المشغولات اليدوية.. أناملُ مصريةٌ تحيي الماضي

وئام يوسف

ثلاثُ نسوةٍ جدلْن إنجازاتِهنّ من عبق التراث المصري مضافة إليه لمسة أنثوية حديثة، تؤكد أن مصر بلد مفعم بعراقة حضارته وتجدد إنسانه. نيفين ألتمان، نورا فؤاد، نسمة حداد، مصرياتٌ متفوقات قدمْن صوراً غنيّة ومتنوعة من خلال منتجاتهن المشغولة يدوياً بحبٍّ وإتقان، الأمر الذي جعل أسماءهن تلمع في عالم الفن التقليدي، خاصةً أن لهن فضلاً كبيراً في توثيق وإعادة إحياء حرفٍ أوشكت على الاختفاء في ظل صخب الحداثة والتكنولوجيا.
لم تدرِ نيفين أن رحلة استجمامٍ إلى سيوه برفقة ابنتها ستعطفُ حياتها بعد حين، وتجعل اسمها ماركة مسجلة لمنتوجاتٍ أكثرُ ما يميزها الإبداع والالتصاق بمصر الخَصْب والطيبة. «نيفين ألتمان» متجر لبيع الحقائب والوسائد والأوشــحة والعرائس، له من المكانة في مصر ما يضــاهي «ديور» الفرنسية.
تمارة ابنة نيفين والمديرة التنفيذية للشركة تروي مشوار عملهما: «خلال زيارة أمي إلى سيوه منذ ما يزيد عن العقدين، تعرفتْ إلى سيدات يطرزن الملابس، وهي مهنة تقليدية كادت توشك على الاندثار، فطلبت من إحداهن أن تطرز لها وشاحاً، ليتطور الأمر لتطريز قطع قماشٍ وتوظيفها في صناعة شنط تبيعها أمي في القاهرة»، مشيرة إلى أن الموضوع تطور بعد حين ليشمل منتوجات عدة، إلى جانب اتساع دائرة العمل خارج سيوه كأسوان وشمال سيناء والإسماعيلية.
علاقةٌ عملٍ مفعمة بالود تربط نيفين بـ400 سيدة مصرية تنفّذ التصاميم التي ترسمها لهن، لتوضع الرسوم ضمن تشكيل يبرز جمال التراث المصري. وكان الفلاحون، الأطفال، الراقصة، الزهور، أفكاراً تدخل في تصاميمها بحسب تمارا، لافتةً إلى أن الرسوم مستوحاة من حياة الريف المصري، ليكون المنتج بمثابة توثيق وإعادة إحياء للفن التقليدي الأصيل، خاصة أن بعض الأقاليم لا تزال تستخدم المواد الخام القديمة كخيط الحرير والقماش المنسوج بعناية فائقة.
وتشكّل نورا فؤاد مع معدن النحاس والطبيعة ثالوثَ إبداع مدرٍّ لتصاميم راقية. «حرفية ومصممة حليّ»، هكذا تحب أن توصف. أولعت نورا بمعدن النحاس منذ دراستها للفن الإسلامي في مركز الحرف التقليدية في مصر. وتقول عنه إنه «ثريّ وجاذب، سواء من حيث ملمسه أو كنتيجة خالصة، فضلاً عن نشوة تطويعه رغم صلابته».
تصاميم نورا تتكئ على الفن الإسلامي. «دراستي لهذا الفن جعلتني أرى الأشياء بعين أخرى»، تقول لـ «السفير»، مضيفة أن لهذا الفن «التصاقا مباشرا بالطبيعة التي هي تشكيلٌ هندسيٌ كوني له نسبه ومعاييره الجمالية».
وحدات الإضاءة والمرايا كانت بدايةُ عملِ نورا منذ أربع سنوات، ولم يكن تصميم الحلي هدفها، إلا أن الإعجاب بعملها دفعها للغوص في هذا العالم الذي وجدت نفسها فيه لاحقاً، وباتت لها لغتها الخاصة والمضفورة من أصالة الفن الإسلامي وأناقة لمستها الأنثوية، ليكون منتجها على قدرٍ عالٍ من الجودة والابتكار.
من جهتها، نجحت الفنانة التشكيلية نسمة حداد بالمواءمة بين دراستها للفن وتعلقها بجذورها النوبية، ليكون «البازار النوبي» الذي افتتحته في وسط البلد في 2012 مركزاً يروج للثقافة النوبية. يحتوي البازار مشغولات يدوية تمثل جميعها عناصرَ من الموروث الشعبي النوبي (حلي، جلود، سجاد، فخار، أطباق، أزياء… إلخ) إلى جانب صورٍ وكتب تحكي تاريخ النوبة ويوميات أهلها.
«يشكل البازار حلقة وصلٍ ثقافية واجتماعية بين الشباب القاهري وأهل النوبة» تقول نسمة، مشيرة إلى أن الكثير من طلاب الجامعات يعتمدون المكان كمرجع يطلعهم على حضارة النوبة الغنية. وتضيف لـ «السفير» أن النوبة «هي روح مصر الدافقة بالنضارة، وأن تراثها زاخر بالتفاصيل التي تعبر عن طيبة أهلها وأصــالتهم وحبــهم للحياة». النيل والفلاح والعيد والخــضرة، أفكار تتجسد في المنتجات النوبية الــتي تبيعــها نسمة، لافتة إلى أنها تبيع منتجاتٍ تصنع في النوبة بمشاركة 16 أسرة نوبية.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى