«شبابيك» حلمي التوني… قصائد لونية تتغنى بجمال المصريات في غاليري بيكاسو في القاهرة

محمد عبد الرحيم

في معرضه الجديد والمعنون بـ»شبابيك» يقدم الفنان حلمي التوني مخزونه البصري والجمالي للنساء المصريات، في حالة احتفائية على مستوى اللون والحركة والتكوين.
النوافذ هنا أو الشبابيك تتباين وفكرة العرض نفسها فمَن يُشاهِد مَن؟ المُتلقي أم الشخصية المرسومة؟ حالة الزهو التي تجسدها اللوحات، وحالة المرأة في مواقفها العديدة توحي بتجربتها الخاصة مع الجمال، الذي لا يتحقق كاملاً إلا في وجود الحرية. هكذا أراد لها التوني أن تكون، وهكذا ندرك الفارق الشاسع بين ما كانت عليه المرأة وما صار إليه الحال. المقارنة واجبة وأنت في حضرة هذا الجمع من النساء في العديد من لحظاتهن المختلفة، من رقص وحب وغناء وحلم. أقيم المعرض ، وقد ضم ما يزيد على الأربعين لوحة زيتية.

طقوس الجمال المصري

ما بين الاستماع إلى كلمات الغزل من عاشق، أو تقديمه باقة من الزهور، كذلك طقس التجميل الذي تقوم به المرأة المصرية بمفردها أمام مرآة، أو بمشاركة أخرى تقوم بتزيينها، تتواتر طقوس المصريات في إظهار جمالهن، وفي ملابسهن التي تظهر تفاصيل أجسادهن الرائعة. تعود اللوحات إلى ذاكرتنا التي تآكلت الآن، فتصبح الملاءة اللّف ــ زي الشعبيات ــ والخلخال والقلادة/العُقد، إضافة إلى زي الفلاحات وما يحملنه فوق رؤوسهن من جرار الماء، أو ملامح البدويات من صحراء مصر. تنويعات النساء هنا تمثلهن في بيئات مصر المختلفة، وكلهن على صراط الجمال يسرن في ثقة فيها من الإدهاش الكثير. الأمر أشبه بطقس يدركنه ويعرفنه وفق طبيعتهن وطبيعة أرضهن. هذا ما توحي به الملامح والتكوينات البصرية للوحات، المرأة في مقدمة الكادر/النافذة، تطل في ثقة، مُستعرضة جمالها في تباهٍ كبير، هذه القوة المتمثلة في نظرة العين ووضعية الجسد، تخفي قوة أكبر في شخصيتها وثقتها في وجودها.

التراث الفرعوني والشعبي

يؤسس حلمي التوني لطبيعة الجمال الذي تعتمده المرأة المصرية، من خلال امتداد الروح الحضاري، وهو مزج لا يأتي مباشرة في اللوحة، فقط يتجلى من خلال التفاصيل، أولها وضعية الجسد وحركة اليد، والتشابه مع رسومات الجداريات الفرعونية، حتى أن أدوات الزينة تتشابه والأدوات القديمة، كالمَكحَلة على سبيل المثال. إضافة إلى لوحة تمثل فيها المرأة آلهة السماء الفرعونية (نوت)، وتنحني فوق النافذة، أو العالم الأرضي/عالم الشبابيك، وهي اللوحة الوحيدة التي تظهر بها المرأة خارج إطار النوافذ ــ اللوحة الأولى عند الدخول إلى المعرض ــ وكأنها الإلهة التي يبدأ بها الاحتفال، وتعدو حال النساء بعد ذلك في اللوحات تنويعاً وصوراً مختلفة لوجودها وقيمتها في الحياة. ويمتد التأثير ضمن العديد من العصور، فالمرأة تجلس على حصان وكأنها عروس المولد الشهيرة، ورغم التناقض ما بين المعهود لعروس المولد التي تقف فقط، بينما الرجل هو الذي يقود الحصان، يقلب التوني الأمر، وتصبح هي صاحبة حالة الاحتفاء. ليصل بها في النهاية إلى ما يُشبه رداء الزفاف الحديث، وهي لم تزل تحمل ملامح وروح جيلها القديم من النساء الجميلات.

الألوان والإيقاع

لم يكن سوى الألوان الحارة في درجاتها المشبّعة هي التي تليق بهذا الصخب الكرنفالي، والداكن في حال اللون البارد كالأزرق على سبيل المثال، ولا توجد مكانة للرماديات، هناك شحنة من الألوان الزاهية التي تليق بهذا الجمال. ولم يأت الجسد العاري إلا من خلال لوحة وحيدة ــ لقطة قريبة متوسطة ــ لامرأة تغطي بعضا من مفاتنها بسَلة فيها عدة ثمار من البرتقال، وفي الخلفية تبدو عناقيد العنب، ليصبح الجسد وصاحبته ضمن هذه الحديقة المتنوعة الثمار. وعبر اللون يتخلق الإيقاع البصري لكل لوحة، فالرداء الأحمر والملاءة السوداء المُعلقة بكتف المرأة، والمُنسدلة عن وعي مقصود، تخلق إيقاعها مع لون طربوش الرجل وخلفية اللوحة. كذلك حركة اليد في حالة لوحة الفلاحة وهي تمسك غطاء رأسها بيدها قرب فمها، واليد الأخرى تمسك بجرّتها، حركة اليد الدائرية هذه تشكل إيقاعاً يكشف أكثر ويوحي بمفاتنها التي تريد أن تلفت الانتباه إليها، أكثر من فعلها على غض الطرف. نجد ذلك أيضاً في عدة لوحات شكلت نساء يعزفن على آلات موسيقية مختلفة.. الكمان والعود والمزمار والدف، يقفن جميعاً أمام شرفة واحدة التصميم، وكأنهن يأتين من الغيب. وما بين خلفيات تتمثل الفاكهة أو الطيور المُغرّدة. هناك أيضاً الهدهد، والقطة والأسماك والنبات، حالة من التناغم والتآلف الكوني سِمتها الجمال فقط. إنها ألعاب الجمال ودروبه الشاقة في لوحات حلمي التوني، ولم تكن سوى المرأة المصرية الوحيدة القادرة على تجسيد هذا الجمال والبوح به عبر شبابيكها الحرّة، التي لا تعرف المواربة.

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى