«البوكر» العربية للفلسطيني ربعي المدهون

كثيرة هي التكهنات التي سمعناها في اليومين الماضيين حول «الجائزة العالمية للرواية العربية» والمتعلقة بالفائز. هناك من قال إنها ستمنح مناصفة لكاتبين مثلما حدث في العام 2011 حين فاز بها كل من الكاتبة السعودية رجاء عالم عن روايتها «طوق الحمام» والمغربي محمد الأشعري عن «القوس والفراشة». بيد أن التكهنات بقيت مجرد تكهنات، ليعلن مساء أمس ـ خلال حفل افتتاح معرض أبو ظبي للكتاب ـ فوز الروائي الفلسطيني ربعي المدهون عن روايته «مصائر: كونشرتو الهولوكست والنكبة» (الصادرة عن «المؤسسة العربية للدراسات والنشر» و «مكتبة كل شيء»)، والذي سبق له ـ أي المدهون ـ أن وصل إلى القائمة القصيرة العام 2010 عن روايته «السيدة من تل أبيب».
إذاً اختير المدهون، ليكون أول فلسطيني يحوز الجائزة منذ تأسيسها، وليتم اختيارها من بين الكتب الأخرى التي تنافست في القائمة القصيرة التي كانت تضم ـ بالاضافة إلى الفائز ـ كلاً من «نوميديا» للمغربي طارق بكاري، و «عطارد» للمصري محمد ربيع، و «مديح لنساء العائلة» للفلسطيني محمود شقير، و «سماء قريبة من بيتنا» للسورية شهلا العجيلي، و «حارس الموتى» للبناني جورج يرق ليحصل الفائز على 50 ألف دولار (قيمة الجائزة) كما على 10 آلاف إضافية كونه وصل إلى اللائحة القصيرة.
ولد ربعي المدهون العام 1945 في مدينة «المجدل» (عسقلان، في جنوب فلسطين). هاجرت عائلته خلال النكبة العام 1948 إلى «خان يونس» في قطاع عزة. تلقّى تعليمه الجامعي في كل من القاهرة والإسكندرية ولكن أُبعد من مصر سنة 1970 قبل التخرج بسبب نشاطه السياسي. عمل محررا وكاتبا في صحف ومجلات عدة، منها «الحرية»، «الأفق»، «صوت البلاد»، «القدس العربي»، «الحياة»، كما في «مركز الابحاث الفلسطيني» وفي وكالتي «دبليو تي ان» للأخبار المصورة (وكالة أخبار تلفزيونية أميركية)، و «أي بي تي أن» للأخبار المصورة، وجريدة «الشرق الأوسط»، التي ما يزال يعمل فيها محررا.
حين اختيرت الرواية للائحة القصيرة، وصفتها لجنة البوكر العربية بأنها تضيف الى السرد الفلسطيني أفقا غير معهود سابقا، ويمكن وصفها بالرواية الفلسطينية الشاملة التي تتناول، في آن، مأساة فلسطين من جوانبها كافة. تقع الرواية في أربعة أقسام، يمثل كل منها إحدى حركات الكونشرتو وحين يصل النص إلى الحركة الرابعة والأخيرة، تبدأ الحكايات الأربع في التوالف والتكامل حول أسئلة النكبة، والهولوكوست، وحق العودة. إنها رواية الفلسطينيين المقيمين في الداخل الذين يعانون مشكلة الوجود المنفصم وقد وجدوا أنفسهم يحملون «جنسية إسرائيلية» فُرضت عليهم قسرا. وهي رواية الفلسطينيين الذين هاجروا من أرضهم إلى المنفى الكبير ثم راحوا يحاولون العودة بطرق فردية إلى بلادهم المحتلة. إنها رواية فلسطين الداخل والخارج.
تروي «مصائر..» حكاية عائلة «وليد دهمان»، تلك العائلة الكبيرة التي تشرد أفرادها، منهم من هاجر بلا رجعة ومنهم من هاجر وعاد وشعر بالغربة عن وطنه فعاد إلى منفاه، وغيرهم من «ركب عقله» وتحول إسرائيليا (؟؟!) كي يبقى في وطنه.
تبدأ الرواية بحكاية إيفانا الفلسطينية الأرمنية، التي أحبت في صباها طبيبًا بريطانيًا في زمن الانتداب على فلسطين، فأنجبت منه بنتًا أسمياها جولي، وهربا بها إلى لندن عشية نكبة عام 1948، وبعد سنوات طويلة، وقبل وفاتها توصي إيفانا ابنتها أن تحرق جثتها وتنثر نصف رمادها فوق نهر التايمز، وتعيد نصفه الآخر إلى موطنها الأصلي «عكا القديمة»..
تقول إيفانا في وصيتها «خذوا بعضي وكل روحي إلى عكا يعتذران لها حارة حارة.. خذوا ما تبقى مني وشيعوني حيث ولدت، مثلما ستشيعني لندن حيث أموت.. يا أصدقائي وأحبتي، يومًا ما، لا أظنه بعيدًا.. سأموت.. أريد أن أدفن هنا وأن أدفن هناك». بعد وفاتها تنفذ جولي وصية أمها بمساعدة زوجها وليد دهمان (بطل رواية المدهون السابقة «السيدة من تل أبيب»)، فيسافران إلى فلسطين ويتجولان في مدنها، ويقعان في عشقها.

 

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى