تسعون عاما على كتاب ‘في الشعر الجاهلي’ .. هل اختلف وضع التفكير والتكفير؟

الجسرة الثقافية الالكترونية

حمد فضل شبلول

تسعون عاما تمر على صدور الطبعة الأولى من كتاب “في الشعر الجاهلي” للدكتور طه حسين التي صدرت في أبريل/نيسان عام 1926. ترى هل اختلف وضع التفكير والتكفير منذ هذا التاريخ وحتى الآن؟

تقول الكاتبة نرمين عبدالعزيز: نحن أمام كتاب انقسم الناس حوله إلى طائفتين، إحداهما أصابها الدهشة والتساؤل وأصبحت تنبش في القديم بحثا عن حقيقة مدعمة بدلالات، والأخرى استنكرت ورفضت بل تعدت إلى التنكيل بصاحب الكتاب ووصفته بالإدعاء وأحالته للقضاء.

وتؤكد أن أحداثنا الجارية أعادت ذكر الكتاب بمضمونه الذي حطم أفكارا وتاريخا لينشىء فكرا مغايرا يدعو للتشكيك فى معارفنا وبديهيات أفكارنا.

لقد أثارت آراء طه حسين الكثيرين، كما وجهت له العديد من الاتهامات، ولم يبال بهذه المعارضات القوية التي تعرض لها ولكن استمر في دعوته للتجديد والتحديث، فقام بتقديم العديد من الآراء التي تميزت بالجرأة الشديدة والصراحة فقد أنتقد الطرق التقليدية في تدريس الأدب العربي، وضعف مستوى التدريس في المدارس الحكومية، ومدرسة القضاء وغيرها، كما دعا إلى أهمية توضيح النصوص العربية الأدبية للطلاب، هذا بالإضافة لأهمية إعداد المعلمين الذين يقومون بتدريس اللغة العربية، والأدب ليكونوا على قدر كبير من التمكن، والثقافة بالإضافة لاتباع المنهج التجديدي، وعدم التمسك بالشكل التقليدي في التدريس.

من المعارضات الهامة التي واجهها طه حسين في حياته تلك التي كانت عندما قام بنشر كتابه “في الشعر الجاهلي” فقد أثار هذا الكتاب ضجة كبيرة، والكثير من الآراء المعارضة، وهو الأمر الذي توقعه طه حسين، وكان يعلم جيداً ما سوف يحدثه فما قاله: أنا مطمئن أن هذا البحث إن أسخط قوما وشق على آخرين، فسيرضي هذه الطائفة القليلة من المستنيرين الذين هم فى حقيقة الأمر عدة المستقبل وقوام النهضة الحديثة وذخر الأدب الجديد.

ومن هنا ننتقل إلى التساؤل سبب اثارة البحث أهناك شعر جاهلي؟ ما هو السبيل إلى معرفته وماهو؟ وما مقداره؟

وقد يفاجئنا الكاتب في شكه في قيمة الشعر الجاهلي وأن الكثرة مما يسمى شعرا جاهليا ليست من الجاهلية في شيء، إنما هى منتحلة مختلقة بعد ظهور الإسلام، فهي اسلامية تمثل حياة المسلمين وميولهم وأهوائهم أكثر مما تمثل حياة الجاهليين. إن ما بقي من الشعر الجاهلي الصحيح قليل جدا لا يمثل شيئا ولا يدل على شيء.

ويقول طه حسين فى ذلك:

“لا أضعف أن أعلن إليك وإلى غيرك من القراء أن ماتقرؤه على أنه شعر إمرىء القيس أو طرفة أو ابن كلثوم أو عنترة ليس من هؤلاء الناس فى شيء، انما هو انتحال الرواة أو اختلاف الأعراب أو صيغة النحاة أو اختراع المحدثين والمتكلمين.

وقد استعان الكاتب لإخراج هذه النظرية إلى المبحث الفني واللغوي لأنه رأى من خلال الوجهة اللغوية والفنية صعوبة أن يكون هؤلاء الشعراء أن يذاع أو ينشر أشعارهم قبل ظهور القرآن”.

ويرى الشاعر الكبير أحمد سويلم أن طه حسين اقتحم في هذا الكتاب الأبواب الموصدة في وجه العقل وكان عميدا في آرائه قوي الإيمان بالإسلام، ودعا إلى الاستناد إلى القرآن في تأكيد أصالة الشعر الجاهلي وليس العكس، لأن القرآن يعد أول كتاب يؤصل للغة الفصحى، ومن ثم قال بانتخاب أكثر الشعر الجاهلي لأن العربية قبل الإسلام لم تكن واحدة حتى يكتب بها شاعر يمني وآخر عدناني. هذا اذن جوهر الدراسة التي اتهم بها بالكفر والخروج على ما اتفق عليه. وأنا معك ان المعركة مازالت تتأرجح حتى اليوم بين صحة القديم وأعمال العقل.

وأضاف الشاعر سويلم: حينما انتهى طه حسين من تأكيد انتحال أكثر الشعر الجاهلي فقد خالف بذلك الذين يعتقدون أن القرآن في حاجة إلى الشعر الجاهلي لتصبح عرببته وتثبت ألفاظه. وفي هذا السياق يقول: أخالفهم في ذلك أشد الخلاف لأن احدا لم ينكر عربية النبي فيما نعرف ولأن أحدا لم ينكر أن العرب قد فهموا القرآن حين سمعته وتليت عليهم آياته. فأى خوف اذن على عربية القرآن من ان يبطل هذا الشعر الجاهلى أو هذا الشعر الذي يضاف إلى الجاهليين ذلك الذي يرويه وينتحله في غير احتياط ولا تحفظ قوم منهم الكذاب ومنهم الفاسق ومنهم المأجور ومنهم صاحب اللهو والعبث؟

طبعا هنا يعارض طه حسين المفاهيم النقدية المستقرة لكن السؤال هنا .. بالرغم من وجاهة رأي طه حسين لكن كل من كتب في الشعر الجاهلى بعده لماذا أكد وجود الشعر الجاهلي واعتمد على مصادره باعتبارها مصادر صحيحة حتى طه حسين نفسه حينما أعاد نشر الدراسة في كتابه الأدب الجاهلى أضاف فصولا وحذف أخرى وخفّف من حدة آرائه.

أما الناقد والأكاديمي بالجامعة الأميركية بالقاهرة د. السيد فضل فيؤكد أن لطه حسين فضل الريادة، ألقى حجرا في بركة راكدة وأصاب واجتهد وأخطأ. ويقول: ناقشتُ بمزيد من التوقير أفكاره الرائعة التي مضى عليها الزمن في دراسة لي بعنوان “الشعر الجاهلي وقضية التفسير شيخنا الذي علمنا أن نفكر قبل أن نقلد ونتأسى”.

الأديب حسن الأشقر يقول إن النصوص لا تتغير ويبقى الشعر خالدا وانما يتغير النقد والتناول والدراسة للبحث عن الجديد وكل من زاويته الخاصة فعندك مثلا الدكتور علي خليفة مازال يبحث في أدب الجاحظ وأدب العميد عبدالحميد الكاتب ومسرحيات وروايات الحكيم مع ثبات النصوص.

الشاعر عبدالرحمن البجاوي قال: رحم الله العميد الذي جاهر بكلمته وتحمل ما تحمل لكن الرويبضة انتشروا.

الشاعر ناجي عبداللطيف يؤكد على ما قاله الشاعر أحمد سويلم وقال: المعركة باقية للأبد طالما هناك عقل يفكر ويدبر ويظل الشك المنهجي يأخذ بأيدينا لنفتح الأبواب المغلقة. جزاك الله خيرا لهذا التوضيح وهذه الخطى بالمناسبة الأمر ليس محصورا على الأدب والشعر فقط بل العلم كافة بما فيها علوم الدين.

أما الشاعر عبداللطيف الجوهري فقال: ألفت أنظار الأعزاء إلى مؤلف الأديب الوزير الدبلوماسي الأردني الدكتور ناصر الدين الأسد (1922- 21 من مايو/آيار 2015) عن الشعر الجاهلي ومناظراته للدكتور طه حسين وهو الدارس المتخصص في الأدب الحاصل على درجة الدكتوراه من جامعة القاهرة بدرجة امتياز ومؤسس الجامعة الأردنية ووزير التعليم العالي والسفير في عدد من الدول، ويمكن الرجوع إلى مجلة الرسالة (الأصلية) ومتابعة ما ذخرت به من كتابات وردود فضلا عن المؤلفات التي صدرت في الموضوع للأساتذة الدكتور عمر فروخ والعلامة فريد وجدي والشيخ الخضر حسين والرافعي وغيرهم.

بينما يرى الأديب سعيد رمضان أن الأمر لم يختلف لا التفكير ولا التكفير، ويؤيده في ذلك محمود غنايم الذي يرى أن الوضع ساء أكثر فأكثر.

المصدر: ميدل ايست اونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى