبعاً. وما بين صعود وهبوط، تتحاور النغمات الحادة مع تلك الغليظة والمتوسطة لتصنع أبدع النغمات وأكثرها عمقاً وتعقيداً لعدد من أهم المقطوعات العالمية.
لم تخفِ عدوب عز الدين، وهي طالبة كلية الصيدلة والمعهد العالي للموسيقى (الكونسيرفتوار)، الطاقة والحماسة والشغف التي تنتقل لها عندما تلمس بأناملها الطويلة المستدقة النهايات أصابع البيانو التي تنقلها الى عالم سحري أثيري من الأساطير والخيال والطلاسم الموشاة بـ «بقشرة أزمنة وأمكنة أخرى». وتقول: «على رغم كل الصخب المحيط بعالمنا المعاصر، ما زلنا نجد مساحة للتنفس والاستمتاع بشيء حقيقي. نحن نعيش أحداثاً عدة متداخلة وتحيط بنا الضوضاء الصاخبة في تيار غير فني اختلط فيه الرث بالأصيل، ما يشكل صعوبة بالغة لنا كمبدعين في التواصل مع الجمهور».
وتتمنى الموسيقية الشابة التي قدمت العديد من الحفلات في اسطنبول وإيطاليا وألمانيا أن تتحسن أحوال الموسيقى في مصر، «لتعود القيمة وتسود الموسيقى الإبداعية وبالتالي تتحسن أذواق الناس».
وتؤكد سالي مجدي أن «الفن الحقيقي يجد مريديه في كل مكان، ولا يحتاج الفنان المبدع إلى بذل جهد في البحث عن جمهور لأن الإبداع يفرض نفسه زمنياً ومكانياً»، لافتة إلى سعادتها بلقاء الجمهور وغالبيته من الشباب، بما يخالف «الاعتقاد السائد بأن الشباب لا يبحث إلا عن الألحان النابضة والفوضوية والإيقاعات الصاخبة الحية والنغمات الضوضائية كأغاني المهرجانات السائدة هذه الأيام». وتدلل على صدق نظريتها بـ «الأعداد الكبيرة التي تسعى لحضور حفلات الموسيقى الكلاسيكية ليس في الأوبرا والمسارح المجهزة فقط، انما في الفضاءات المستقلة والاستديوات الفنية البديلة».
وعن لقائها أمير عوض وعدوب عز الدين، تقول: «أنا وعدوب صديقتان منذ نعومة أظافرنا وتبادلنا شغف حب الموسيقى ودرسنا معاً، ثم التقــينا أمير في المعهد واكتشفنا توافق أذواقنا وتماهي ألواننا الموسيقية فقررنا تنظيم حفلة بيانو تريو». وتزيد: «هذا النوع من الحفلات نادر جداً وهي الحفلة الأولى في مصر، بيد أن حفلات الست أيادٍ معروفة في الخارج ولذلك أردنا أن ننقل التجربة للجمهور المصري».
وعن الحفلة يقول أمير عوض: «حفلات بيانو تريو تحتاج إلى ترتيبات خاصة وتدريبات مطولة. وتوافق أصابعنا على أصابع البيانو يبعث الحياة والنبض في الموسيقى من دون مبالغة أو انفعال زائد. ما نفعله هو أننا نتحاور في أحاديث لا تنتهي طوال الفترة التي نعزف فيها».
وعن مشاركته العزف مع فتاتين، يشير الى أن الإبداع لا علاقة له بالنوع الاجتماعي بل يتعلق بالموهبة والشغف والتدريب والمهارة، لافتاً إلى أن عدوب تتمتع بموهبة كبيرة واصفاً إياها بأنها متنوعة الحالات، «فهي تارة رومنسية عاطفية فتلهمنا، وطوراً فيلسوفة متنمرة تدافع عن أفكارها وأيدلوجياتها وكينونتها. وفي كل مرة تدق أصابعنا معاً نتحول إلى مزيج من الإبداع اللامتناهي». ووصف سالي مجدي بـ «الفنانة الموهوبة ذات البراعة التقنية والفنية».

المصدر: الحياة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى