صورة الأنثى في رواية: «اسمه الغرام» لعَلويَّة صُبح

 

عبد الواحد ابجطيط

رواية «اسمُه الغرام» إحدى الروايات اللبنانية النسوية، التي تسلط الضوء على هموم المرأة ومعاناتها في المجتمعات «الذكورية»، وتسعى إلى هدم الفكر النمطي الماضوي الجاهز، وتكسير الصورة النمطية للمرأة، وكشف المستور، عن سبق إصرار وترصد، في حياتنا الاجتماعية.
ومن ثمة، فقد اتسمت الرواية بالجرأة والإيروسية، وجعلت الكاتبة من الجسد الأنثوي محورا يتمركز حوله السرد؛ إذ احتفت بالجسد، وانهمكت في رسم تفاصيله وخباياه، وجهَرت برغباته، وميولاته، ونزواته.
تدور أحداث الرواية حول «نهلا»، وعلاقتها الغرامية بـ»هاني» التي استمرت بعد أن بلغا من الكبر عتيا. قضَت نهلا طفولتها في مجتمع ذكوري منغلق، تعاني فيه المرأة شتى أنواع الحرمان والاضطهاد (الزواج المبكر، المتعة، الحرمان من الدراسة…)، لكنها تمردت على الأعراف والتقاليد السائدة، وأصرّت على إكمال دراستها، ومحبة جسدها الأنثوي بدل قمعه. وبعد انتقالها إلى بيروت عانقت الحرية بأوسع معانيها، فأغرمت بشاب مسيحي (هاني) لكنّ الظروف لم تسمح بزواجهما، فتزوجت مضطرة بـ»سليم» وأنجبت الأطفال وأصبح لديها أحفاد، ومع ذلك استمرت علاقتها الغرامية مع الأول. إلى جانب تجربة نهلا، ثمة تجارب أخرى لشخصيات أنثوية رسمتها الكاتبة. فـ»عزيزة» أنموذج الفتاة «العفيفة» التي آمنت بالحب العذري، قبل أن تُزوَّج بابن عمها، وبعده تزوجت برجال كُثر باحثة عن المتعة، لينتهي بها الأمر إلى أن تكفر بالزواج نهائيا، وتفعل مثل صديقتها «منى» وتصاحب رجالا أثرياء يصرفون عليها وعلى أولادها. أما «نادين» فقد انجرفت إلى درب السحاق بعد أن اغتصبها رفاقها في التنظيم أيام الحرب، وأقنعوها بأن ممارسة الجنس مع رفيق جزء من النضال والحرية.
وهكذا، فقد سعت الروائية إلى تقديم صورة غير تقليدية للمرأة، وإبعادها عن النمط المألوف؛ وبالتالي بدت مؤسسة الزواج فاشلة. ترهق كاهل المرأة، وتعيق حريتها، وتكرس الاستبداد والعنف ليس إلا، حتى إن الرواية لا تسمي العلاقات الجنسية التي تقيمها الشخصيات النسائية المتزوجة بـ»الخيانة الزوجية»، ولا تنتقد ذلك، وتعتبره أمرا عاديا، بل تدعو إليه صراحة: «وإنتِ يا هبلا، خلّي قلبك يدقّ من الحبّ والغرام مش من الضغط. يلاّ قومي روحي عيشي وزتّي هالمقبور جوزك ورا ظهرك»؛ هكذا تقول «عزيزة» ناصحة «سعاد» أستاذة الفلسفة التي يَخونها زوجها مع طالباته، ولا يَقرَبها، بعد أن أصيبت بمرض جلدي. وحسبنا أن نشير، ها هنا، إلى ثلاث ملاحظات أساسية حول رواية «اسمه الغرام»:
1- إن هذه الرواية تندرج ضمن الرواية الإيروتيكية النسوية، التي تسعى لتمجيد الجسد الأنثوي والانتصار لميولاته ونزواته؛ وبالتالي تمركز السرد حول الممارسات الجنسية، والعلاقات الغرامية، بما في ذلك العلاقة المثلية. فلم يعد الجسد، مع الرواية الإيروتيكية النسوية، ذاك الجسد النمطي النموذجي الذي ينسجه الرجل ويتغنى به لحاجة في نفسه هو. كما أن الجنس لم يَعُد عيبا، وإثما مُبِينا – كما في معظم الكتابات الذكورية – ولا منضبطا بضوابط أخلاقية – كما في دين الإسلام ـ وبذلك سقط تابو الجنس من الثالوث المحرَّم في الرواية الإيروتيكية النسوية، وصار أمرا عاديا.
2- تقدم الروائية صورتين للمرأة (المرأة التقليدية والمرأة المتحررة)، وتنتصر لنموذج المرأة الثاني التي استمدت شخصيتها وهوايتها من الواقع الغربي (الترَجُّل، شرب الخمر، النزوع المثلي، الخيانة الزوجية…) لتسقطها في سياق مجتمعي مختلف له خصوصياته الحضارية وقيمه المحلية؛ الأمر الذي يُحدث الصدمة، ويثير أسئلة القيم والهوية… الخ.
3- لقد أنتجت الرواية صورا سيئة للرجل/الزوج، وانتقصت من مؤسسة الزواج باعتبارها تشكل عائقا لحرية المرأة، وميولاتها الذاتية، ومتعتها الجسدية التي لا يمكن العثور عليها إلا خارج أسوار هذه المؤسسة. وفي المقابل يَظهر العاشق إنسانا لطيفا ومتفهما ورومانسيّا… الخ.

٭ كاتب مغربي

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى