رؤوف رفاعي ينتقم للطبيعة بالرسم

الجسرة الثقافية الالكترونية

مهى سلطان

مهندس وفنان هو رؤوف الرفاعي، قطعت تجاربه في الفن المعاصر شوطاً في محاكاة فوضى الواقع الاجتماعي بمظاهره الخادعة، يقيم معرضاً شاملاً لنتاجه الموقّع في السنوات الأخيرة في مركز بيروت للمعارض (سوليدير بيال) وهو من تنظيم آفاق وغاليري مارك هاشم، يعكس النزعة الاختبارية من خلال موضوعات متعددة تتعلق بهوامش الحياة ورموز الموت والعلاقة المدمرة بين الإنسان والطبيعة وخراب البيئة، بخامات وتقنيات متنوعة.
خرج رؤوف الرفاعي، منذ البداية في تيمة «الدرويش»، من التباسات فكرة المتصوف التي قد تخطر على الذهن بفكرة مضادة، إذ يطرح بطريقة النقد الساخر شخصية الإنسان الشعبي البسيط من زاوية سوسيولوجية متأتية من الفولكلور والقص الشعبي، ومن شخصيات بيروتية يعرفها الناس عادة، لأنها قريبة من لغة الشارع وقضايا المجتمع وشعاراته وطرائفه وحكاياته. فالرجل الذي يعتمر الطربوش ظهر في لوحة الرفاعي، على أنه الشخصية الملغزة المخادعة ربما والمليئة بالرموزية، ولم يعد ذلك البطل الأسطوري الذي كان يتغلغل الى الذاكرة على انه النزيه والمنقذ، بل أصبح في الزمن الراهن رمزاً للاستغلال والتطفل والهامشية وحالة الإرهاب والاستسلام للنزوات المتطرفة، وهو في آن واحد الإنسان الساذج الذي لا يريد أن يرى أو يسمع أو ينطق بالحق، لفرط ما يعانيه من التشوهات الداخلية والأزمات النفسية والعنتريات التي تصل في تطور مراحل رؤوف رفاعي الى حال الإلغاء والطمس وذلك في لغة تعبيرية وانفعالية حادة بألوانها وزيوحها، تصل الى مستوى الكاريكاتورية الساذجة وهي تتذرع بالعفوية لكي تصدم.
يعمل رؤوف رفاعي على الفكرة كمؤدى شعبي متصل بالذاكرة الجماعية في ماضيها وحاضرها، إذ إن وضع الشخصيات بطريقة الوجاهية المباشرة على مسرح اللوحة يستدعي إحاطته الأشكال بتفاصيل مقطوفة من الحياة اليومية. إلا أن «الطربوش» الذي يميّز شخصيات رفاعي برمزيته الدالة سرعان ما ينقلب إلى رمز الكوفية التي سبق وأطلقها الفنان أيمن بعلبكي عبر شخصية الملثّم في المزادات الدولية، فضلاً عن ظهورها في تجارب عربية معروفة (على وجه الخصوص الفنانة الفلسطينية ليلى الشوا…)، وقد اتخذها رفاعي شعاراً للمعرض، علماً بأنها لا تدل على مضمونه ومحتوياته، ما خلا في عمل واحد بعنوان «كبيس» في إشارة باطنة الى حال الضغط والانغلاق التي وصل اليها حال الإنسان العربي.رسوم جدارية ومنحوتات برونزية وأعمال تجهيزية من مقاربات ذهنية ومفهومية مختلفة، منها الجثة المكفّنة بالأبيض على سرير حديدي مستهلك (منى حاطوم) وعلى الجدار الخلفي عبارة «درويش» بالنيون، وتجهيز ثانٍ مكون من ألعاب طفولية من البلاستيك باللون الأسود. وتجهيز ثالث عبارة عن مجموعة من أشكال الكرة الأرضية يختلف بعضها عن بعض، باختلاف مستويات التلوث الذي يعم بحارها ومحيطاتها، بمحاذاتها لا نعرف سبباً لظهور السلم الخشبي الذي تعتليه لعبة من البلاستيك لطفل وعلى رأسه طربوش.
ثم نعثر في مكان آخر على تجهيز مؤلف من تلفزيون قديم ومخرب ومفرغ من داخله وعليه يد بشرية مأخوذة من هيكل عظمي.

 

المصدر: الحياة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى