قاسم اسطنبولي من صور إلى النبطية.. لكل منطقة فضاؤها

فاتن حموي

لامركزية الثقافة تشكّل هاجساً لدى الممثل والمخرج قاسم اسطنبولي الذي أعاد الحياة إلى «سينما الحمرا» في صور بعد تأهيلها وافتتاحها في حزيران من العام 2014 وأصبحت تعرف بمسرح اسطنبولي. وها هو اليوم يخوض تجربة ثقافية جديدة في النبطية من خلال إعادة افتتاح «سينما ستارز» التي أقفلت في العام 1990، ويعتبر مبناها الأقدم تاريخياً في المدينة.
لا يهدأ الشاب الجنوبي ولا يتعب من حفر أرضية ثقافية فنية متعدّدة الآفاق من مشروع إلى آخر، تدفع به أحلام كثيرة تتجسّد وقائع مميّزة بفعل إيمانه بعمل الفريق لا الفرد. ينتقل بين ثلاث مدارس أستاذاً للمسرح، ويجوب الأحلام متأبطاً عشقاً لا تحدّه العوائق للمسرح والفنون؛ يحضّر مع طلاب ورشه التدريبية للمسرح مسرحية بعنوان «العائلة 2» للكاتب ستيفان أوركيني من إخراجه، ويجهّز لمهرجانه المسرحي بين صور والنبطية، وقد يتمدّد إلى مناطق أخرى في آب المقبل الذي سيشهد افتتاح منصة ثقافية فنية من خلال إعادة إحياء «سينما ستارز».
يعلن اسطنبولي في حديث خاص لـ «السفير» انّ مسرح اسطنبولي في صور يحتضن ورشة دائمة مجانية للمسرح كل أحد من العاشرة إلى الواحدة، «نستقبل الجميع بدءاً من السابعة من العمر، وهناك ورشة للرسم تقدّمها أمل الحر، وورشة التصوير والسينما مع أحمد طرابلسي والمخرج السينمائي شادي زيدان»، وقد قدّمنا مسرحيتنا الأولى مع الطلاب بعنوان «من أجل السلام»، والطلاب هم من اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين ينتمون إلى نسيج المنطقة وهم من ثقافات وأعمار مختلفة، وتنقّلنا بين المناطق لعرض مسرحياتنا الأربع، وكانت هذه العروض بمثابة سياحة داخلية للكثيرين وفرصة ليتعرّفوا على مناطق لم يزوروها في السابق».
عروض مجانية
يضيف اسطنبولي أنّ العلاقة مع الناس تطوّرت وهذا ما شكّل استمرارية ووسّع رقعة الحوافز للتطوّر والتقدّم، «لم يكن هناك مكان لتقديم العروض المسرحية والسينمائية في المنطقة، وبالتالي لم يكن هناك جمهور، والآن اكتملت المعادلة بين العروض والجمهور، وأصبح الناس ينتظرون على الباب، رواد المسرح هم من العائلات وهنا قمة الروعة إذ ليسوا ضمن دائرة المثقفين من رواد المسارح والسينما حصراً. العروض السينمائية لا تهدأ من عرض أفلام كلاسيكية لعمر الشريف وشارلي شابلن إلى عروض أوروبية وغيرها، والأهم أنّ كل العروض مجانية».
شهد مسرح اسطنبولي دورتين لمهرجان المسرح والسينما حتى يومنا هذا، يعود اسطنبولي بالذاكرة إلى افتتاح المسرح: «اعتُبر مهرجان المسرح أكبر حدث مسرحي وتضمن عروضاً من فرنسا والجزائر وتونس والمغرب وإسبانيا، ثم كان المهرجان الثاني سينمائياً وضيف الشرف الممثل محمود قابيل، وكرّت سبحة المهرجانات، فكان مهرجان صور الموسيقي تحية إلى الكبيرين وديع الصافي وصباح، وأتى مهرجان المسرح بدورته الثانية تحية إلى الفنان الكبير ريمون جبارة، والمهرجان السينمائي الثاني تضمّن ورشة عمل مع المخرج غسان سلهب وتمّ من خلاله تكريم المخرج جورج نصر، أمّا المهرجان الموسيقي فأتى تحية إلى العظيمة فيروز، وشاركت فيه الفرق الموسيقية التابعة لقوات اليونيفيل من غانا، كوريا، وإندونيسيا، وغيرها». يضيف اسطنبولي أن للكرنفالات في الشارع وقعاً كبيراً في نفوس الناس، فهي قوة جذب لهم إلى المسرح وهي تشكّل ثقافة فرح، ولن أنسى أنّ الناس زغردت ورشّت الأرز فرحاً يوم افتتاح المسرح منذ سنتين وكان بالفعل عرس فرح بامتياز».
جمعية تيرو للفنون
يشدّد اسطنبولي على أنّ نجاح المهرجانات التي أقيمت يعود إلى صدق الفنانين المشاركين فيها وإلى حبّ الناس وتفاعلهم مع ما يقدّم، فمن خلال «جمعية تيرو للفنون» التي تضمّ فنانين وشباناً من المدينة كبر فريق مسرح اسطنبولي وهو يكبر كلّ يوم، ولذلك نحن مستمرون وإيمان الفنانين المشاركين بنشر الثقافة أسّس للاستمرارية «يأتي الفنانون إلى صور للمشاركة في مهرجاناتنا دون أي مقابل مادي، لا بل إنهم يدفعون تكاليف انتقالهم إلى لبنان، ويبيتون في بيوتنا، ويأكلون ما تحضّره أمهاتنا من طعام. ولو كانت المشاريع مموّلة من جهات معيّنة لما كانت النتيجة كما هي. هناك صندوق لدعم المسرح، أسميّه صندوق حبّ المسرح، ونعتمد على هذا الصندوق من الناس. كما نلقى جزءاً من الدعم من بلدية صور ووزارة الثقافة، لكن اعتمادنا الأساس هو على التطوّع. المشروع ليس شخصياً بل هو مشروع بناء ثقافة في مدينة مهمّشة ثقافياً، واتضح أنّ الناس تحبّ المسرح والفن بكلّ حرية».
يعتبر اسطنبولي أنّه ومن خلال نجاح التجربة في صور، استطاع مع مجموعة من المؤمنين بالثقافة والفنون أن يكسر مركزية بيروت من حيث العروض، «كل منطقة يحق لها أن تنعم بفضاءات ومنصّات ثقافية»، مستنكراً عمل الجهات الداعمة من سفارات ومؤسسات ثقافية التي تساهم في أنشطة ثقافية في بيروت حصراً ولا تراعي الإنماء المتوازن في باقي المناطق.
اسطنبولي الذي قدّم أخيراً في إسبانيا عرضاً خاصاً به بعنوان «حكاية من الحدود» لسلمان الناطور ينفي وقوفه على خشبة مسرحه ممثلاً حتى اليوم، «التمثيل عشقي ولكن متعتي في هذه المشاريع تختلف عن متعتي الشخصية في تقديم عرض خاص بي. هو واجب أخلاقي تجاه المشاريع، أفرح بمَن يقدّم عروضاً وأصبّ كل تركيزي على نجاح المشاريع والعروض التي تقدّم، وأكتسب تجارب مختلفة».

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى