ركز على جمالية الصورة واستحق جائزة في «كان»… فيلم «ذي أساسين» يروي حكاية قاتلة مأجورة في الصين

الجسرة الثقافية الالكترونية

سليم البيك

لمعرفة مثال جيّد على فيلم ينال جائزة أفضل مخرج، تمييزاً لها عن جوائز أخرى كأفضل فيلم مثلاً، يمكن مشاهدة «ذي أساسين» أو (القاتل المأجور). الفيلم عمل إخراجي بامتياز، استحقّ الجائزة في مهرجان كان الأخير، لدور المخرج تحديداً في الفيلم، كصانع للصورة قبل أن يكون «مديراً» لكافة مفاصل الفيلم، من السيناريو إلى الأداء إلى الصوت وغيره بما يتوافق ورؤيته الإخراجيّة.
قد يكون التّوصيف الأنسب للفيلم هو أنّه جميل، وذلك غير توصيف الجيّد. الجماليات في المَشاهد منحت الفيلم هذه الجائزة تحديداً، كل لقطة فيه أمكن أن تكون صورة فوتوغرافيّة، الأساس في المَشاهد جميعها كانت اللقطة، زاوية التّصوير ومدى البعد عن موضوع الصّورة، الألوان الزّاهية، الإضاءة والظل، حتى الاستطالات في لقطات ثابتة، كاستراحة تأمّلية للمُشاهد من زحمة الجماليات في الفيلم، يُضاف إلى كل ذلك الديكورات الصينيّة، المُشاركة هي الأخرى في صناعة الصورة تقنياً، فطبقات رقيقة من ستائر حريريّة رقيقة، تُستخدم بحركاتها كفلاتر ملوّنة في مشاهد عدّة. أخيراً، غياب الحبكة وتعقيد الحكاية أسهما في أن يصبّ المُشاهد مجملَ تركيزه على الجانب البصري في الفيلم.
بعد غياب ثمانية أعوام يعود المخرج التايواني هو سياو- سيين بفيلمه البديع. ليس للحكاية دورٌ أساسي هنا، موجودة إنّما ركيكة، وتعدّد شخصيّاتها يزيد من تفكّكها، والجماليات البصريّة قد تزيد من هذا التشوّش والتّغاضي لدى المُشاهد عن مدى ضرورة تبرير ما يحصل على الشّاشة، عن لماذا هذه تُقاتل تلك.
في الصّين، في القرن الثّامن، ني يينيانغ، قاتلة مأجورة، وُجّهت من عمّتها لقتل مسؤول في الدّولة أثناء سفره عبر مناطق ريفيّة مجاورة، تراقبه وتجده، ثم نراها متسللة في بيت مسؤول آخر لقتله، لسنا أكيدين لمَ، ولا تفعل بعدما رأت طفله. ترسلها عمّتها إلى مسؤول آخر، هو ابن عمّها وحبيبها السّابق، تقاتله وتتراجع عن قتله، وقد كانت قادرة على قتل الجميع، فالفروق شاسعة بينها وبينهم في الفنون القتالية، ثم تقاتل زوجة الأخير في الغابة، ولا تقتلها، فقط تترك علامات، وليس جروحا، على ما يرتديه الآخرون. أخيراً تعود إلى عمّتها وتنسحب من مهامّها.
كثيراً ما تكون الصّورة في الفيلم خلفيّة للحكاية، أو يتساوى الاثنان في دعم بعضهما بعضا، الحال هنا مختلفة، فالحكاية الرّخوة هذه أتت لتدعم الصّورة التي أراد المخرج أن يأتي فيلمه عليها، الأرجح أنّه شكّل الصّور في رأسه وبحث عن نصٍّ لخدمتها، متقصّداً ألا يأخذ النّص كثيراً من مجمل الفيلم، والقلّة اللافتة في الحوارات تشير إلى ذلك.
والجماليّات هنا لا تقتصر على المواقع المُعدَّة للفيلم، بديكوراتها وإضاءاتها، بل تمتد إلى الطّبيعة المُصوّرة اللافتة بألوانها وأشكالها، متنوّعة في ما بينها، غابات متباينة وأنهار وجبال وغيرها.
الفيلم من الناحية البصريّة والتفصيليّة في المَشاهد يذكّر بآخر ممتاز للمخرج نفسه هو «Flowers of Shanghai» في 1998، والذي يحكي عن كرخانة في شانغهاي في القرن التاسع عشر. ولهسياو- هسين عدّة أفلام ممتازة، منها «A City of Sadness» في 1989 الذي نال جائزة الأسد الذهبي في مهرجان فينيسيا السينمائي، ويُعدّ الفيلم من بين الأفضل في تاريخ السينما (مركز 117 حسب استفتاء مجلة «سايت آند ساوند»)، وفيلم «The Puppetmaster» في 1993 الذي يُعد كذلك حسب المجلة ذاتها من بين الأفضل، وهذه تقييمات قد تفوق أهمّيةً جوائزَ المهرجانات الرئيسية.
أمّا فيلمه الأخير «The Assassin» فقد نال عدّة جوائز وترشيحات أهمّها ما ناله في مهرجان كان، لكنّه بنظرنا مرشّح لينال مكانةً ما في تقييم المجلّة البريطانية العريقة في استفتائها المقبل (عشر سنين بين الاستفتاء والآخر)، وإن كانت حظوظ الأفلام الجديدة قليلة.
الفيلم يُرجعنا إلى أفلام المعلّم الياباني أكيرا كوروساوا، للفنون القتاليّة التي فيه وللجماليّات فيها، إنّما البطولة هنا نسائيّة، القاتلة المأجورة ذاتها وزوحة ابن عمّها كانتا الأفضل قتالياً، وهنالك عمّتها ونساء أخريات، كنّ المحرّكات للأحداث.
قد يكون التّوصيف الأنسب للفيلم هو أنّه مبهر، أنسب من التوصيف أعلاه بكونه جميل، وهي توصيفات تخصّ الشّكل، أو ربّما آسر، حيث لا يجد أحدنا فرصة لإمالة الرأس ولو قليلاً، حتى إن كانت الصّورة مثبّتة واستطالت بعض الشيء، أو تحديداً حين تكون الصّورة كذلك.

 

المصدر: القدس العربي

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى