أحمد مرجان: لصوص التاريخ غالبا ما يبدأون بالاستيلاء على الذاكرة قبل الأرض

الجسرة الثقافية الالكترونية

عبد السلام فاروق

في ظلال الفوضي غير الخلاقة التي تضرب جغرافية وطننا العربي بضراوة هذه السنوات، وليس أقلها خطرا دخول “إسرائيل” علي خط التسويات اللإقليمية الجارية في الإقليم، لم يكن من الممكن ترك قضية بهذا الحجم والأهمية دون أن نحاول معرفة كيف نشرت وفي أي دار نشر ولماذا تتحمل هذه الدار وحدها أو بالتعاون تكاليف طباعة وترجمة موسوعة في مواجهة تهويد التاريخ.

توجهنا إلى دار “سنابل” باعتبارها الموزع الرئيسي لسلسلة “في مواجهة تهويد التاريخ”، بالإضافة لكونها إحدى دور النشر العديدة، التي تعاونت بشكل ما مع المجموعة القائمة على إصدار هذه السلسلة، وحاورنا الناشر أحمد مرجان، مدير الدار.

وكان أول ما سألناه عن ماهية هذه السلسلة، فأجاب قائلا: “في مواجهة تهويد التاريخ” كما هو ثابت في كافة إصداراتها، دعوة مفتوحة للدفاع عن التاريخ القديم، ضد محاولات التشويه والتهويد المستمرة، تهدف للتعريف بالثقافة التاريخية، والتصدي للثقافة المضادة، بترجمة نصوصها، ونشر الردود عليها، مساهمة في إحياء حركة تنوير فكرية تاريخية تعتمد العلم والجدية.

وقد بدأ الإصدار الفعلي لهذه السلسلة عام ٢٠٠٢ بإصدار “عصور في فوضى” في مجلدات أربعة، الجزء الأول من المجلد الأول بعنوان “رؤى نقدية” ويحتوى على كتابين، “عصور ليست في فوضى” لرضا الطويل، و”العلماء يواجهون فليكوفسكي” لمجموعة من العلماء، كارل ساجان، ج. ديرال مولهولاند، بيتر ج. هوبر، دافيد موريسون، أما أبقى المجلدات، من الجزء الثاني من المجلد الأول وحتى المجلد الرابع، تضم ستة من الكتب الثمانية التي ألفها فليكوفسكى، وتحوى مجمل نظرياته المتخيلة لوضع تاريخ إسرائيلي ضارب بجذوره في الزمن القديم، وذلك من خلال هدم التاريخ الطبيعي الثابت، وبناء تاريخ طبيعي على هواه، يمكنه من النزول بمعاوله على التاريخ السياسي للشرق القديم، خاصة التاريخ المصري، هدما وتشويها، ليقيم على أنقاضه بناءه المتخيل للتاريخ الإسرائيلي، وقد صدرت هذه الكتب الثمانية مجمعة ودفعة واحدة في صندوق من الورق المقوى، وتحت عنوان واحد “عصور في فوضى”، نفس العنوان الذي وضعه فليكوفسكى لتهويماته النظرية.

لماذا هذا الشكل من الإصدار، الذي قاربت صفحاته الألفين وسبعمائة وخمسين صفحة دفعة واحدة؟ ألا يمثل ذلك عبئًا على القارىء؟

تقوقع فليكوفسكي داخل صدفة قناعاته المقدسة، ولم ير من التاريخ إلا ما يتوافق مع الأساطير التوراتية، بمعنى آخر وبتعبير أدق: حاول فليكوفسكي أن يرغم التاريخ على الخضوع لسيطرة هذه النزعة المحددة لديه، لذلك أنا مع المفكر رضا الطويل، في إصراره على ضرورة نشر أعمال فليكوفسكي مجمعة، ودفعة واحدة لا متتالية متفرقة، حتى تتضح معالم نظرياته الخبيثة، وما يهدف إليه منها، كذلك أدركنا بعد قراءة أعمال فليكوفسكي، أهمية الجلد الأول “رؤى نقدية” الذي استهل به رضا الطويل مجموعة الكتب.

فإزاء المغالطات الهائلة التي ارتكبها فليكوفسكي في كافة فروع العلم والمعرفة، كان لا بد من هذا التقديم النقدي تنبيها، وتفنيدها لافتراضات فليكوفسكي ونتائجه المزيفة، خاصة وقد أبدع فليكوفسكي في نسج خيوط شباكه حول القارىء، وهو عالم النفس الخبير بالنفس البشرية، وسبل التسلل إلى قارئه، وعيا ولا وعيا، في آن واحد.

وعن ردود الأفعال التي صاحبت صدور هذه السلسلة، قال مرجان: للأسف الشديد، لم تحظ هذه السلسلة بالاهتمام الواجب من أي من المتخصصين فى فروع المعرفة المختلفة، لا بالرد ولا بالتعليق، وحسنا فعل القائمون على السلسلة بتعريب كتاب “العلماء يواجهون فليكوفسكي” ويضم أبحاث ومقالات المناظرة التي عقدتها الجمعية الأميركية لتقدم العلوم (AAAS) حول كتاب “عوالم في تصادم”، والتي أثبتت بالدليل العلمي القاطع، زيف افتراضات فليكوفسكي حول الكارثة الكونية (اصطدام مذنبه المخترع بالأرض) التي بنى عليها نظرياته لتغيير الحقائق الثابتة في التاريخ الطبيعي للأرض، إضافة لهذا الكتاب، هناك ثلاثة كتب ضمن السلسلة، تفند آراء فليكوفسكي ومزاعمه، وهي “عصور ليست في فوضى”، “حور أختى وأوديبوس”، و”تهويد التاريخ: إعادة ترتيب القوائم الزمنية للتاريخ القديم”، والثلاثة لرضا الطويل.

وعن رأيه في كتاب بكامله عن حور أختى (أخناتون) قال: من الواضح أن كل التسفيه والتشويه الذي تعرض له أخناتون، إنما يستهدف إنجازه الفكري والديني، الذي يعد ذروة لتيار الوحدانية الضارب بجذوره في أعماق أقدم عصور الديانة المصرية، بغرض واحد يتمثل في طمس الدليل الذي لا يدحض على أن الفكر الديني التوحيدي كما جسدته ديانة أتون، وكما يؤكد شفيق مقار، هو النبع الحقيقي الأصيل الذي اغترف منه موسى مفهومه التوحيدي، وشعائره، وطقوسه”

ـ إذن لم تلق هذه السلسلة اهتمام المختصين من علماء الفلك والجيولوجيا والتاريخ وغيرها من فروع العلوم، ولم يتعرض لمشروع فليكوفسكي سوى الكتب الثلاثة لرضا الطويل، ألم يؤثر ذلك على الإصدارات؟

قلت إنها لم تحظ باهتمام المتخصصين، ولكن من جانب آخر، لاقت اهتماما واسعا عند صدورها من العديد من مثقفي مصر وكتابها، الذين راحوا ينبهون إلى خطورة المشروع الصهيوني لسرقة تاريخنا.

تقول الصحفية ماجدة الجندي “لا يحتاج الأمر إلى مقدمات بقدر ما يحتاج الى إفاقة حقيقية ومشروع فكري مواز، جاد وعميق وواع، وإلا فسوف يأتي يوم تسلب مصر من أبنائها ليس بقوة عسكرية ولكن بتزوير مؤسس لتاريخها، بحيث يصبح اليهود بناة مصر القديمة، وربما أصحابها، لا بد من مشروع فكري مقابل وإلا سرق تاريخ مصر وسرقت أرض مصر ذاتها”.

ويقول د. عبدالعليم محمد “جددت هذه المجموعة رسالة المثقف في الدفاع عن تاريخ أمته، وعزز عملهم تقاليد الدأب والمثابرة والعمل في الظل بعيدا عن الأضواء”.

وقال عماد الغزالي: “رغم أن عجلة التاريخ تسير في اتجاه دعم المشروع الصهيوني، فإن ثمة يقينا لدى البعض منا – بصرف النظر عن الشواهد والمعطيات – بأن هذا المشروع الآثم إلى زوال، بين هذا البعض المجموعة المقاتلة التي أصدرت هذا المجلد الضخم تحت عنوان تهويد التاريخ”.

أما سعد هجرس فقد كتب: “نحن أمام عملية تزييف بالغة الوقاحة للتاريخ، لا تتعلق بتاريخنا القديم فقط، بل تريد العبث بماضينا العريق من أجل زعزعة الأرض من تحت أقدامنا في الحاضر، والمصادرة على أي بصيص من الأمل لنا في المستقبل، هناك محاولات مستميتة يبذلها أعداؤنا ليس فقط لزحزحتنا من الجغرافيا بالاستيطان وتهويد الأرض بالاحتلال، وإنما أيضا لزحزحتنا من التاريخ بالتزييف وتهويد الماضي بالاحتيال”.

ولم يشذ عن هذه الحفاوة إلا مريم البنا التى كتبت تقول: “إن هذا العمل يمثل نوعا من إهدار الجهود الضخمة وطويلة المدى، لمجرد نشر ردودهم وردود بعض العلماء الغربيين على أكاذيبه وأضاليله…. فإننا لا نفهم إصرارهم على مواصلة العمل لنحو ربع قرن وإهدارهم أموالهم وأعمارهم فى سبيل إصداره”.

وأذكر هنا أنه انضم إلى فريق الترجمة مجموعة جديدة، وهم الأساتذة: فاروق عبدالقادر، بدر الرفاعي، أحمد حسني البشاري، أحمد محمود، عثمان مصطفى عثمان، د. جاب الله علي جاب الله، د. محمود ماهر طه، طارق فرج.

وأعتقد أن الإصدارات جاءت – بالإضافة الى تعريب كتابات فليكوفسكي والرد عليها – لتغطي مختلف جوانب حياة وإنجازات المصريين القدامى، من أجل تكوين نواة للذاكرة الوطنية التاريخية، ويتضح ذلك من عناوين الإصدارات، الحياة الجنسية في مصر القديمة، توت عنخ آمون مؤامرة الخروج، رسائل عظماء الملوك في الشرق الأدنى، التحولات الاجتماعية والسياسية في المملكة المتوسطة، أصوات من مصر القديمة، الجريمة في مصر القديمة، سجلات تاريخية من مصر القديمة (٤ مجلدات)، روائع الأدب المصرى القديم (مجلدان)، الأدب المصري القديم (٣ مجلدات ).

وأنا مع الكاتبة ماجدة الجندي فيما قالته إن هذا العمل يندرج تحت نوعية من النشر الثقيل، أو الصناعة الثقيلة في النشر، إنه يسهم في تأسيس وتوثيق الذاكرة المصرية، هو أشبه بالعمل لحماية أمن الوطن من عبث لصوص الذاكرة والتاريخ، الذين غالبا ما يبدأون بالاستيلاء على الذاكرة قبل استيلائهم على الأرض.

المصدر: ميدل ايست اونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى